ليلة سقوط صفورية --- شهادة الحاجة رضية محمد كايد
الحاجة رضيّة محمد كايد (69 عاما)
التي تقطن في مخيم حماة للاجئين الفلسطينيين وسط سوريا،
تحيي ذكرى يوم النكبة كما لو أنها حدثت بالأمس،
لأنها تعتبرها جرحا غائرا ما زال يقطر دماً
ولن يتوقف حتى تعود إلى ديارها التي هُجِّرت منها.
تُحدِّثنا الحاجة رضية "أم وائل" عبر الهاتف من سوريا وتقول:
استيقظ صباح اليوم الذي يُحيي فيه شعبنا ذكرى النكبة أصلّي الفجر
وأجهِّز نفسي للذهاب إلى المقبرة حيث يرقد والديّ رحمهما الله
لأقرأ لهما الفاتحة وأجدِّد العهد لهما بأن لا أفرّط بالأمانة التي حمّلوني إياها قبل وفاتهما
وهي عبارة عن مفاتيح المنزل وصور عن ‘كواشين‘ البيت وكروم الزيتون
في قريتنا صفورية قضاء الناصرة التي هجّرنا منها
على أيدي العصابات الصهيونية سنة 1948.
وتقول: عندما تشردنا من بلدتنا صفورية كان عمري وقتها ثماني سنوات
ولكنني أذكر كل شيء كأن ما حصل كان بالأمس القريب،
وما لم أعايشه لحظتها حدّثني عنه والدي ووالدتي،
وأنا بدوري أحدِّث أبنائي وأحفادي عن ذلك،
وأزرع فيهم حب وطنهم وحقهم في العودة إليه مهما طال الزمن،
لأن حق العودة لا يسقط بالتقادم.
وتضيف "بعد آذان المغرب يوم الخامس عشر من شهر رمضان
الموافق السادس عشر من تموز (يوليو) سنة 1948،
دخل الأهالي إلى بيوتهم لتناول طعام الإفطار،
وما هي إلا دقائق، حتى بدأت ثلاث طائرات حربية تابعة للعصابات الصهيونية بقصف القرية،
ملقية براميل مشحونة بالمتفجرات والشظايا المعدنية والمسامير والزجاج،
فهرع الناس إلى الخارج، إلى محيط القرية، اعتقاداً منهم أنها غارة عابرة،
واستمرت الغارة نصف ساعة، ومن بعدها بدأ زحف هذه العصابات الصهيونية
إلى القرية قادمة من مدينة شفاعمرو بعد احتلالها، لتبدأ مرحلة جديدة من القصف البري.
بقي الأهالي في البساتين والمزارع المجاورة، يحتمون تحت الأشجار وبين الصخور،
والخوف كان بادياً على الجميع، وأنا من بينهم، لم يكن سلاح في القرية،
سوى بعض قطع السلاح النارية البدائية، أمام قصف مدفعي وجوي،
واستمر القصف حتى ساعات الصباح، ثم بدأت العصابات تقصف البيوت وتدمّرها،
ونحن نرى أعمدة الدخان تتصاعد من القرية، فبدأت عملية النزوح نحو الشمال".
وتابعت: قتلت القنابل نفراً من سكان القرية وجرحت عدداً آخر،
وهرب كثيرون غيرهم إلى البساتين طلباً للأمان.
وصمد المجاهدون وقاتلوا دفاعاً عن القرية،
وقد انتهت المعركة سريعاً لأن الإمكانيات غير متكافئة.
وعند الصباح، قرر كثيرون من الذين اختبأوا في البساتين أن يغادروا صوب الشمال،
أو صوب الشرق ومن ثم بعدها بفترة انتقلنا إلى سوريا.
وأضافت: لم يخطر ببال أحد أننا في طريقنا نحو المجهول،
اعتقد أهالينا أن الأمر لن يتعدى أياماً، سِرنا أياماً في العراء،
فاحتمينا بداية في سهل البطوف (عند قرى سخنين وعرابة ودير حنا القائمة حتى الآن)،
وخلال سيرنا كانت العصابات الصهيونية تلاحقنا بإطلاق الرصاص.
كنا ننام في العراء، نفترش الأرض ونلتحف السماء،
لا زاد ولا قوت، ولا ملابس نستبدلها.
وختمت الحاجة أم وائل قائلةً: واحد وستون عاماً من التشريد والعذاب والمعاناة والآلام، والتشريد في أصقاع العالم.
واحد وستون عاماً من الشجب والاستنكار والتنديد الدولي وما زال شعبنا الفلسطيني رغم كل هذه الرحلة الطويلة في درب الآلام،
ورغم المعاناة والتضحيات الجسام التي طالت الشعب الفلسطيني فستبقى فلسطين تعيش دائما في قلوبنا ما حيينا.