قصة استشهاد الطفل إبراهيم العواجة
ما أجمله من طفل حين تمتزج بروحه أفكار الكبار ,,, وتستقر البراءة والطفولة في جسده الصغير ,,, ما أجمله حين يكون الروح المرحة لإخوته ,, هو العون لوالدته والشقي لوالده ,, باختصار هو روح العائلة .. صاحب الابتسامة الرائعة العريضة,, إبراهيم هو ذلك الطفل المبدع والمتفوق وقصته بدأت في أول أيام الاجتياح الصهيوني البري في تاريخ 3/1/2009 م أي في بدء العام الجديد الذي لم يقبل إبراهيم أن يشهده ,, رفض لأنه فضّل الشهادة ,, لأن الرصاصات تجرأت عليه وأفقدتنا إياه ,, ولأن صنّاع موت الأطفال سرقوا تلك الابتسامة ,, وربما لأن إبراهيم تعجل ولم يرغب أن يرى المأساة ...
إبراهيم كمال صبحي عواجة كان نائماً وأخوته ووالداه بأمان إلى أن قررت القيادة الصهيونية بدء المرحلة الثانية للعدوان على غزة وبدأت من هناك حيث اسيقظوا على صرخات " أمسيات " 12 عاماً ( ماما الدبابة خشت وبتهد في الدار ) هنا قفز الوالد والوالدة وأيقظوا أبناءهم الستة وكان إبراهيم هو الأول الذي حاول الهرب والاختباء عند شجرة الزيتون التي زرعها في فناء البيت ولكن كانت رصاصة الجندي أسرع منه فاخترقت خاصرته ..لم يمت وحاول والده إنقاذه ولكن جندي آخر أطلق على أبيه النار وأصابه برصاصة بجوار القلب فوقع الأب على ابنه وأطلق آخر رصاصة إلى أسفل ظهره " الحوض " وهنا قال إبراهيم لأبيه ( باب أنا متصاوب تعال تحتيا أحميك ) هذه الكلمات وفي هذا الوقت هي الكفيلة بفداء هذا الصغير الكبير ( بابا سامحني يا بابا ) فقال والده ( يا بابا أنا سامحتك إنتا سامحني .. ) وأخذ يبكي وتابع الوالد ( تشاهد يا حبيبي ) فقال ابراهيم ( أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمد رسول الله ) و لم يتشاهد فقط بل تابع ليقرأ سورة الفاتحة ( الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين , إياك نعبد وإياك نستعينن , إهدنا الصراط المستقيــ..... !!!؟؟ بابا مش قادر أكمل ) ..
هنا قاطعتهما رصاصات ألقت بوالدته على الأرض حين كانت تغطي بجسدها باقي أطفالها من هدم البيت حين أطلق جندي رصاصة في رجلها وتقدم ليطلق غيرها على رجل الأخرى ونظر بنظرته الحقيرة ذات الابتسامة الغادرة على الأطفال ,, وتقدم الجنود وكأن ليس هناك بشر إلا أن بعضهم أراد أن يفتخر بالموت الذي يصبه على الطفولة فأطلق بعض رصاصات في جسد ابراهيم وهنا استشهد .. لاااا بل عاش لأنه قبل استشهاده بيوم قال لأخوته وأمه ( أنا بدي أستشهد عشان آكل تفاح وموز وعنب في الجنة وأغايظكوا ) فعلاً هذا الطفل الآن حي لأنه نال ما أراد ,, أراد أن يكون بجوار ربه في العلياء ,,, يا له من طفل ,, أحتار أن أقول عليه طفل فكل أطفال العالم تقول أريد أن ألعب أريد دمية أريد الذهاب إلى الملاهي أريد أن أرسم ,, ولكنه أراد فعلاً أن يرسم فرسم طريقه نحو الله ,,لم تتمكن الأم من معرفة إن كان ابنها قد استشهد بالفعل حتى انتفض جسده وسافرت روحه للسماء وهي تنظر إليه عن بعد ,,
الآن تكون معانة الأم والأب والأخوة الصغار وهم : ذكريات 8 شهور .. ضياء عامين وحلا 6 أعوام وصبحي 10 أعوام و أختهم الكبرى أمسيات 12 عام ... الآن بدأت المعاناة ,,
هم يعيشون في بيت لاهيا شمال غزة في منطقة حدودية تدعى منطقة " الداعور " .
