قصة لاعقة الدم !!
قصة حقيقية قرأتها في كتاب (قصص مُرّوعة نهاياتها مُؤسفة)
فأليكم هذه القصة نقلتها لكم من هذا الكتاب .
لم يكن ما أرويه من نسج الخيال، وإن من الواقع مايفوق الخيال!!!الظلام يكاد يخيم على الكون، وقد بدت في كبد السماء سحابات بيض تتناثر هنا وهناك كأكفان منشور للموتى... الثلوج تسّاقط وتغمر العشب الأصفر، وتبدو أوراق السرو من خلالها كرماح تطعن أو كإبر تخز في الأجساد. الآليات تتحرك بقضّها وقضيضها بين الوديان الضيقة وترفع الجبال إلى جوارها،وكأنها تشير للأراضي من حولها أن القوة تعلو، وأن الضعيف يجب أن يُهان ويُداس..وكانت الحجارة تتحطم تحت عجلاتها، الطريق مفتوح أمامها ولا أحد يقاومها، وقد وقف رئيسها يؤشر بين الفينة والأخرى إلى الجهة التي تريد...لما وصل إلى مبتغاه أوقف المجنزرة المتقدمة وأعطى تعليماته..
وحُملت القذائف النارية وكان الرجال ينوءون بثقلها وهم يصعدون بها هضبة محفوفة بالأشواك والصخور... لقد كانت القذيفة الواحدة تزن مئة كيلوجرام... ويالهول من ترمي عليه... وجاءت الأوامر وانطلقت القذائف.. ودوّت الأصوات وتصاعدت النيران في كبد السماء.. وتعالى الدخان الأسود في عباب الفضاء ليصفع أعالي الجبال بضرباته الموجعات.. وكانت القذائف الأرضية تترى كوابل من السماء، أو كحمم تندلع من براكين ثائرة... وكانت الطائرات تقصف من السماء المنازل القابعة على الأرض فتحوّل إبيضاض ثلجها إلى دموع باكية ممزوجة بحمرة دمها .لقد ارتجت الأرض كما دوّت السماء وتطايرت الحجارة، وتحوّلت الأبنية الشاهقات إلى دمار، بل ركام، وتهاوى الجسر الذي كان الممر الوحيد لأهل القرية وتطايرت من فوقه جثث الناس الهاربين وتناثرت هنا وهناك... وتقاذفت الرؤوس، واندلقت الأحشاء على الأرض، وتراكض الناس الذين لم يعتلوا الجسر وتصايح النساء والأطفال... والتهمت النيران منازلهم كوحش فغر فاه وهو ينقض على الفريسة..كان منظراً لا أنساه ماحييت... منظراً يشيب من هوله الصغار وتذهل فيه الأم عن وِلدانها، وكأن الناس فيه سكارى وماهم بسكارى ولكن الموقف عسير والحدث أليم... ولقد زاد الطين بلّةً انتشار جنود النصارى هنا وهناك ليتلقّطوا الصغار والنساء، وليرموا الرجال بوابل من الرصاص، أو يأسروهم فيرسفوا تحت ذل القيود والعار.
وانتهكت الحرمات.. و ودِيْسَتِ الكرامات... وأُهينت العبادات..
وقالت امرأة مسلمة لأختها ؟
_ أين أسلحة المسلمين تدمر هذا الطغيان المبين؟ .
فأجابتها أختها والقلب يكاد يتفطّر من الألم :
_ ألم تعلمي جناية الأمم المتحدة ؟ لقد سحبت الأسلحة من
المسلمين بحجة السلام !! .
_ وأي سلام هذا ؟..ياويلهم...بل ياويلنا إن كنا عنهم غافلين.
_ إن كنا عنهم غافلين؟!!...أتشكّين في غفلتنا ياأخت؟ فلِمَ استولى
الصرب على مخازن الأسلحة إذاً ؟، أليس هذا لأننا أغبياء ؟ .
_ هذا هو الواقع... ومع ذلك لم يتحرك المسلمون، إنهم غثاء كغثاء السيل...
وقطع حديث المرأتين مقدم جند الصرب... وساق هؤلاء النساء إلى
مخزن القرية، والرجال إلى مرابط الحيوانات!!..
وجاءت فئة من الوحوش البشرية ففعلت الأعاجيب، وقال قائل منهم لصاحبه الصربي:
_ اقطع أنوف هؤلاء الرجال.
_ أجابه جندي: بل نقطع آذانهم ونجعلها قلادة من لحم تشهد ببطولتنا.
_ إذن اقطع آذانهم وأنوفهم معاً، وكذلك أصابعهم فهي تزين القلادة
أكثر، وضحك القائل وقائده.. وناديا آخرين، وبدأوا بصنع القلادة اللحمية.
وكان الرجال يتصايحون ويئنون، وجاء آخر لم يرض فعلهم لخفته
بزعمه !!وزاد في النكال والتعذيب، وأمر بأن تنتف لحي المسلمين
بمقراض من حديد يصلح للخشب لا للحوم!!.
