باع بقرته التي لا يملك سواها بثلاثة آلاف ليرة وقبض الثمن ووضعه في كيس ثم دسه في وسطه ..وتوجه إلى منزله وعليه علامات الحزن والحسرة , وعلمت زوجته ببيع البقرة التي يملكونها فأخذت تعزيه عن فقدها وتمنيه بأن الله سيعوض عليهم بأحسن منها .. وجاء الليل وآوي الناس إلى منازلهم من شدة البرد .
وجلس الرجل ( أبو حسن ) وزوجته في غرفتهما المتواضعة , وبينما كانت أم حسن تعلل طفلها بالرضاع الكاذب لتحمله على الفطام إذا بطرقات خفيفة على باب الدار .
وفتح أبو حسن الباب فإذا برجل يرتجف من شدة المطر ويقول : غري ألجاني البرد غلى قريتكم ولا أعرف بها أحداً , وأنا في طريقي إلى حمص , فقال أبو حسن : ماذا نستطيع أن نقدم لك ونحن أسرة فقيرة وبيتنا ضيق لا يساعدنا على استقبال الضيوف ! فقال الغريب : أرجوكم البرد شديد اسمحوا لي فقط بالمبيت عندكم حتى الصباح ولا أريد أن أكلفكم أية نفقة , فقال أبو حسن : ليس لنا سوى هذه الغرفة أنام بها انا وزوجتي وطفلنا الصغير , فاعذرنا لعدم وجود مكان لك , فقالالغريبأنامفيهذه الزاوية وتنامون أنتم في الجانب الآخر ويمكنكم ان تضعوا بيننا حاجزاًوأجركم على الله , رق قلب ام حسن لهذا الغريب وقالت : يعيننا الله يا أبا حسن ولعله يرد عنا المصائب بحسنة ها الضيف الغريب .
ورحبا بالضيف ثم قام كل إلى فراشه بعد أن اعدوا للضيف ما وجدوا من غطاء وفراش , و ما لبث أبو حسن وزوجه أن غطوا في نومهم فقد أجهدهم التعب والسهر .
كان الغريب يراقب أهل الدار حتى تيقن أنهما استغرقا في نومهم وإلى جانبهم طفلهم الرضيع , فقام الغريب من فراشه على أطراف أصابعه وراح يتحسس موضع الطفل فحمله وخرج به من الغرفة ووضعه بعيدا في فتاء الدار.. وعاد غلى فراشه وتظاهر بالنوم .
وأحس الطفل بلسع البرد فراح يبكي فاستيقظت ام حسن على بكائه وتحسست الفراش فلم تجده فأيقظت زوجها وقالت له : لقد حبا الطفل إلى فناء الدار قم بنا نعيده إلى فراشه قبل أن يضره البرد , فقاما حتى وصلا إلى الطفل وانحنت عليه أمه وضمته إلى صدرها وهي تقول : لهفي عليك يا ولدي ما الذي أخرجك من فراشك في هذا البرد الشديد , وما كان أبو حسن وزوجته يتجهان بطفلهما نحو الغرفة حتى خر السقف وانهدمت الدار فوقعا واجمين , وسمع الجيران فرقعة الخشب وسقوط السقف فجاؤوا ليسهموا بالإنقاذ , فقال أبو حسن : يا ناس عندنا ضيف في داخل الدار يجب أن ننقذه قبل كل شيء , ودخل أبو حسن بصحبة بعض الجيران وسعوا إلى موضع الضيف فلم يجدوه , فأخذوا يرفعون الأنقاض حتى وصلوا إلى سرير أبي حسن وإذا بالضيف ميتاً تحت الانقاض وبيده كيس النقود وقد أخرجه من تحت الوسادة التي ينام عليها صاحب الدار .
كان هذا اللص قد حضر السوق ورأى أبا حسن وهو يبيع البقرة ويضع ثمنها في الكيس فقرر سرقة الثمن ورسم الخطة لاختلاس المال وتبع أثر صاحب البقرة من بعيد حتى رآه يدخل الدار , فلما أذنوا له بالمبيت حمل الطفل ليلاً إلى خارج الدار وتركه يبكي ليخرج أهله , وعندها يتسنى له اخذ الكيس الذي فيه ثمن البقرة , وقد رأى أبا حسن يدسه تحت الوسادة , كان اللص يضع الخطة وكان الله له بالمرصاد و فما كاد ينفذ خطته حتى تأذن الله أن يتعجل العقاب لهذا الماكر الشرير منكر الجميل , وان ينقذ الطفل واهله من سوء المصير , فأوحى إلى الطبيعة فثارت ثورتها وسقط السقف على اللص فقضى نحبه تحت الانقاض , فلئن غفل الإنسان لا تغفل يد الله .. وانصرف الناس وهم يقولون :
هذا مثل الجزاء السريع للذئب الفظيع .. وحقاً إن في ذلك لعبرة لمن كان له قلب .