في الذكرى الخامسة للعدوان الصهيونيّ على لبنان، والذي يُسمى إسرائيليا بحرب لبنان الثانيّة، يواصل الإعلام العبريّ استخلاص العبر والنتائج من أكبر فشل عرفته الدولة العبريّة، ولكنّ صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، خلافًا لباقي وسائل الإعلام اختارت الكتابة عن المستقبل وعدم الالتفات إلى الماضي.
وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر أمنيّة عالية المستوى في تل أبيب، أمس الثلاثاء، إنّ قيادة أركان جيش الإحتلال الصهيوني تدرك اليوم أنّ ما يُسمى بالمواجهة القادمة مع حزب الله، أوْ كما أسمته المصادر عينها بحرب لبنان الثالثة ستكون مختلفة تمامًا عن الحرب الثانية، في صيف العام 2006، التي وصفت بأنّها خلقت شعوراً ثقيلاً بتفويت الفرصة لدى الجيش، وأحدثت زلزالاً بكل ما يتصل بخطط التدريب والاستعدادات العسكرية، علاوة على ذلك، أشارت المصادر إلى أن الحرب الثالثة ستكون في مناطق مأهولة ضد خلايا مطلقي القذائف المضادة للدبابات، ومقابل عشرات آلاف الصواريخ والقذائف الصاروخية الموجهة إلى الجبهة الداخلية، بما فيها تل أبيب، على حد تعبيرها. وساقت الصحيفة قائلةً إنّ! جيش الاحتلال راضٍ عن الهدوء النسبي على الحدود، ويتابع التسلح المتواصل لحزب الله، وما أسمته خرق قرار مجلس الأمن 1701، الذي اتخذ لوضع الحرب أوزارها في أب (أغسطس) من العام 2006، مشددةً على أنّ الأجهزة الأمنية تدير معركة سرية تهدف أساسًا إلى الحفاظ على قوة الردع الإسرائيلية مقابل حزب الله ومؤيديه. بالإضافة إلى ذلك، كتبت الصحيفة أنّه في الأسبوع الذي تحل فيه الذكرى السنوية الخامسة للحرب، وربما بالصدفة، انشغلت قيادة الشمال العسكرية في استبدال الضباط.
وقال الجنرال غادي آيزنكوط، الذي أخلي مكانه للجنرال يائير غولان، يوم الاثنين في مقر قيادة الأركان في تل أبيب إنّ الجيش قد خلق واقعًا أمنيًا جديداً يعتبر الأفضل والأهدأ منذ إقامة الدولة. كما شدد على أن أهم النشاط العسكري منذ نهاية الحرب كان من خلال عملية مهمة في الدراسة والتحقيق بدافع تحسير النواقص التي تبنيت خلال الحرب الثانية على لبنان. جدير بالذكر أنّ القائد الجديد للمنطقة الشماليّة، الجنرال غولان، شغل حتى اليوم منصب قائد الجبهة الداخليّة في جيش الاحتلال. في نفس السياق، نقلت الصحيفة العبريّة عن رئيس أركان الجيش، الجنرال بيني غنتس، قوله إن آيزنكوط قد حقق هدوءا أمنيًا في الشمال لم يسبق له مثيل.
وكتبت الصحيفة أن الإحصائيات تعزز ما ذهب إليه آيزنكوط وغنتس، مشيرة إلى أن الصواريخ العشرة التي أطلقت باتجاه إسرائيل منذ صيف 2006 أدت إلى وقوع إصابة واحدة طفيفة، إضافة إلى اشتباكين مع الجيش اللبناني، قتل في أحدها ضابط احتياط، أما من جانب حزب الله فلم يتم تسجيل أية نشاط غير عادي.
علاوة على ما ذُكر أنفًا، نقلت (يديعوت أحرونوت) عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله إنه يمكن إعداد قائمة طويلة تشمل كل ما لم يكن جيدا خلال الحرب، ولكن يجب النظر إلى ما حصل وإلى ما لم يحصل منذ انتهاء الحرب، ويجب عدم الاستخفاف بذلك، على حد تعبيره.
