من هي دول الفوضى ومن هي دول النظام؟
أ. د. علي الهيل
3/21/2010
عندما قلنا إن اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي - بدرجة أقل ربما - هي التي تُقرر ما يجب أن يُتخذ من سياسات وإجراءات تحديداً تجاه الدول العربية والدول الإسلامية وتمليها على حكومات الغرب لِتٌنفذها، لم نكن نضرب في الرمل أو نقرأ في الكف أو ننساق لنظرية المؤامرة في تفسير مجريات الأحداث ووقائع التاريخ .
وقد استشهدنا بمفكرين غربيين أمريكيين وأوروبيين أَعلاماً ومن بينهم يهود يعادون الصهيونية من منطلق موضوعي ألا وهو كونها أيديولوجية عنصرية ذات أُطروحات وممارسات فاشستية نازية معادية للإنسان بمن فيه الإنسان اليهودي اللا صهيوني. وهي بذلك مغايرة تماما وتقع على طَرَفَيْ نقيض مع الأخلاق النبوية للنبي يعقوب (إسرائيل) عليه السلام والتي سُميَ الكيان الصهيوني باسمه ظلما وزورا وبهتانا .
وكثير من الحاخامات اليهود في بريطانيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما من دول الغرب مثل Dovid Wei ديفيد ويس يتفقون مع مثل هذا الطرح الفكري للصهيونية باعتبارها عقيدة وضعية عنصرية وضيعة Human Made - Creed لا تمت إلى اليهودية ولا إلى أخلاق التوراة وأنبيائهم عليهم السلام وعلى رأسهم موسى عليه السلام وأنَّ لصق إسم النبي إسرائيل بدولة صهيونية عنصرية هو خيانة لليهودية وانحراف سافر عن تعاليمها السماوية السمحاء. ويذهب الحاخام ديفيد ويس إلى أبعد من ذلك ويشخص الصهيونية على أنها The World Wide - Disease المرض عالمي سريع الانتشار (انظر مثلا : DISCOVERTHENETWORK.ORG A GUIDE TO POLITICAL LEFT ). ويقول موقع True Torah Jews against Zionism التوراة الحقيقية لليهود ضد الصهيونية: 'إن ثمة أُناساً لا يؤمنون بأفكار حاخامنا وسيواصلون تأييدهم للدولة الصهيونية غير أن ثمة كثيرا من الناس يفتقرون إلى الوعي بتاريخ الصهيونية وأنها تناقض تماما التوراة الحقيقية لليهود (أنظر الموقع المذكور آنفا).
وفي الرابع من آب (أغسطس) 2006 أجرت قناة FOX فوكس الإخبارية ذات الميول الصهيونية لقاء مع حاخام يهودي تهجم فيه على صهيونية إسرائيل وهمجية وبربرية إعتداءاتها على المدنيين اللبنانيين في أثناء الحرب على لبنان، اجرت الـ CNN كذلك لقاءات مع حاخامات ومفكرين غربيين كنعوم شومسكي Noam Chomsk خلال الحرب على غزة نهاية 2008 وبداية 2009وهاجموا فيها المجازر الصهيونية ضد المدنيين الفلسطينيين ولا سيما الأطفال منهم.
فلا (إسرائيل) عليه السلام ولا اليهودي الكتابي المؤمن بكتاب الله (التوراة) الذي أُنزل على موسى عليه السلام يرضيانِ أن يكونا طرفا في المجازر الوحشية والمتعمدة والتي جرت بدم بارد خاصة للأطفال في فلسطين وفي الدول العربية المجاورة والذي إعتمده واعتمد عليه الصهاينة أسلوبا ممنهجا على مدى العقود الستة الماضية. وما حدث في غزة خلال الحرب الصهيونية الهمجية على غزة نهاية عام 2008 وبداية 2009 من استهداف مباشر ومقصود للأطفال وللطريقة التي قُتلوا بها والتي أذهلت العالم بسبب التغطيات الإعلامية والتليفزيونية المكثفة - ولله الحمد - لم تكن سوى عيِّنة صهيونية ممثِّلة لجينات صهيونية فيها مقت وحنق غير مسبوقيْن على الطفل الفلسطيني والعربي ولعقلية مبرمجة على كراهية الطفولة والبراءة والجمال.