بعد أن فرغ ذلك الجندي ما ينقصه في اكتمال لشخصيته اكتشفت الأم أن كل جنود الديمقراطية الاسرائيلية يعيشون برعب من إبراهيم الذي ابتعدت عنه هي وأخوته من إطلاق النار وتركوه على بعد 7 أمتار منهم .. سار الجنود نحو الطفل إبراهيم .. عفواً نحو " الإرهابي إبراهيم " وقام كل جندي ديمقراطي منهم بتفريغ سلاحه أو إطلاق بضع رصاصات على جسده الصغير .. هنا أمه وأخوته يرونه أمامهم ويصروخون من بشاعة المنظر ... أعدموه وهو في حضن أبيه وبذلك أرادوا أن يعدموا أخوته ولكن إبراهيم رفض وصرخ بصوته المكتوم الذي لا يسمع ولكني متأكد أن الجنود يسمعون صرخاته بداخلهم يسمعون قوله لهم" إن كنتم رجالاً فاقتلوني " فاندفع نحوه الجنود وفرّغوا باقي رصاصاتهم في جسده ورأسه ,,,وتخيلوا ذلك المنظر أمام أمه وأبيه وأخوته وصرخاتهم تتعالى وتغضب وتنادي ( إبراهيـــــــــم ) ولا يوجد قلب يرحم أو يشفق .. كل جندي يمر عنه يطلق عليه الرصاص أي ديمقراطية وأي قلوب وأي حرب هذه على الأطفال وما سر هذا الحقد على طفولته إبراهيم.. طفل يعدم أمام أهله وفي حضن والده ويزيدون ذلك بإطلاق النار على جسده أمامهم وهو ميت ,, فعلاً الآن فقد صدّقت أن إبراهيم ذو التسع سنوات إرهابي ... فهو من أرسله أبي جهاد " خليل الوزير " لاقتحام مفاعل ديمونا وأخذ ألعابه البلاستيكية سلاحاً مدمراً وهو أيضاً من أطلق الصورايخ على سديروت وعسقلان ... لااااااا ولكنهم .. أتعملون سأقول الحقيقة !! الحقيقة التي جعلتهم يقتلوه !! لقد أراد إبراهيم .. ولكن تكتموا على هذا الذي سأقوله ؟؟ لقد أراد إبراهيم أن يرسل شقيقته ذكريات ذات الـ 8 شهور أن تقصف برضاعتها الجديدة والتي يصل مدى صواريخها إلى مقر الكنيست الاسرائيلي بالقدس وأن تنصب لغزة بلحافها الوردي درعاً واقياً من أطنان الصواريخ الاسرائيلية ... نعم هذه هي الحقيقة التي كان ينوي الشهيد الكبير الصغير أن يفعلها ,,, لذلك انتقموا منه ,, وبعد إرسالها أراد أن يدرب أخاه الصغير ضياء ذو العامين ليخطف جنوداً ويحرر الأسرى الفلسطينيين ..لااا ,, ليس لتحريرهم فهو إرهابي ,, لكنه أراد خطفهم وقتلهم لأنه لأنه إرهابي ..
فقط يقتل ...!!!!؟؟؟؟
أي حقيقة هذه يا إبراهيم التي كنت تخفيها حتى عن قلبك والتي عرفها وكشفتها المخابرات الصهيونية .. خذ حذرك يا ضياء فربما يتهمونك أنك من طالبان أو أرسلك بن لادن أو أنك من أطفال الصمود الذين دربهم ياسر عرفات ببيروت ... كن حذراً يا صغيري ..
بعد أن أطلق " الديمقراطيون " رصاصهم الحاقد على جسد إبراهيم وأطلقوا ضحكاتهم بوجه إخوته الذي ملئوا المكان ببكاءهم وانشقت السماء بسماع صرخاتهم ...
زحف الأب المصاب برصاصتين في حوضه وأخرى بجانب القلب ليطلب الاسعاف أو الصليب ليدخل وينقذ أطفاله زحف وسيعود ...!! ومتى لا نعلم ,,, بعدها تتوالى الويلات ولكن هذه المرة للأم والأطفال الذين جلسوا على بعد أمتار من إبراهيم والذين لحتى الآن هم عاجزين عن لمسه بسبب إطلاق النار ,, ساعات مضت ولم يعد الأب والأم مصابة وابراهيم ملقى على جانبه الأيمن كما ينام الأطفال البريئين والأم تنزف وتحمي أطفالها ,,!!؟؟ لكن تحميهم ليس من اليهود بل أيضاً من البرد ومن الخوف في الليل ومن رؤية أخاهم ملقى أمامهم والجنود يعبثون بجثته ويطلقون النار عليه .. وتنتقل بهم الأم للاختباء تحت طبقة الباطون التي وقعت عليم وهم نائمين واختبئوا تحتها وهم ينظرون إلى الملاك إبراهيم ,, هنا قال صبحي لأمه ( ماما بدي إبراهيم بدي أروح أجيبه يا ماما ) ودموعه تنهار كأنها صخور تقع من أعلى الجبال ,,, فقالت ( لأ يا ماما بلاش يطخوك ) ولكنه قال ( أحسن بروح معاه في الجنة ) وأنطلق لأخوه ولكن منعه حجر وقع على رأسه حين أطلق الجنود النار على ما فوقهم من الجدران التي بقت واقفة .. وبقي مع أمه .. حاولت مراراً الأم أن تذهب إليه ولكن الطلقات تتسارع أمامها وكأن جنود الديمقراطية يرتقبون تحركهم ... بعدها قررت الأم التحرك والابتعاد وترك إبراهيم وذلك لتحمى باقي الأطفال وحين تحركت بدأ إطلاق النار الجنوني نحوهم والصراخ يعلو فألقت الأم أبناءها على الأرض و غطتهم بجسدها ,,, فزحفت وزحفوا معها خلف جدار بجوار البيت ولكن الرصاصات كانت تلاحقم وظلت الأم تنتقل بأطفالها من جدار لآخر وللعلم :: المنطقة تقريباً زراعية والأراضي مسورة بأسوار بطول متر تقريباً على شكل مربعات ..