وزاد المصدر ذاته قائلاً إنّه توفر لدى حزب الله أكثر من سبب لعمل هجومي ضد إسرائيل في السنوات الأخيرة، ولكنه لم يختر ذلك، وأضاف أنه مع ذلك فإن لا أحد في قيادة الجيش يستطيع أن يخمن متى سيتبدد الهدوء الأمني. ولفتت الصحيفة أيضا إلى أنّ حزب الله 2011 منشغل بمشاكل داخلية، ولكنه لم يهمل للحظة استعداداته للمواجهة القادمة مع إسرائيل، بتوجيه إيرانيّ وبمساعدة من سوريّة، على حد قولها. وأضافت أن الأمين العام لحزب الله، الشيخ حسن نصر الله، يواصل تحسين نوعية الصواريخ وزيادة عددها، وأنه إذا كان لدى حزب الله 25 ألف صاروخ في العام 2006، فهو يمتلك ما يزيد عن 3 أضعاف ذلك اليوم، وأن الترسانة العسكريّة الموجودة بحوزته تشتمل على صواريخ بعيدة المدى وتحمل مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة.
ونوهت الصحيفة العبريّة إلى أنّ بعض هذه الصواريخ قادر على الوصول إلى منطقة نتانيا، إلى الشمال من تل أبيب، كما أنّه يوجد لديه مقرات قيادة ومخازن أسلحة ووسائل قتالية في نحو 160 قرية جنوب نهر الليطاني، مشيرةً في الوقت ذاته إلى أنّ تعاظم قوة حزب الله العسكريّة هي نتيجة تمويل ضخم من إيران، تنضاف إليه المساعدة في مجال نقل المعلومات، وأشارت إلى أن سورية تقوم بدورها أيضا في تزويده بالوسائل القتالية خلافا لقرار مجلس الأمن.
وحسب المصدر العسكريّ، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، فإنّه لا يوجد أدنى شك بأنّ هناك استعدادات تتم بشكل موازٍ للهدوء القائم الآن، وهذه الاستعدادات لا تبشر بالخير، وستكون التحدي الماثل أمامنا، وبحسبه، فإنّه لا يمكن وقف كل شيء خلال يوم أو يومين، ويتطلب ذلك صموداً من المواطنين الذين يقعون تحت القصف، ولكن في النهاية سنتغلب عليه بطريقة لا تبقي مجالا للشك مثلما حصل في العام 2006. وبحسب الصحيفة فإنّ الجيش يقلل من التفاصيل بشأن الخطط العسكرية، إلا أنّ المعلومات القليلة المتوفرة تشير إلى إقامة فرقتين عسكريتين وإلى تغييرات جوهرية في الخطط الفعلية التي تلاءم لبنان. وقال المصدر العسكري إن الجيش يجري تدريبات كثيرة على كافة الأنظمة القتالية، تشتمل على سيناريوهات مواجهات في قطاع غزة والحرب على المحميات الطبيعية ومواجهة مقاتلين على دراجات نارية، وإطلاق صواريخ وقذائف صاروخية، والقتال تحت الأرض.
وأشارت الصحيفة، نقلاً عن المصدر نفسه، إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يعرف عن حزب الله أكثر مما كان يعرف في العام 2006، وبناء عليه فقد تم تحديث بنك الأهداف بشكل ملموس مع زيادة بمئات النسب المئوية لقائمة الأهداف، التي صنف بعضها على أنها نوعية ومهمة، على حد وصفه. وقال أحد الضباط في الجيش ممن شاركوا في الحرب عام 2006 إنه يوجد لدى جيش الإحتلال الصهيوني اليوم القدرة على توجيه ضربة غير قياسية لحزب الله، مشددًا على أنّ الجيش لن يتردد في إخراج خططه إلى حيّز التنفيذ. وخلصت الصحيفة العبريّة إلى القول إنّه حتى يُطلق الجندي الأول أول رصاصة في الحرب الثالثة، فإن قيادة الشمال تدير معركة خفيّة عن العيان لا يتم التحدث عنها، وتتضمن حربا نفسية. أمّا المصدر العسكريّ الرفيع فقد ختم تصريحاته بالقول إنّه من غير الممكن انتظار الحرب فقط، يجب التصرف بذكاء قبل الحرب، لنقل رسائل ووضع حدود واضحة، على حد تعبيره.