أعتقد أن ذاكرة الإنسان والتاريخ ستظل - ما بقيت الحياة - تتوارث الكيفية التي فُقِئَتْ بها عينا الطفل لُؤَيْ صبحي أو التي بُترت بها ساق جميلة الهباش أو التصويب المباشر لصدر محمد جمال الدرة وغيرها من الكيفيات الصهيونية للقتل والاغتيال والتي لا تنم إلا عن حالة ذهنية تهوى إسالة الدم ونشر الخراب والدمار في كل مكان.
وبرغم كل تلك الفظاعات التي عرَّتِ الصهيونية والصهاينة أمام الإنسانية والعالم وأماطت اللثام عن وجْهِ تسويق الصهاينة أنفسهم كضحايا تاريخيين 'لهولوكوست' أوروبا النازية في أثناء الحرب الكونية الثانية - مع شجبنا ورفضنا له - لم يرف لحكومات الغرب جفن. ونستثني بالطبع شعوب الغرب بمن فيهم الشعب الأمريكي الذين عبروا من خلال شتى الوسائل عن سخطهم على تصرفات الصهاينة وسيطرة اللوبيات الصهيونية على مراكز صنع القرار في بلدانهم ونثمن جهودهم الموضوعية عاليا وغاليا.
أمَّا الولايات المتحدة الأمريكية فلم يحدث أن وجهت للصهاينة أي لوم بأي شكل من الأشكال وأصرت إداراتها المتعاقبة على 'حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها 'وكأنها بل - كما يؤكد مفكرون امريكيون وأوروبيون - هم واقعون تحت تأثير الخوف من اللوبيات الصهيونية وأبواقها الإعلامية المتنفذة في الغرب من أن تروج عنهم أنهم معادون للسامية أو أنهم يعرضون اليهود 'لهولوكوست' آخر مما يجعلهم وكأنهم منوَّمون مغناطيسيا hypnotized أو مخدَّرون anesthetized.
وأما دول الاتحاد الأوروبي فأنها نادرا ما تنتقد الصهاينة وإن فعلت كان ذلك بتنحفظ شديد على طريقة: 'يكاد المريب يقول خذوني'. وذلك بفعل مادتيْ التنويم والتخدير وهما: إشهار كارت الهولوكوست وتخويف حكومات الغرب من أن يحدث ثانية ولا يهم العكس أي أن يقترفوا هم الصهاينة ' هولوكوستات ' كما فعلوا على مدى الستين عاماً الماضية. ومادة التنويم والتخدير الأخرى يزدوج الإعلام الصهيوني فيها مع المال الصهيوني من خلال البنوك والمؤسسات المالية الضخمة التي إمَّا رؤوس الأموال فيها صهيونية وإما المتنفذون فيها صهاينة .
وعلينا في هذا السياق أن لا نغفل عن أن العامل المسيحي الأصولي Fundamental Christian Factor والذي ينتمي إليه معظم الذين يأتون للسلطة في الغرب هو- كما يمكن أن يوصف - بأنه الوجه الآخر للصهيونية ساهم مع العوامل الآنفة الذكر في كون الغرب حالة سلبية متلقية من اللوبيات الصهيونية المزروعة في الغرب علنا أو المستترة. وبين ما يعتقد به المسيحيون الأصوليون في الغرب هو أن وجود الصهاينة (وليس اليهود بالمعنى الكتابي) في فلسطين مهم لعودة المسيح (عليه السلام). وهذا معتقد الكثير من حاخامات اليهود - كما مر بنا - يعارضونه ويختلفون معه من منظور ثيولوجي عقائدي صِرف .
إن ثمة تطورات سياسية بعينها جرت مؤخرا أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن دول الغرب موظَّفة لدى اللوبيات الصهيونية فيها كسعاة بريد بل هي سعاة بريد و'عبيد مأمورون' لا يعصون اللوبيات الصهيونية ما تأمرهم ويفعلون ما يُؤْمَرون قولا وفعلا وعملا (بدون الحاجة لاستعمال كاف التشبيه).
