طوق النجاة العربي ينقذ إسرائيل في الوقت المناسب
د . علي الهيل
3/10/2010
كما هي العادة، القى العرب 'الرسميون' طوق النجاة للصهاينة الغارقين حتى آذانهم في فضائح اغتيال المبحوح، والاعتداءات على المقدسات الإسلامية المتمثلة في ضم الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال إلى التراث اليهودي 'الصهيوني'، والتوسع الإستيطاني في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين، وأعمال الهدم والتجريف تحت المسجد الأقصى، وقبل ذلك تداعيات تقرير غولدستون عن جرائم حربهم على غزة، وغير ذلك من الفضائح والاعتداءات والجرائم. وكما هي العادة، إنبرت الحكومة الأكثر صهيونية لتشكر الحكومات العربية على 'تعاطفها' معها (أي على خيانتها لشعوبها والتي يقول لسان حال شعوبها: 'اللهم إناَّ نبراُ إليك مما يفعل هؤلاء الرسميون العرب') في وقت تمر فيه الدولة الصهيونية بأسوأ أزمة علاقات عامة مع حلفائها 'داياتها ومربياتها' التقليديين على امتداد تاريخها، بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكـــية ودول الاتحاد الأوروبي. وأقل ملامــح هذه الأزمة، الحرج الذي سببته إسرائيل لحلــــفائها الأوروبيين تــحديدا نتيجة لاستخدام جوازات سفر أوروبية من قبل عملائها لدخول دبي والذي أدى إلى اغتيال المبحوح .
لو أن العرب 'الرسميون' أنصتوا جيدا لنبض الشارع العربي وتخلصوا من 'رسميتهم' التي لا تزيدهم إلا بعدا عن شعوبهم يوما بعد يوم، وتفادوا - هذه المرة ولو لمرة واحدة - الوقوع في فخ 'التسامح مع الآخر' والذي تسوقه منذ زمن دول اللا تسامح الغربية وإسرائيل، ولو أنهم قرأوا بشكل صحيح تفاصيل الأزمة الإسرائيلية الحاليــــة، والورطـــة التي أوجدت إسرائيل نفسها فيها، واستهجــــان العالم بما فيه حلفاؤها - وإن كان على مضض- من تصرفات إسرائيل لَكانت هذه الفرصة فــــرصة ذهـــبية نادرة قلما يجود بها الزمن العربي الشحيح، لاستثمار هذا كله وتجييره لصالحهم. وربما أنهم اتخذوا ذلك القرار مع قراءتهم - لِنفترض أنهم قرؤوا - في الداخل الإسرائيلي وما تمر به إسرائيل من أزمات وورطات غير أن الضغوط الأمريكية والأوروبية أجبرتهم - وكما هي العادة - على تجاهل نبض شعوبهم.
كان يمكن لما يسمى بجامعة الدول العربية أن تثبت أنها كذلك جامعة للشعوب العربية وليس للحكومات فقط وتصر على أن لا مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة من غير الموافقة على دعوة الرئيس أوباما: إستئناف المفاوضات مقابل تجميد بناء المستوطنات، والعودة عن ضم الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال إلى التراث اليهودي وإعادة كل المقدسيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم التي هُجروا منها والكف عن هدم البيوت في القدس الشرقية والضفة الغربية، ورفع الحصار المُدان عالميا عن غزة، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
هذه المطالب مطالب عادلة وليست سقفا عاليا مبالغا فيه بل ويقرها العالم ويقرها القانون الدولي وتنص عليها إتفاقية جنيف الرابعة. لو ووجهت إسرائيل بمثل هذا الموقف لَماطلت وناورت ولكن في نهاية الأمر ستُذعن لأنها لا تفهم سوى لغتين: لغة الشروط ولغة القوة. إن إسرائيل تشترط كما تشاء وكما يحلو لها وتصفع حتى أكثر حلفائها قربا وهي الولايات المتحدة الأمريكية على وجهها كما فعلت بدعوة أوباما، الرئيس الأمريكي. وللأسف فإن العرب لا يقدرون حتى على أن يشترطوا على إسرائيل بل ويقدموا لها الغطاء لكي تستمر في غلوائها وتعتدي على مقدسات المسلمين في فلسطين وتستمر في محاصرة غزة وتسير في مشاريع الاستيطان التوسعية في القدس الشرقية والضفة الغربية وتهدم بيوت المقدسيين وتهجرهم والعرب 'الرسميون' بمن فيهم ما يسمى بالسلطة الفلسطينية يتفرجون على الحجر الفلسطيني المقاوم لكل ذلك الظلم ولكل تلك الجرائم وحيدا.
