تنفستها فيو يوم يرفض أن يُغادر

سارت بدرب داسته قدماها مئات المرات، وبرغم هذا أنكرها الدرب ولم يتعرف عليها، سارت وهي شاردة الذهن، ولا تدري إن كانت تملك الفكر، أو أنها في حالة اللافكر واللاوعي معًا..

في هذه الأثناء كان محاورها يجلس على ضفاف النهر، ينظر إلى الأمواه التي تتبدل ألوانها حسب حالته النفسية، وعقله يقول لقبله:
العقل: لقد أحببتها.
القلب: نعم أحببتها، بل وعشقتها.
العقل: لماذا لم تخبرها؟
القلب: لقد أخبرتها، فمواصفات زوجة المستقبل بالنسبة لي تنطبق عليها واعتمدت على ذكائها.
العقل: لا.. أنت خفت من البوح.
القلب: لم أخف، بل احترمت نفسي، فهناك من تقدم لها وهي مترددة، وعلي الصبر.
العقل: وماذا الآن؟
القلب: إنني في حالٍ من أحلام اليقظة..
العقل: وماذا حلمت؟
التقيتها.. نعم التقيتها..
شعرها ليلٌ أسدل ستائره، وجهها بدرٌ أشرق في ليلة صيف صافية، عيناها بحيرتان صافيتان في وسط روضة غناء، أهدابها تحرس خديها من وشوشة الفراش، شطآن عينيها فيهما ميناء واحد رست فيه مركبي، شفتيها وردةٌ حمراء تكادُ تُجرحُ من منتصف، قوامها أعوادُ ريحانٍ تحملُ قبتين من مرمرٍ.

تمشي كريمٍ يتهادى صوب ماءٍ نميرٍ آتٍ من جدولٍ رقراقٍ وسط زهور ألليلك والياسمين والأقحوان، وعلى شجيرات اللبلاب حبّات الندى تتلألأ في ضوء شمس الصباح الحالمة.

نظرتها لم تكن زورق النجاة لي، بل شدتني فغرقت حُباً في بحيرتيها. كانت هذه المرة الأولى.

صدفة التقينا، تعانقت نظرات العين منا طويلا، وقبَّلَ قلبي قلبها، فابتسمت، بدرٌ أشرق في ليلة عاشق، أواهُ من ذاكَ الشروق، الابتسامة، أسرت مني جوارحي وحواسي وقلبي وعقلي ونفسي، فصليت صلاة الغوث، ربَّ تطفئ النار التي أجَّت خلف الضلوع. كان هذا في المرة الثانية. تواعدنا.

المكان والزمان، بدقة دقات القلب، التقينا، عِطرها عبق النرجس والياسمين، خطوها خطو أبَّازٍٍ سعيد، سعادتها تكاد تقفز من عينيها لتخاصر سعادتي وتراقصها، تشابكت منا الأيدي، سرت حرارة من يدها إلى القلب مباشرة، لم أعرفها من قبل، فاكتوى بنار حامية لاهبة، وباردة برودة الثلج، إنها نار الحب، عرفت هذا بعد حين.

سعدت بها، سرنا، تحدثنا طويلاً، صمتنا أطول، ومرت اللحظات سريعة كعادتها، وافترقنا، أقصد تواعدنا من جديد وأنا أَحلم بما كان.

العقل يصرخ.. انتظر.. انظر أمامك.. انظر..
أفقت من حلم يقظتي..
يا للهول.. ماذا أرى.. وقفت مشدوهًا.. إنها هي ولكن تبدو كحطام امرأة، وبرغم هذا رآها قلبي جملية فاتنة، بل هي الجمال بعينه.

هي: سبقها دمعها وسألت.. بماذا كنت تفكر، وشارد الذهن إلى هذا الحد؟
هو: سأقص عليك حلمي.. ولكن ماذا جرى.. أنت لست أنت.. برغم أن حزنك زادك جمالاً.
هي: لقد تزوج من أخرى.. واختنقت الكلمات.
هو: (فرح عقلي.. ورقص قلبي..) ودون أن أدري قلت الحمد لله.. الحمد لله.
هي: تحمد الله على مصيبتي؟
عو: أعتذر لقد خرجت الكلمات برغمي.. ولكن حمدي لله أنك لم تتزوجي ذاك، وحيرتك كانت في محلها.
هي: لقد أحببته.
هو: وإن يكن.. فإن قلبك لم يكن مستقر الحال حين فاضل بين السعادة والأمن، مع أن الأمن يأتي بالسعادة، وكنتِ في حالِ شكٍ من ذاكَ الحب.
هي: ماذا تقصد؟
هو: رب ضارة نافعة.
هي: لم أفهم.
هو: هل لديك الوقت لتسمعي ما سأقول، أريد عقلك أولاً، وإن كسبت العقل، سيساعدني على الفوز.
هي: عن ماذا تتحدث؟.
هو: عنك.
هي: أفصح، إنني مذبوحة.
هو: لا، كدتِ أن تُذبحي، و لكن الله لطف.
هي: يبدو أن لديك ما تقول.. إن لم أكن مخطأة فعيناك تتحدث بلغة أعتقد أنني أفهمها.
هو: وماذا تقول؟
هي: تقول بأنك سعيد لأنني لم أتزوج ذاك، وأعرف أنك لستَ من النوع الذي يشمت بالآخرين.
هو: نعم.
هي: بالله عليك هل تعلمت الشماتة أم ماذا؟.
هو: لا، بل الحب، بل العشق، بل ..
هي: حرام عليك.. إلى هذا الحد أنت...؟
هو: اسمعي.. سأبوح لك بحلمي الذي كنت أعيشه وأنت أمامي واقفة ولم أشعر بك برغم أنك كنت معي في عقلي وقلبي، وأمامي بالجسد والروح.