وحانت منه التفاتة إلى شاب ملتحِ ، فقال له وهو يحدّق به :
_ أأنت عمر شيخ المسجد ؟.
_ نعم .
_ والله لأنتقمنَّ منك شر انتقام، ولأؤدبنَّك شر تأديب، وسكت قليلاً
وهو ينظر إلى عمر شيخ المسجد نظرة الحاقد الحانق ، ثم قال
لجندي :
_ اسلخ لحم وجهه وهو حي لئلا تنبت لحيته ثانية، بل اقتله
ونرتاح منه ومن تحريضه للمسلمين.
_ أترحمه وقد رفع السلاح في وجهنا وحرّض علينا ؟...
_ أأرحمه ؟... ومتى كان القتل رحمة ياسيدي ؟.
_ سترى متى يكون القتل رحمة... وأردف: التعذيب قبل القتل أشد
إيلاماً وإهانة، وسكت قليلاً ثم قال بصوت الغاضب الثائر :
_ لأعذبنه وأمه عذاباً لم يُعذََََََََََََََََََََََََََََََّبْه أحد من العالمين .
_ أو تعرف أمه ؟ .
_ نعم إنها ليْنة بنت عبدالله ، اذهب إلى النساء ونادِ اسمها
وأحضرها .
_ وذهب الرجل إلى حيث أمره قائده، والتقى هنا بوحش صربي
فقال له :
_ ذهب النساء إلى الرياضة!!.
وما أدراك ماهذه الرياضة، تجتمع لها النساء في الساحة عاريات،
ويُعلق فيها بعضهن من أعناقهن، وأخريات يتدلَّين على الشجر
كذبيحة بعد سلخها، وثالثات يعلقن من شعورهن وذهب الجندي
الصربي..وكان بعضهن لا يزال يصرخ ويستغيث ، وقال الرجل :
_ من لينة بنت عبدالله ؟
_ فقالت عجوز يكاد صوتها ينقطع من شدة الألم: وحسبت
المسكينة أنها ستنال بعض الرحمة لكبر سنها، وأُخذت منهكة
القوى، وقال: آخذها وهو يشبعها في طريقه ضرباً وركلاً وتأنيباً :
_ أنت أم عمر ؟.
_ نعم.
_ حقيرة وأم حقير .
_ ولِمَ تقول لي هذا ؟ .
_ سترين الآن جزاء عملك..
سكتت المسكينة وحدَّثت أنها لن تُرحم كما كانت ترجو أو تتمنى،
وجاءت إلى رئيس العصابة المجرمة فقال لها :
_ أأنت أم عمر ؟.
_ نعم.
_سترين الآن مكانتك عندنا.. ثم التفت إلى الجندي وقال له :
_ أطعمها ماتحب...وجاء الجندي بعصا وبدأ بضربها الضرب الأليم،
وصرخت المسكينة تحت وطأة التعذيب ونادت :
_ يا الله .
_ فأجابها الصربي الحاقد : اخسئي ولا تنادى..
وتفوه بكلمة الكفر... ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ
إِلا كَذِبًا (5) (الكهف :5)
_ وأجابته العجوز المسكينة: لعنكم الله لعنته لإبليس...
_ فقال لها : ألي تقولين هذا ؟.
_ وهل أبقيت لنفسك كرامة بعد أن قلت في حق الله ماقلت ؟
_ سترين الآن الكرامة... ثم قال :
_ أحضروا لها ابنها..
_ وكأنما كان للكلمة وقع غريب على سمعها فنادت: أحيُّ هو؟ أروني إياه... أرجوكم.
_ الآن ترجيننا ؟.
_ أرجوكم أروني إياه، ثم افعلوا بي ماتشاؤون .
_ اخرسي وسترينه الآن وستقرّ عينك به.. وضحك ضحكة الخبث
والمكر، ثم قال للجندي :
_ أحضر لها ابنها.. وجيء بالابن المعذب مسلوخ الوجه فلما رأته
صرخت بلا وعي :
_ ابناه.. ماهذا المنظر الذي أراك به ؟ أين عيناك... أين أنفك...
رباه ...ماذا أقول.. ياويلتي...آه...آه وأخذت في البكاء.. وأخذ
الصرب في الضحك ، وقال لهم رئيسهم :
_ هل آلمك رؤيا ابنك هكذا .. إنه جزاء وفاق.. لقد قتل أخي في
الأسبوع الماضي.. وها هو الآن يلقى مصيره وعقابه.. ثم التفت
إلى الجندي وقال له :
_ نادِ الجزار ليسلخ جلده..
_ فقالت الأم وقد أحست أنها تكاد تجنّ من هول ماترى وما تسمع :
_ ارحموه..اقتلوه..لا تعذبوه..اقتلوني قبله..رباه..يا الله .. ماذا جنت يد المسلمين .
_ فقال عمر لأمه:
_ اصبري يا أمَّهْ ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ( الم (1) أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)العنكبوت:1-3)
_ أإلى هذا الحدّ تصل الوحشية البشرية ؟ .
