اقتربت ساعة الصفر واقترب موعد أذان المغرب الذي سيعلن انتهاء صيام أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك, ومع ذلك لم يرغب أبو حسني الصرافيتي في هذه اللحظة تناول أي من أصناف الطعام والشراب, بعد أن فقد ابنه الأسير "علي" الذي غيب جسده في غياهب السجون والزنازين والمعتقلات الصهيونية.
أفطرت وحيداً
لم يكن حال أبو حسني كغيره في أول يوم من رمضان فهو لديه أربع بنات وثلاثة أبناء استشهد من أبنائه 2 وأسر الثالث, أما بناته فتزوجن جميعاً واستشهد أحد أزواج بناته, وقال: "أفطرت في اليوم الأول وحيداً لأن امرأتي كانت في المستشفى برفقة إحدى بناتي", وأضاف "لا يوجد حياة في بيت خالي من الناس".
وأشار في حديث للمركز الفلسطيني" إلى أنه وأهالي الأسرى يعيشون معاناة كبيرة جداً فوق طاقة البشر نظراً للواقع الصعب الذي يعيشونه في ظل استمرار أسر أبنائهم في أوضاع إنسانية سيئة للغاية, ومع ذلك أضاف "هذا قدرنا وقدر الشعب الفلسطيني, نحن صامدون صابرون حتى خروج آخر أسير من سجون الاحتلال الصهيوني".
وأوضح أن اليوم الأول من رمضان صادف الاعتصام الأسبوعي لأهالي الأسرى ومع ذلك كان الوضع جيداً لأنه الجميع حضر رغم الصيام وحرارة الطقس, كي يتضامنوا مع أبنائهم الأسرى بعد الهجمة الشرسة التي شنتها عليهم إدارة السجون الصهيونية من عقاب متواصل وعزل انفرادي وشبح ومنع الأهالي من الزيارة.
قضية طي الكتمان
وأشار الصرافيتي وهو المتحدث باسم لجنة أهالي الأسرى أن ذوي الأسرى أصبحوا كالأسرة الواحدة مترابطين فيما بينهم, آملاً أن يتم السماح لهم بزيارة أبنائهم وأن يتم الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين من تلك السجون الظالمة.
وتحدث عن معاناة الأسرى داخل السجون الصهيونية, وقال: "لم نترك جهة أو مؤسسة حقوقية أو منظمة دولية إلا وطرقنا بابها أملاً في المساهمة بإطلاق سراح أبنائنا الأسرى, ومع ذلك لم يحرك أحداً ساكناً, وظلت قضية سبعة آلاف أسير فلسطيني طي الكتمان في حين يروج لقضية الجندي الصهيوني الذي جاء على ظهر دبابة في كل المحافل الدولية".
وأوضح الصرافيتي أن هناك تقصير مالي رسمي بحق الأسرى بعد حرمانهم من ال 800 شيكل المستحقة من منظمة التحرير الفلسطينية, مشيراً إلى أنها متوقفة منذ شهر حزيران لعام 2010 بسبب الأزمة المالية على الرغم من قرار رئيس سلطة فتح محمود عباس في الأول من شهر يناير لعام 2009 بصرف هذه الرواتب بانتظام.
أتمنى رؤية أبي
ويقول الطفل بلال حسين الجعبري أن صورة والده لا تغيب عن باله لحظة واحدة, "ولكن في رمضان اشعر بفراقه أكثر فقد كان في كل رمضان يحضر لنا الفوانيس والألعاب الخاصة برمضان كما كان دائما يجلس معنا على مائدة الإفطار يداعبنا ويحكي لنا القصص ولكن أصبحنا لا نراه على مائدة الإفطار مثل غيرنا من الأطفال الذين يجلس آباؤهم بجوارهم".
وتزداد معاناة أهالي الأسرى يوماً بعد يوم بسبب فقدانهم ذويهم وخاصة عند منع قوات الاحتلال الأهالي من الزيارة وتركهم شهوراً دون رؤية أبنائهم، فالكثير منهم لم يروا أبناءهم الصغار الذين ولدوا وهم في السجون.
وقد توفى العديد من ذوي الأسرى دون أن يكحلوا عيونهم برؤية أبنائهم, حيث توفى والد الأسير خالد زكي أبو ريالة المحكوم 21 عاماً ولم يزره لمدة 10سنوات وفارق والده الحياة دون رؤيته, وأيضاً أهل الأسير ماهر أبو كرش الذين منعوا من زيارته تماما, بينما تعاني أم الأسير عمر مسعود هي وأبناءها بشكل كبير في رمضان عند فقدانه على مائدة السحور والفطور.
ومن الناحية المقابلة لو استطعنا إجراء مقابلة مع أحد الأسرى فسيقول: "بدأ اليوم الأول والوضع الطبيعي للأسرى أنهم يتذكرون ذويهم هناك يتجمعون في السحور والفطور, وهنا يجتمع الأسرى على لقيمات وقليل من الطعام مما توفره إدارة السجون التي هدفها قتلنا ونحن أحياء, مضى اليوم الأول دون أن نتجول في السوق بصحبة أبنائنا وإخواننا ودون أن نشتري لهم الحلوى، كل هذا يمزق القلب وكل هذه الذكريات تتزاحم في قلوبنا ونفوسنا حينما نجلس على مائدة الفطور, وهنا نحن لا نختار ما نأكل وما نشرب لأنه يأتي من إدارة السجن وقد يأتي في اللحظات الأخيرة أيضا, فكل إن شئت أو أتمم الصيام بالصيام".
مهما امتلك المرء من فصاحة اللغة والبلاغة فلن يستطيع أن يصف حال اسر الأسرى وأيضاً الشهداء والجرحى في رمضان, فهم وحدهم من يعيش المعاناة ويعيشون الجرح المتجدد الذي لن يندمل إلا بتحقيق آمال الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وعودة كل أسير إلى حضن ذويه.