هنا نقول كان الله في عون هذه الأم التي هي مصابة وتحمي أطفالها من ذلك البطش ... والعذاب هذا بقي لمدة ثلاثة أيام ... ثلاثة أيام وهم في البرد والخلاء بلا ماء أو شراب أو حتى مأمن ... أي حال هذه !!؟؟يوم بعد يوم وآخر بقت الأم وأطفالها بعانون الجوع المنهك فهم بعيدون عن بيتهم الذي تدمر وبعيدين عن أي بيت ممكن أن يأويهم ولا يوجد أحد يساندهم ,,, الأم والأبناء طيلة الأيام وهم ينظرون إلى إبراهيم فتقول أمه حين روت القصة ( عمري ما شفت إبراهيم بالنور اللي كان فيه ) وخلال الأيام الثلاثة والتي هي عبارة عن 3 سنوات طويلة بساعات الليل بلا راحة أو اطمئنان كانت الأم والأبناء يتسائلون عن أبيهم الذي ذهب من أيام ليأتي بالاسعاف فقالت حلا الصغيرة وهي تبكي لأمها ( ماما .. هو بابا كمان استشهد ) فنفت والدتها وقالت بلهجة تصبر أبناءها فيها حيث قطعت سيول دموعها ( بابا راح يجيب ناس يطلعونا اصبروا يا حبايبي .. عشان خاطر إبراهيم اصبروا ولا بدكم يزعل منكم ) وانهارت مرة أخرى بالبكاء هي وأطفالها .. التفكير الآن يقف بجانب الخوف والموت هل استشهد والد إبراهيم ليلحق بولده ... أم هل وصل ولما لم يأتوا لحتى الآن فقد مرّت ثلاثة أيام ,,, وفي اليوم الرابع وصل الأب المصاب والذي لم يذهب لعالج نفسه خلال الأيام الثلاثة بل ظل يبحث عن أحد من الصليب أو إسعاف أو سيارة .. وصل على عربة وحمار وهو ملقى عليها فهو مصاب ولا يستطيع الحركة .. ما أعجب قوة العزيمة للأبوين وهما مصابين ويعجزون عن الحركة يفعلون كل هذا :: إنها فعلاً قدرة الله التي دبها فيهم ... فقام الأب والأم بتحميل أطفالهما الذين ترهلت أجسامهم من الجوع وذاب جمال وجوههم من البكاء ... حتى أخذتهم تلك العربة إلى أقرب مكان فأخهم رجل على سيارة زراعية
( تراكتور ) ونقلهم إلى المشفى ولم يتم علاجهم بل إراحتهم دون العلاج وذلك لأن هناك كانت حالات كثيرة في المشفى بل حالات إنقاذ أرواح ...
ولكن إبراهيم أين ..!!؟؟؟ لم يأخذوه وبقي هناك إلى أن وجدوه في المشفى حيث لا يعلمون لحتى الآن من الذي جلبه للمشفى وحين ذهب الوالد على عربة المصلبين ليرى ولده منعه الطبيب من ذلك ومنع أمه أيضاً من رؤيته لأنه ما بجسده أصعب من أن يروه ونراه نحن أيضاً ,, وأذكر هنا كلمة حدثها الأم لنا عن الطبيب حين قال ( مستحيل هاده يكون مسشتهد من 4 أيام ) فقال الوالد
( ليش ؟؟ ) قال له الطبيب ( شم ريحته مسك ودمه لسا سخن يعني مستشهد من جديد) .
شيّع إبراهيم بجنازة كان الجميع فيها يبكي بل يحاول النظر إلى وجه ذلك الطفل ,,, يستغربون هل سيعود ؟؟ هل سنسمع تغريده كل صباح ,, أين سنسمع صوتك الآن ,, ألن تأتي لتشري حاجاتك الآن من الدكان ..؟؟ ألن أراك داخل الفصل على الطلاب ؟؟ ألن ألعب معك يا أخي ...؟؟ أخي إنا نفتقدك ... حتى شجرك الزيتونة تفتقدك ,, أخي أرجوك كن معنا كل يوم ... تحدث إلينا قبل النوم و عند الصباح .. أرجوك يا أخي .. ؟؟
ولكن هذه هي قدرة الله ... وأخيراً وبعد أيام دفن إبراهيم ,,,
وللعلم لم يعلم أحد من عائلة الأب أو عائلة الأم هذه الحكاية إلى يوم 9/1 أي بعد أسبوع من الحادثة .. وحين اتصل خال إبراهيم بأحد أصدقائه بعد أن أخيرا تمكن من الاتصال لأن هاتفه كان مغلقاً فاطمئن عليه وقال له ما حصل فقال الشاب ( والله سمعنا بهيك قصة وما صدقناها من بشاعتها وكل المنطقة بتحكي فيها وكذبنا )لكن ليس غريباً على الديمقراطية الاسرائيلية شيء ...