[center]
بسم الله الرحمن الرحيم
لو علمنا ما للحرف العربي من مكانة بين حروف اللغات الأخرى لما أسأنا إليه،
لما أوجدناه في غير مكانه..
حاولت أن أجد له مكانا غير قلبي وعقلي فرفض
وهذا نتاج اتحاد العقل والقلب..
فالقلب يشكل جيوش الحب،
والعقل يقودها.
آمل أن أكون قد فزت بما أريد
بسم الله الرحمن الرحيم
نـور ونشوى.. والحب..
دون قصدٍ منها، رنت عيناها إليه، كانت نظرة البراءة يجللها الحياء، وتعكسها رغبة في حب الاستطلاع، والتعرف على مجهول لديها، لقد جاء إليهم وعرفوه على أنه ابن عمها، ولم ترَ عمها أو ابنه منذ أن خُلقت.
ما زالت لم تكمل ربيعها السادس عشر حين جاءوا، لقد كانوا في الغربة والتغريب وعادوا إلى أرض الوطن، ونزلوا ضيوفاً عندهم لأيام حتى يجدوا لهم مسكناً خاصاً بهم.
ما أن اكتحلت عيناها بمرآه حتى عضت شفتها السفلى مداعبة إياها، وهي حركة عفوية، وفركت عينيها، وردد عقلها ما قال قلبها، إنه الجمال، سبحان الله.
تسارعت دقات قلبها، وخفرت، وتوردت وجنتاها، وارتعشت أناملها، واصطكت قدماها وكادت أن تقع أرضاً، فاصطدمت بأختها الأكبر، والتي تكبرها بأكثر من خمس سنين وهمهمت معتذرة، وأسرعت إلى مكانها في غرفة النوم المشتركة مع شقيقتها، وراحت ترتعش، وكأن الدنيا أمطرت ثلجاً، وبذات الوقت أجَّ في الحشا منها حريق، والأطراف تكاد تتجمد.
تألقت روحها جمالاً، ورحلت في الفضاء الرحب، تُحلق بأجنحة العذرية والبراءة، والتي لم تعرفها من قبل.
لم تعد تشعر بوجود أحد حولها، هي في ملكوت خاص بها، وأختها أمامها تناديها..
نور.. نور.. يا نور.. وهزتها بكلتا يديها..
ها .. نعم .. ماذا .. آهـ .. طيب..
ماذا دهاك يا نور..؟
نعم نشوى.. لمَ تهزينني هكذا.. ماذا عملت؟
أفاقت نور ولم تفق، صباح الخير يا نشوى.. سأستعد للمدرسة.
مساء الخير يا أختاه.. نحن ما قبل الغروب، أين أنت؟ وما جرى لك؟
نشوى.. أنا هنا.. إني أمامك.. أين سأكون.. قالت هذا بصوت طروب لم يسبق لنشوى أن سمعته، فيه نبرة وإحساس غريبين، ولكنهما جميلين، ودلال يفوق الوصف.
نور.. تعرفين أننا أصحاب قبل أن نكون أخوات.. صحيح؟
صحيح..
وتعرفين أنني أحبك وأخاف عليك.. صحيح؟
صحيح..
هيا قولي ما الذي جرى لك؟
لا شيء.. لا شيء.. والله أنا نفسي لا أعلم عن ماذا تتحدثين.
نور.. على من ابنة أمي وأبي؟ أقطع ذراعي إذا لم يكن في الأمر أمر؟
نشوى.. قبل النوم أقص عليك ما جرى وبالتفصيل الممل، وأكون قد استجمعت ذكريات ما كان، ونكون لوحدنا ونتحدث بحريتنا.
ها قد أصبحنا لوحدنا..
من أين أبدأ.. من أين يا نور,, يا نور..
من حيث شئت الكلام يجر بعضه.
نشوى..
نعم..
ماذا تقولين عن نار بداخلك، وبرد يجمد أطرافك، وتشعرين بأنك تطيرين بأجنحة من الورد في السماء العالية، ومعك العصافير، وتحت منك الفراش، وتحلقين فوق الروابي، والجبال، والسهول، ومناظر كأنها الجنة، وكأنك تشمين رائحة أزهار الربيع.
الله.. الله.. الله.. وبعد يا أخيلية، إنك شاعرة وأنا لا أعرف.
صدقيني يا نشوى.. لست أنا من يتكلم، إن الكلام يخرج من صدري، وأظنه قلبي الذي يتكلم، أنا شخصياً لا أعرف من أين جاء ولا كيف تم تركيبه.
وما السبب، أقصد كيف جاءك الوحي، وأي طيفٍ أوحى لك بهذا؟
لم أكن أقصد..
حين اصطدمت فيك.. كنت قد نظرت نحوه.. فالتقت عيناي بعينيه.. أسبل عينيه وأشاح بوجه بوداعة لا أدري ماذا أقول عنها، وتعلقت صورته بأهداب عيني، وأغمضت عيني عليها فما زالت تسكن عيناي.
حينها.. غزاني شعور لا أدري كنهه، ولم تكن جيوشي مستعدة، فرفعت الراية البيضاء مستسلمة دون نقاش، كيف؟ .. لست أدري.