ويتساءل المرء هنا: هل ما يسمى مجازا بجامعة الدول العربية ليس من مهامها - خاصة خلال العقدين الماضيين- سوى إنقاذ إسرائيل ومد يد العون لها؟ إن قرار اللجنة الوزارية العربية الأخير بإعطاء الغطاء لما يسمى بالسلطة الفلسطينية لإجراء مفاوضات غير مباشرة لمدة أربعة أشهر هو مكافأة لإسرائيل على صهيونيتها المتمثلة في رفض دعوة الرئيس أوباما لجعل تجميد الاستيطان شرطا أساسيا للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي أطلقها من القاهرة بداية العام الماضي. وهو مكافأة لإسرائيل على صهيونيتها في فضيحة إغتيال المبحوح، وهدم بيوت الفلسطينيين في القدس الشرقية وتهجيرهم منها وحصارها لغزة وإهاناتها المتكررة للمسجد الأقصى واعتداءاتها على سائر المقدسات، وغير ذلك مما بات معروفا للجميع. بل وأكثر من ذلك فإن القرار الوزاري العربي 'الرسمي' كرس تجاهل إسرائيل للمبادرة العربية التي طرحها الملك عبد الله خادم الحرمين في قمة بيروت 2003. وبرغــــم أن المبادرة العربية للسلام لا تمثل سوى الحد الأدنى لما يمكن أن يقبل به الشارع الفلسطيني ومعه العربي في ضوء المعطيات السياسية الحالية فقد كان يمكن للجامعة أن تذكر الصهاينة بأن البديل لرفض إسرائيل للمبادرة هو تأييد ودعم حركات المقاومة الفلسطينية والعربية ضد إسرائيل. ودعوة كهذه لو أُطلقت لأَقلقت إسرائيل حتما.
مما لا شك فيه أن دولة المقر المتواطئة مع المشروع الصهيوني ليلا نهارا جهارا، (وما الجدار الفولاذي المصري حول غـــزة، والفتح الجزئي لمعبر رفح والتخاذل المشين في الحرب الصهيونية على أطفال غزة نهاية عام 2008 وبداية 2009، إلا مؤشرات على هذا التواطؤ) له توقيعه الواضح وتأثيره على القرار المشؤوم. وإلا لماذا لم تشنف الجامعة (المتصهينة) آذاننا بما يمكن أن يشفي غليل الإنسان العربي باتخاذ مواقف قومية ضد ما يجري في القدس والضفة وغزة والأغوار وإزاء ضرب إسرائيل بعُرض الحائط دعوة أوباما لها بتجميد الاستيطان شرطا لاستئناف المفاوضات .
ويتساءل المرء ثانية: إذا كانت ست عشرة سنة (16سنة) من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل لم تجلب للفلسطينيين ولا حتى ما هو دون الحد الأدنى من حقوقهم الأساسية في المأكل والمشرب والمأوى، فأي أجندة يا تُرى تستند إليها الجامعة (يا رعاها الله) من وراء موافقتها على إجراء مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين؟ إنها قفزة بهلوانية أخرى في الهواء وجري للمرة الأخرى وراء سراب المفاوضات.
' أكاديمي فلسطيني