ثبت عن النبي أنه دعا على الكافرين ،كما ثبت أنه دعا لهم بالهداية ،والدعاء عليهم يكون في حالة الحرب ،لأنهم استكبروا ،كما أن الدعاء في حالة الحرب هو سلاح المؤمن ،وقد أمرنا الله تعالى به ،أما في حالة السلم ،فالأصل أننا ندعوهم إلى الإسلام فليس هناك داع للدعاء عليهم ،بل هم في حاجة للدعاء لهم عسى الله أن يفتح قلوبهم للإيمان.
يقول الدكتور محمد سيد أحمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر
الدعاء شكل من أشكال العبادة، وهو إظهار لموقف الخضوع أمام الله عز وجل، وهو استعانة بمن بيده ملكوت كل شيء ؛ طلبًا لعطاء أو دفعًا لبلاء.
والمسلم حين يدعو يمارس الأسباب ويستخدم الوسائل المشروعة ولا يتكاسل أو يتباطأ.
قال تعالى( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)[ غافر ـ60]
والدعاء على الأعداء الكافرين هو سلاح يستخدمه المسلم لتأييد جهاده وتأمين مسيرة فدائه، واستلهام الرشد في إدارة المعارك الحربية وهو من أفضل أنواع الذكر المأمور به في قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون)[ الأنفال/45]
والدعاء على الأعداء الكافرين يستخدم في حالين: في حال الجهاد وفي حال العجز عنه.
وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلي الله عليه وسلم دعا على المشركين ودعا لهم، ومن أحاديث الدعاء عليهم ما رواه علي بن أبي طالب قال: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا، شغلونا عن الصلاة الوسطي حين غابت الشمس ).ومارواه أبوهريرة قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم يدعو في القنوت:( اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عباش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك علي مضر، اللهم سنين كسني يوسف.
ومن أحاديث الدعاء للمشركين ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال: قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا: يارسول الله إن دوسا عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اهد دوسا وائت بهم.)
يُنصَرُونَ{41} وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ{42}القصص
وقال سبحانه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }القصص4
ولما وصل فرعون إلى هذا المستوى من الطغيان والاستكبار واجهه موسى بسلاح الدعاء فدعا عليه بدعاء سجله القرآن الكريم لكي يبقى لنا درسا نستفيد منه ونعرف من خلاله قيمة الدعاء: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ }يونس88 {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }يونس89 فكانت النتيجة كما أخبرنا رب العزة :{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ }القصص40 ؛
إنه أثر الدعاء وخاصة إذا كان هذا الدعاء صادرا من جهة مظلومة. فعن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله : "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
أيها المؤمنون، إن الدعاء على الظالمين، أمر مشروع، سيما إذا كان الظلم واقعا على المسلمين، وتزداد هذه المشروعية إذا كان الظالم كافرا يحارب الإسلام، وأهله.
الرسول عليه السلام وسلاح الدعاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولقد قنت رسول الله شهرا يدعو في الصلاة على أحياء من العرب، قتلوا سبعين من الأنصار غدرا كانوا يسمون بالقراء كما روى ذلك البخاري في صحيحه.
قصة من التاريخ
ــــــــــــــــــــــــ
أيها المسلمون، أيها المستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها اسمعوا إلى هذه القصة التي رواها جملة من أهل التاريخ والسير، عن يحيى بن هبيرة الوزير الصالح، قال لما استطال السلطان مسعود بن محمد السلجوقي وأصحابه وأفسدوا عزم الخليفة على قتاله، قال يحيى: ثم إني فكرت في ذلك، ورأيت أنه ليس بصواب مجاهرته، لقوة شوكته، فدخلت على المقتفي، فقلت أني رأيت أن لا وجه في هذا الأمر إلا الالتجاء إلى الله تعالى وصدق الاعتماد عليه، فبادر إلى تصديقي في ذلك، وقال: ليس إلا هذا، ثم كتبت إليه، إن رسول الله قد دعا على رعل وذكوان شهرا، وينبغي أن ندعو نحن شهرا، فأجابني بالأمر بذلك. قال الوزير: ثم لازمت الدعاء في كل ليلة، وقت السحر، أجلس فأدعو الله سبحانه فمات مسعود السلجوقي، لتمام الشهر، لم يزد يوما، ولم ينقص يوما، وأجاب الله الدعاء، وأزال يد مسعود وأتباعه عن العراق، وأورثنا أرضهم وديارهم.
