اليمن: اسباب انهيار المبادرة الخليجية
رأي القدس
بعد انهيار المبادرة الخليجية لحقن الدماء في اليمن، وترتيب انتقال سلمي للسلطة، بات السؤال الاكثر الحاحا، او المسكوت عنه، في ظل تدهور الاوضاع الامنية، وطغيان اصوات طلقات الرصاص على لغة العقل والتأمل، بات السؤال هو عن اسباب فشل هذه الوساطة، والمسؤول الحقيقي عن ذلك.
للاجابة على هذا السؤال وما يتفرع عنه من اسئلة ثانوية اخرى لا بد من مناقشة طبيعة المبادرة الخليجية اولا، ومدى جديتها ثانيا، والاخطاء التي وقع فيها رسلها ثالثا.
الدول الخليجية التي تقدمت بهذه المبادرة على عجل اخطأت في تقدير الحسابات، وقراءة الموقف على ارض اليمن قراءة صحيحة. فقد اعتقد مهندسوها ان الرئيس علي عبدالله صالح في موقف ضعيف امام الملايين التي طالبت باسقاطه، ولهذا بادروا الى الاسراع بالقاء طوق النجاة اليه لتسهيل هبوطه من كرسي العرش الذي اقام فيه اكثر من ثلاثين عاما الى منفى هادئ ومريح في مدينة جدة على ساحل البحر الاحمر الى جانب صديقه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
ولعل الخطأ الآخر الذي لا يقل فداحة، هو ان السيد عبداللطيف الزياني امين عام مجلس التعاون الجديد لم يكن يملك الخبرة الكافية في ادارة الازمات، والتمكن من ابجديات فن الوساطة بين الاطراف المتنازعة. فهو رجل عسكري جاء الى منصبه المدني لاعتبارات غير معروفة، بالنسبة الينا على الاقل، وبدأ عهده المدني الجديد بالتعاطي مع ازمة خطيرة ومتشعبة الاطراف على الصعد الامنية والسياسية والاقليمية والدولية.
التسرع وانعدام الخبرة، وسوء تقدير الاوضاع على الارض انعكست جميعا في تعثر المبادرة، وفشلها في تحقيق تقدم فعلي، وانعكست بواطن الخلل فيها، سواء من حيث الصياغة، او من حيث ادارة المفاوضات بين الاطراف المتنازعة، من خلال تعديل بنودها، اربع مرات، وتغيير اماكن توقيعها عدة مرات اخرى.
الرئيس علي عبدالله صالح اشتكى من خشونة المعاملة، وطرق التعاطي معه من قبل السيد الزياني خاصة الذي 'امره' بالتوقيع والا.. وهي لغة، اذا صحت، ليست لغة الوسطاء في ازمة معقدة، تتناول مسألة حساسة عنوانها تنازل رئيس عن السلطة واقراره بالهزيمة امام ضغوط المحتجين.
ولا جدال في ان الرئيس اليمني كان عاقد العزم منذ اليوم الاول على خداع الوسطاء الخليجيين، من خلال التذرع بالموافقة على مغادرة السلطة، واتباع اذكى انواع المؤامرة لكسب المزيد من الوقت، من اجل انهاك المعارضة، ودفعها الى اليأس، ولكن رهانه هذا ثبت فشله كليا، فالمعارضة لم تيأس، ولم تُنتهك بل ازدادت صلابة وقوة وتصميما.
مسؤولية تدهور الاوضاع، وانخراط البلاد في حرب اهلية يتحملها الرئيس علي صالح نفسه، سواء بافشاله المبادرة الخليجية او بالصدام المسلح مع الشيخ صادق الاحمر واخوانه مباشرة بقصف منازلهم وقتل العديد من انصارهم. فالصراع ينتقل الآن وبسرعة من جانبه السياسي الى طابعه القبلي، مما يؤشر الى اطالة امده لاشهر وربما الى سنوات، لان حسمه من قبل اي طرف من الطرفين المتنازعين، يبدو صعبا ان لم يكن مستحيلا في المستقبل المنظور.
والمؤلم انه بينما يتصاعد التوجه الى الاحتكام للسلاح كحل اخير، تغيب كليا الحلول السياسية، ويتوارى الوسطاء، الامر الذي يعني المزيد من سفك الدماء. وهذا ما يفسر المجزرة الدموية التي ارتكبتها قوات النظام في مدينة تعز قبل يومين اثناء انهائها لاعتصام المحتجين في ميدان التغيير بالقوة.
اليمن مقدم على ما هو اخطر من الحرب الاهلية، اي التفتيت والتقسيم، والجيوب المضطربة. اليمن اصبح رسميا دولة فاشلة، ستشكل خطرا حقيقيا على المنطقة بأسرها.
نقلا عن القدس العربي