التطورات التي نشير إليها هي: تصريحات Joe Biden جو بايدن ، نائب الرئيس الأمريكي في تل أبيب خلال زيارته الأولى للمنطقة وما تزامن معها من إعلان جاء مع سبق الإصرار والترصد وبالإجماع وليس بالتالي 'خطأ مؤسف ' عن بناء 1600 وحدة إستيطانية في مستوطنة رامات إشلومو بالقدس الشرقية كما ادعى نتنياهو وما قيل إن الإعلان عنها لم يُقصد به إجهاض زيارة بايدن للشرق الأوسط وتفريغها من قيمتها السياسية. وأمَّا تصريح نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني عن أن وزير داخليته لم يستشرهُ بشأن الإعلان وأن توقيت الإعلان كان خطأ مؤسفا (كان خطأ فرويديا Freudian slipبمعنى أن المرء حسب نظرية فرويد يتفوه بأمر يصر على ان يُضمره) ليس إلا محاولة فاشلة لذر الرماد في العيون وعملية توزيع أدوار ولا صحة لِما أشيع أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني لم يكن لديه علم بالإعلان.
إن الذي حصل يؤكد ويكرس ما سبق وأن قلناه : إن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما وخاصة بريطانيا تأتمر بأوامر اللوبيات الصهيونية فيما يتعلق بالنزاع العربي الصهيوني والإسلامي والصهيوني وحتى الدولي الصهيوني. والرسالة التي أراد نتنياهو أن يبلغها للرئيس الأمريكي ونائبه - الذي لم يراع الصهاينة معه آداب الضيافة - وللعرب والمسلمين وكل المناهضين للصهيونية مثل فنزويلا (هوغو تشافيز) وتركيا (رجب طيب أردوغان) هي: أن الصها ينة ولوبياتها هي التي لها القول الفصل فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين والعرب وغيرهم. وهذه إهانة كبرى جديدة في سلسلة من الإهانات الكبرى التي لن تتوقف بحق دولة كبرى بل هي الأعظم في العالم طالما أن اللوبيات الصهيونية هي التي تحكم وتتحكم. ولعل تصريحات هيلاري كلينتون الأخيرة المتَّسمة بتنعيم لهجة إنتقادها للصهاينة على إثر إهانة نائب رئيسها وإستمرار الصهاينة ومن غير هوادة في بناء المستوطنات بالضفة والقدس الشرقية ضاربين دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عُرض الحائط. والنتيجة هي ما نرى من إنفجار الاحتقان المقدسي والضفي والغزي وقريبا - إن شاء الله - العربي والإسلامي والدولي.
و التطور الآخر والذي لم يتوقف عنده الكثير من المحللين ما قاله غوردون براون ، رئيس الوزراء البريطاني بشأن سبب قرار دخول بريطانيا الحرب على العراق مع حليفتها الإستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية 'في آخر دقيقة'. والسبب كما زعم براون - وتعرض بسببه لانتقادات شديدة داخل بريطانيا هو عدم إمتثال العراق (صدام حسين) للقرارات الدولية مع أن الحرب نفسها شُنت من غير قرار أو تفويض دولي .
وهذا هو عيْن الكيل بمكيالين The Double Standard Policy لدى الغرب عموما ولدى الإدارات الأمريكية والبريطانية خاصة والمتسرولة بسروالها عندما يتعلق الأمر بالعرب وإسرائيل.
فإن العالم اجمع يشهد بأن كل قرارات الشرعية الدولية لم تلتزم بها الدولة الصهيونية منذ عام 1948 وبالتحديد الصادرة منذ 1967مثل القرار 242 و338 و194والقائمة طويلة ولا تكاد تنتهي. فلماذا إذن لم تشنَّ بريطانيا وحليفتها وسيدتها الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الصهاينة المحتلين لفلسطين؟ وأليست دولة الصهاينة وفق المنطق البراوني a Rogue State أي دولة فوضى رافضة بالكامل للشرعية الدولية؟ ولماذا فقط العراق (صدام) وإيران حاليا دولتا فوضى. إذن أي دولة لا تستسلم للصهاينة الذين يأتمر الغرب بأوامر لوبياتهم هي دول فوضى وأما هم - أي دول الغرب - ودولة الصهاينة دول ديمقراطية وحقوق إنسان ودول متحضرة ودول قانون ومؤسسات.
' اكاديمي قطري