_ سينتقم الله منهم يوم القيامة بملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله
ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
وجاء الجزار، وسلخ الجلد بين نشيج الأم وصراخ المعذب وارتفعت
الأصوات إلى السماء.. وأدخل صاحبها الجنة ...
وقالت الأم :
_ رباه.. إن ابني تحمّل ما لم يتحمله أصحاب الأخدود فاجعله من
سكان الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين .
وقال الرئيس الصربي لأمه :
_ تقدمي إلى ابنك والعقي دمه.. وكأنما كانت كلمته مسّ كهرباء
طرق مسامع الأم الثكلى، فقالت وهي تتراجع كالمجنونة : لا.. لا ...
ولكن الضابط الصربي ألح وقال لها بحدةٍ :
_ العقي دمه و إلا ...
_ كيف ألعق دمه.. لا .. لا ..
_ سأضعك على الخازوق..
_ أريحوني بالموت.. اقتلوني.. لا حاجة لي بالحياة بعده، أنتم قتلة
مجرمون، سفاكون..
_ نعم نحن قتلة، وأنت... وسكت قليلاً ثم قال :
_ لاعقة الدم .. وضحك ضحكة المنتقم يحظى بفريسته فأجابته
بحدةٍ :
_ لن ألعق دم ابني مهما حاولتم .
_ إذاً أحضر الخازوق الكهربائي ..
_ رباه.. رباه.. ما أفعل..
_ تقدمي ونفذي الأوامر..
وجذبها جندي صربي من شعرها، وأكبها على وجه ابنها، ومسَّ
فمها لحمه وجلده.. وإن صراخها ليتعالى في كبد السماء..
وقال لها الجندي ، وقد أزعجه صراخها ونشيجها :
_ اسكتي وإلا !!..
وقال آخر :
_ اقتلوها شر قتله !!..
وأردف : خذوها إلى حظيرة الأطفال، ليراها الصغار فيرتاعوا..
وسحبت.. وسحب ابنها معها.. وكان جثة هامدة.. ولما رأى
الصغار منظر الرجل وأمه وتعالى صراخ بعضهم وعويله، ووجم
آخرون ونادى فتى من بينهم كان قد تجاوز العاشرة من عمره ؛
والدموع تنسكب من عينيه :
_ جدتي.. أهذا أبي ؟ من فعل به هذا ؟!!..
_ نعم إنه أبوك يا محمد ..
_ ولِمَ فعلوا به هكذا ؟!.
_ لأنه مسلم يجاهد الكفار ..
وكانت هذه آخر كلمة فاهت بها المسكينة، إذ أطلق عليها الوحش
الصربي الرصاص، فارتجفت أعضاؤها واختلجت.. ثم سكنت وهدأت.. وقالت وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة :
_ لا إله إلا الله محمد رسول الله ، اللهم انتقم من الكفرة الفجرة
الظالمين، وانفجر حفيدها بالبكاء، وتعالت أصوات الصغار، وذهل بعضهم وضحك آخرون ضحكة المجنون.. لقد فقد كثير منهم عقله من هول المصاب !!..
وجاء الوحش الصربي إلى محمد وقال له :
_ أأنت جائع يا صغيري ؟.
فأجابه :
_ لا اتركني.. لا أريد طعامكم.. أريد أمي.. لقد قتلتم أبي وجدتي..
_ إذا كنت تحب أباك حباً جماً فخذ قطعة من لحمه وإنها لطعام لذيذ..
نظر الفتى إلى الصربي المجرم وقال له :
_ أأكل لحم أبي.. أمجنون أنت ؟!..
_ إذا ستأكله قسراً عنك..
_ لا.. لا.. أنتم وحوش وليس في قلوبكم ذرة من رحمة.
فقال الصربي :
_ اخرس يافتى.. ثم التفت إلى جندي وقال له :
_ عمِّش عينيه باللاصق لئلا يبصر النور أبداً..
ثم قال للفتى المسكين :
_ وستذهب الآن مع رفاقك إلى الكنيسة لتنال شرف الانتساب إلى النصرانية ..
_ لا .. أنتم كفرة، ولا شرف لكم، أنتم قتلة مجرمون، ولا رحمة في قلوبكم..
وجيئ بسيارة.. وشحنت الأولاد.. وأخذ الصغار إلى الكنيسة ..
وقال محمد بن عمر لمن حاول أن يجبره على الصعود إلى السيارة :
_ لقد فتح عمر بن الخطاب القدس ، وسأكون أنا في جيش فاتحي روما وسأقتلكم .
وما إن أتم الصغير كلمته حتى طعنه جندي صربي وهو يقول له :
_ لسنا بحاجة إلى نصراني متأسلم . وانفجر الدم ذكياً.. وارتمى على الأرض قبل أن تخطو السيارة خطوتها الأولى ..
وسجل التاريخ صفحة من صفحات جرائم الصليبية، فاقت في وحشيتها فظائع محاكم التفتيش في أواخر عهد المسلمين بالأندلس السليب .