ثمرات وفوائد الدعاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيها الأخوة الكرام، إن للدعاء على أعداء الدين، من اليهود والنصارى، والمنافقين، والعلمانيين، وأذنابهم، فوائد جمة، منها:
1 ـ أن الدعاء في حد ذاته عبادة عظيمة، بل هو لب العبادة وروحها، ولذا ثبت في الحديث الصحيح عن النعمان بن بشير عن النبي في قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}غافر60 قال: (الدعاء هو العبادة) وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60
2 ـ الدعاء يحقق استحضار العبد صفات الله تعالى وأسمائه والشعور بعظمتها والتعبد بها، فهو إقرار من المؤمن بأن القوة لله جميعا، وأن العزة لله جميعا، وأن الله خالق كل شيء، ورازق كل دابة، وأن الناصر هو الله والقاهر هو الله، والضار النافع هو الله، والآمر الناهي هو الله، والظاهر الباطن هو الله {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 والإحساس بهذه المعاني هو الذي يقود المسلمين إلى امتثال أمر الله تعالى:{.. فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران175
3- الدعاء يذكي روح اليقين في حياة المسلمين، فتحقيق هذا اليقين، والتوحيد الذي حصل بهذا الدعاء على الطغاة والمتجبرين، يخلع الخوف الذي تولد في قلوب المسلمين من قوة المتجبرين، وطغيان الكافرين، ويجعلهم يحتقرون القوى كلها بجانب قوة العزيز القهار، ويعلمون أن ميزان القوى الحقيقي هو {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً }البقرة165 فتصغر في عيونهم كل قوة مهما عظمت إذا هم استمدوا قوتهم من الله رب العالمين.
4 ـ والدعاء على أعداء الدين بشتى أنواعهم نوع من أنواع التضامن مع الإخوة المستضعفين والمظلومين ونصرتهم والوقوف إلى جنبهم والإحساس بآلامهم كما قال في الصحيح: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وهو تعبير صادق عن عقيدة الولاء والبراء التي هي الرحى الذي تدور عليه عقيدة التوحيد (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، وهي العقيدة التي توجد المفاصلة في العقائد والأفكار والمناهج، ومن ثم تمايز الصفوف والنصرة عند القتال
5 ـ والدعاء على معسكر الكفر وأهله المحاربين، إذكاء لروح اليقين في حياة المسلمين، ليعلموا أن الأمر كله لله {.. إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7 {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }التوبة14 {..كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249
6 ـ والدعاء على من يحارب المسلمين إحياء لمعاني الجهاد في النفس وهو يعبر عن صورة من صور تحديث النفس بالجهاد إذ إن (من مات و لم يغز،و لم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق )صحيح.
فهو استحضار للمعركة المتواصلة بين الحق والباطل، كما يربي قوة العزيمة وشدة البأس في نفس المسلم ليكون مستعدا لدك حصون الباطل. ويبعث فيه الإرادة الجازمة على محاربة كيد الكافرين.
الدعاء من أسباب النصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أعظم ثمرات الدعاء، أنه سبب من أسباب النصر وقد بينا من قبل كيف أن دعاء موسى عليه السلام كان سبب انتصاره على فرعون، وأخبرنا القرآن كذلك أن أصحاب طالوت لما أرادوا أن يحاربوا جالوت وقومه، وكانوا قلة، توجهوا إلى الله بالدعاء {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة250 وقد ضمن الله نتيجة الدعاء كما جاء في قوله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}غافر60
أيها المسلمون: إننا حينما نتحدث عن سلاح الدعاء في مواجهة الأعداء لا ينبغي أن نفهم أنه يجب الاقتصار عليه وإغفال ما يمكن فعله من الأعمال الأخرى، ولكن الدعاء يظل أمرا ملحا في كل الأحوال وخاصة في حلة الضعف. واعلموا أيها المسلمون أن الدعاء الذي يستجيبه الله تعالى هو ذلك الذي يكون نابعا من قلب خاشع متضرع، وإذا أردت أن يكون قلبك كذلك في الظروف الراهنة، فتذكر أخاك المسلم الذي يهدم بيته على رأسه وهو ينظر، وتصور حال ذلك الذي تمطره السماء بالقذائف والقنابل تهز الجبال وتصم الآذان وتخرب العمران، وتفكر في إخوانك الذي يقضون ليلهم في هلع شديد من شدة القصف المتوالي. تذكر آلافا من المسلمين حلت بهم النكبات ونزلت بهم المصائب، ففرقت بين الولد وأبيه وبين الأم ورضيعها، وبين الزوجة وزوجها... تذكر ذلك كله وأمثاله عسى أن يخشع قلبك وتتحرك مشاعرك ويكون دعاؤك صادقا مخلصا وهذا أضعف ما يمكن أن تقوم به كمسلم في هذه النكبة التي أصابت المسلمين...
فضيلة الداعية ـ الأستاذ بوعزة الرهوانيوللتوفيق بين الموقفين نقول: إن لكل مقام مقالًا، وحيث تكون الأمور هادئة فالدعاء بالهداية أولى، أما في وقت المعركة وأثناء الهجوم أو الدفاع، فالدعاء عليهم هو مقتضى الحال.
والدعاء بيتم الأطفال وترمل النساء هو دعاء بالهزيمة على الأعداء حتى يستأصل الله شأفة الطغاة المستكبرين.