سمعت الحلم، وسعدت، وغدت حاله توصف بقول الشاعر المصري ابن نباته:
ثغور ابتسام في ثغور مدامع*** كوابل غيث في ضحى الشمس قد همى

ثم قال لها: اسمعي الحلم الأول الذي حلمته بالأمس، حين رأيتك تجلسين بجواره ولم أكن أدري أنه الوداع له، واللقيا لي.. اسمعي.

( يقص عليها الحلم الذي كان قد عاشه في إطار أحلام يقظته )
سافرت بعيداً دون قلبي، سافرت بجسدي، ولكِ أن تتصوري كيف عشت وأعيش بلا قلبٍ يجدد الدم للجسم العليل، وتتجمد الأحاسيس والمشاعر وتتبلد دون قصد.

عشت، أقصد تشبثت بالحياة على أمل أن ألقاك، وبقيت أجتر الذكرى، فيها حلاوة الماضي، ومرارة الحاضر، عشت أبحث عن نفسي ، أجوب أعماقي أُناديك، أبحث عن قلبي وما اهتديت إليه، وبقيت على هذا الحال حتى ساء الحال، ولم يزل، وسكنت الهموم خلايا الجسم الذي لم يعد جسماً إلاّ بالاسم فقط، فقد غدوت حُطام إنسان، أو حتى بقايا حطام إنسان.

وفي يومٍ شمسه حجبتها سحابة لكن أشعتها نفذت إليّ خجولة، كنت كعادتي كل يوم أبحث عن نفسي تحت شجرةٍ لا ظِلَّ لها ولا أوراق، إنّهُ الخريف، خريف السنة وخريف الحالة النفسية، وإذ بطفلةٍ ظبيةٍ تعدو وجلة وتصرخ دون صراخ، هرعت إليها، سألتها ما بها ؟، هدَّأتُ روعها، تكلمت، قالت كلاماً لست أدري منه شيئاً سوى كلمتين: قلبي مات. قلبي قُتل . قلبي غالوه. قلبي أنا.
وعشت يتيماً، وبلا قلب معمور بالحبيب. ولم أزل.
هي: وكيف أحببتني وأنت بلا قلب؟
هو: لأنه كان معك في أمان.. والأمان يأتي بالسعادة إن أحسنا التصرف.
هي: صدقني الحلم الثاني أجمل من الحلم الأول.. فيه صدق الإحساس.
هو: ولكن الحلم الأول فيه صدق العاطفة.
هي: العاطفة قد تخدع المرء.. ولكن الإحساس غالباً ما يكون صادقًا.
هي: والآن.. ماذا ستفعل..
هو: والآن إلى الفرح.. إلى الحياة، معك، ولك، وبك، وللمستقبل.. لن أسمح لك بالتردد.. فأنت خلقت لي، وملكت أغلى ما عندي: العقل، والقلب، والروح.. وأنا، هيّا الوقت يمر..
وأسميا أول مولود لهما.. فرحة.. فقد كانت فتاة كما يتمنى الوالد.

( الحكاية حقيقية، فقط أُخفيت الأسماء، وأضيفت العبارات الجميلة المعبرة، ولكن الموضوع، وصلب الحكاية حقيقي، وعايشت من عاشوه، وما زالوا لليوم أحياء، وفرحة تعمل أستاذة في جامعة إحدى الدول العربية.

برغم صدق الحكاية، آمل أن أكون قد وفقت في سرد أحداثها، وآمل أن تروق، فلم أُنهي الحدث بالزواج كالأفلام العربية، ولكن هذا ما حدث حقيقة، لأنه كسب عقلها، وعقلها ساعده على كسب قلبها.)
آمل أن يروق ما أملى عقلي، وما دون قلمي.




والوردة المرفقة هي مهداة منها إليه.. لقد عرفت الأمان، فكانت السعادة،
وبذا فهو يستحق الوردة.
وإن كان قد ملك الروض كله .
أبو الفرج تميم فرج
تنفست هذه الأحرف في يومٍ يرفض أن يغادر

[SIZE="6"]ان كل مفردات ثقافتي لا تفيكم حقكم من الشكر والتقدير والاحترام
دمتم بحفظ المولى[/SIZE]

ب

بدأت أتلمس دربَ حرفٍ يعرف الطريق ولكنه لا يخبر تفرعاتها.
التفرعات هي تفاصيل الدرب..
والشيطان يكمن في التفاصيل..
لذا ..
لا بد من طرد الشيطان بتملكنا للغة العربية
وصون حرفها..
يقتلني الغيظ حين أرى كلمة كُتبت بطرية النطق..
ابن الوردي يقول:
جَمِّلِ المَنْطِقَ بالنَّحْوِ فَمَنْ ... يَجْهَل النَّحو بالنُطق اختبل.

غريبة
لك الشكر من عجوز خبر الزمن