نشوى..
نعم.. يا نور عيني.. قولي يا أختي قولي..
أتسخرين مني؟
لا والله.. ولكن مندهشة.. أنت .. نور تقول هذا الكلام.. سبحان الله..
نشوى.. نار تشوي أحشائي.. وبرد يُجمد أطرافي، وعيناي تُسافران بعيداً بعيداً تبحث عن شيء لا أدريه، وتفتشان عن شبيه ما رأيت..
لقد رأيت جمالاً لم أسمع عنه إلا في وصف يوسف عليه السلام.
وراحت يداي تفتشان صدري عن قلبي فلم أجده، يبدو أنه فرَّ مني.. إلى أين؟ الله أعلم.
ويبدو أن عقلي تبع قلبي، فأختك الآن بلا قلب ولا عقل.
اسمعي يا نور..
نعم..
لم يسبق لي أن رأيتك بهذا الجمال من قبلُ قط، رأيتك وعيناك نجوم تتلألأ، وخديك روض تفتحت أزهاره، وشفتاك ترتعشان وفيما حمرة لا أقدر على وصف جمالها، كلك كنت الجمال بعينه، وحسدتك، وربما أكلت بعضي الغيرة منك.
نشوى.. إنه هو .. ابن عمك القادم من المجهول بالنسبة لنا، إلى المجهول بالنسبة له.
كيف وهو لم يكمل أسبوعه الأول عندنا، وأيام ويرحل إلى داره؟
نشوى.. ألم تلاحظي صمته الدائم، وابتسامته الملازمة لشفتيه، وشعره الفاحم الناعم المسترسل على جبينه بدلال فتىً عاش الحياة؟
ألم تلاحظي حدة ذكائه، وسرعة بديهته، وإجاباته الكاملة وباختصار؟
ألم تشاهدي الألق في عينيه، برغم مسحة الحزن فيهما؟
ألم تلاحظي كم هو مؤدب، ومتواضع، وطيب في تعامله المتدثر بالحنان ثوباً.
ألم تلاحظي..
نور.. نور.. كفى فوقي.. لقد رحلت إلى أبعد من البعيد..
صحيح يا نشوي.. ولكن ما عنى هذا الأبعد من البيد، مع أنني أكاد ألمسه بيدي.
إنه مثل قوس قزح، ترينه كأنك ستلمسينه، ولكنه أبعد من البعيد.
وقوس قزح جميل، ويبشر بالمطر، والمطر خير.
هل عرف شيئاً مثل هذا من قبل يا نشوى.
بدأت أرتعد خوفًا منك.. أخاف أن يكون الشيطان قد مسك.
لا تكون صاحبة هبل وعبط.. وهل الشيطان يمس بهذا الشكل الذي لا يوصف من شدة روعته، إنني أشعر بأحاسيس أغرب من الغرابة.
نشوى.. أتعرفين بماذا اشعر الآن؟
صدقيني.. لست أنا من يصف حالي.. إني مرتبكة.. وأشعر بأن قدماي تسيرا على جمر من النار، ويسير فيهما نمل كبير الحجم، وبرغم هذا محبب إليّ.
وأشعر بأن النيران تصعد إلى حشاي ببطيء حبيب للنفس، وهناك تقلصات في بطني، وارتعاد في كفلي، وشيء لست أدريه في ظهري، واللهيب زادت حدته حين وصل إلى وجهي، هل يشتعل وجهي يا نشوى؟
لا ولكنه يتورد ويغدو جميلاً جداً.
أما كفايّ يا نشوى..فكأن الشريان يدفع من القلب ناراً، والوريد يضخ إلى القلب ثلجاً،أين أجد من يستطيع وصف حالي، نار بجوارها ثلج، فلا النار تنطفئ، ولا الثلج يذوب، وأشعر بقطبي مغناطيس خلف ضلوعي، يتجاذبان، آهـٍ ما أروع ما أنا فيه، ليته يدوم العمر..
نشوى.. إن كنت أحلم فلا توقظيني.. فأنا في جنة، طفولتي تُعانق براءتي، وعذريتي تخاصر الاثنين، هناك أشياء تُحسُّ ولا توصف..
آه.. لابد يا أختي العزيزة ونور عيني أن يكون هذا ما يسموه .. من أول نظرة.
وما هو هذا الأول نظرة؟
إنه.. إنه.. الحب.. الحب يا صغيرتي.. كان بدري عليكِ.. هل ستستحمل طفولتك هذا الحب؟
الحب جميل بهذا الشكل..
يحيا الحب.. ودعيني في حبي وتصبحين على خير..
ستنامين.. سنرى.. عين العاشق لا تنام، وإن نامت لا ينام قلبه، وإن نام أيقظ عقله ليحرس الحب.
نشوى تنظر إلى شقيقتها بحنان وعطف ولسان حالها يقول.. ما أجملك يا نور.. وما أجمل الحب..
النار الوحيدة التي تشوينا ونسعد بها.
أبو الفرج تميم فرج
في ليلة غاب فيها القمر دون أن يكون خبرًا عاجلاً على الفضائيات