قصيدة ( سنعود )شعر الموحوم : عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)
---------------------------------
خَلَعتُ على ملاعبها شَبابي ** وأحلامي على خُضْرِ الرَّوابي
ولي في كُلِّ مُنْعَطَفٍ لقاءٌ ** مُوَشَّى بالسّلام وبالعِتاب
وما رَوَت المروجُ سوى غنائي ** وما رَوَّى الكرومَ سوى شرَابي
سلي الأُفقَ المُعَطّرَ عن جَناحي ** شذاً وصباً يرفُّ على السَّحاب
ولي في غَوطتيْكِ هوى قديمٌ ** تَغلغلَ في أمانيَّ العِذاب
وفي بَردَاكِ تاريخُ الليالي ** كأني كنتُ أقرأُ في كِتاب
دَرَجْتُ على ثَراكِ ومِلْءُ نَفسِي ** عَبيرُ الخالدين مِن التُّرابِ
أُلَملِمُ مِنْ دُروبكِ كُلَّ نَجْمٍ ** وأَنْثُرُهُ، أُضيءُ بهِ رِحابي
وعدتُ إلى حِماك خيالَ شَعْبٍ ** يطوفُ على الطُّلولِ وفي الشِّعاب
* * *
أتُنكرُني دمشق؟! وكانَ عهدي ** بِها أن لا تُلَوَّحَ بالسَّراب
أتُنْكِرُني؟! وفي قلبي سَناها ** وأَعرافُ العُروبةِ في إهابي
أمالي في الديار ظِلالُ حبٍّ!.. ** شفيعُ صبَابتي عِندَ الحِساب
فلسطينُ الحبيبة كيف أغفُو ** وفي عَيْنَيَّ أَطيافُ العَذابِ
أُطهِرُ باسمكِ الدُّنيا ولو لَمْ ** يبرّحْ بي الهوى لَكَتَمْتُ ما بِي
تَمُرُّ قوافلُ الأيّامِ تروي ** مُؤامرة الأَعادي والصِّحاب
فلسطينُ الحبيبة! كيف أَحيا بعيداً ** عَنْ سهولك والهضاب
تُناديني السُّفوحُ مُخَضَّباتٍ ** وفي الآفاقِ آثارُ الخِضاب
تُناديني الشواطئ باكياتٍ ** وفي سَمْعِ الزمانِ صَدى انْتِحاب
تُناديني الجداولُ شارداتٍ ** تَسير غريبةً دون اغتراب
تُناديني مدائنُك اليتامَى ** تُناديني قُراك مع القِبابِ
* * *
وَيسألُني الرفاقُ ألا لقاءٌ ** وهَلْ مِنْ عودة بعدَ الغِيابِ
أجل!.. سنُقبِّلُ التُّربَ المُنَدَّى ** وفوقَ شِفاهنا حُمْرُ الرِغَاب
غداً سنعود والأجيالُ تُصغي ** إلى وقع الخطى عِندَ الإِياب
نَعودُ مع العواصفِ داوياتٍ ** مع البَرْقِ المقدَّسِ والشِّهابِ
مع الأمل المجنَّح والأغاني ** مع النّسرِ المحلِّق والعقاب
مع الفجرِ الضحوكِ على الصحارى ** نعودُ مع الصَّباح على العُباب
مع الراياتِ دامية الحواشي ** على وهَجِ الأسنّة والحراب
* * *
وَنَحْنُ الثائرين، بكل أرضٍ ** سَنَصْهَرُ باللَّظى نِيرَ الرِّقاب
تُذِيبُ القلبَ رَنَّةُ كُلِّ قيدٍ ** ويجرَحُ في الجوانحِ كُلُّ ناب
أجل!.. ستعودُ آلافُ الضحايا ** ضحايا الظلم تَفْتَحُ كُلَّ باب