كُشف النقاب أمس في تل أبيب عن برقية سرية بعثها مندوب إسرائيل في الأمم المتحدّة، رون بروسأور، إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، قال فيها إنّه لا يوجد أمل لإسرائيل في بلورة كتلة ذات وزن من الدول التي تعارض الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم. وقال المراسل السياسيّ لصحيفة (هآرتس) العبريّة، باراك رافيد، الذي أورد النبأ، إنّه في موازاة ذلك، فإنّ محافل رفيعة في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتانياهو، قالت إنّ الأخير إنه يميل إلى عدم المشاركة في العام الحالي في جلسة الجمعية العامة، لافتةً إلى أنّ الرئيس الإسرائيليّ، شمعون بيريس، هو الذي سيُمثّل الدولة العبريّة هذه السنة.
وتحت عنوان (تقرير من خطوط الجبهة في الأمم المتحدة) عرض مندوب إسرائيل، الذي وصفته التقارير الإسرائيلية بأنّه أحد كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين والمجربين، والذي شغل قبل منصبه الحالي، منصب سفير تل أبيب في لندن، عرض تقييمات وُصفت بالمتشائمة جدًا بشأن قدرة إسرائيل على التأثير بشكل ملموس على نتائج التصويت، بما يشير إلى أنّ إسرائيل تواجه هزيمة دبلوماسية، على حد قول المراسل السياسيّ للصحيفة العبريّة. علاوة على ذلك، جاء أنّه في البرقيّة المذكورة إنّ أنجع ما يمكن للدولة العبريّة إنجازه هو مجموعة من الدول تمتنع أو تتغيب عن التصويت. وبحسب المصادر عينها، فإنّ التقديرات التي عرضها المندوب رون بروسأور جاءت في أعقاب نحو 60 لقاء قام بإجرائها في الأسابيع الأخيرة مع مندوبي الدول المختلفة في الأمم المتحدة، وبحسبه فإن دولا قليلة فقط ستصوت ضد المسعى الفلسطيني.
أمّا في ما يتعلق بوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة بقيادة الوزير اليميني المتطرف، أفيغدور ليبرمان، فإنّ التقديرات تشير إلى أنّ نحو 130 -140 دولة ستصوت لصالح الفلسطينيين، في حين أن هناك علامات استفهام بشأن تصويت دول الاتحاد الأوروبيّ. جدير بالذكر أنّ إسرائيل احتجت رسميا لدى إسبانيا، الأسبوع الماضي، على تصريحات لوزيرة الخارجية الاسبانية، بشأن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم، لرفع درجة الوضع الدبلوماسي للفلسطينيين. قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، إيغال بالمور، إن إسرائيل استدعت السفير الاسباني، وعبرت عن دهشتها وخيبة أملها' لتصريحات وزيرة الخارجية، ترينيداد خيمينيث، التي نقلتها عنها صحيفة (البايس).
وأضاف بالمور أن السفير قال إن تصريحات خيمينيث أسيء فهمها، وإن إسبانيا ستصر على أن يتضمن أي طلب فلسطيني حتى تؤيده، مطلب الاستئناف الفوري لمحادثات السلام في الشرق الأوسط، وضمانات أمنية لإسرائيل. وتقول إسرائيل إنها تخشى أن يؤدي المسعى الفلسطيني إلى الحصول على تأييد الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية، في الوقت الذي لا تزال فيه محادثات السلام متوقفة، إلى إثارة العنف وزيادة الضغوط الدبلوماسية عليها.
ويعتقد أنه من المرجح أن ينال الفلسطينيون ترقية وضعهم في الأمم المتحدة إلى وضع دولة غير عضو، عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون الحصول على العضوية الكاملة في المنظمة الدولية، بسبب معارضة واشنطن لذلك في مجلس الأمن. ونقلت الصحيفة الاسبانية عن خيمينيث قولها، إنها تأمل أن يحقق اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الثاني من أيلول (سبتمبر) في بولندا، تقدما نحو الاعتراف بدولة فلسطينية.
ونسبت الصحيفة إليها قولها هناك شعور بأن الوقت مناسب الآن للقيام بشيء لمنح الفلسطينيين الأمل في أن يصبح إقامة دولتهم أمرا واقعا، علينا أن نعطيهم إشارة ما، لأنه إن لم نفعل، فقد يولد ذلك إحباطا كبيرا للشعب الفلسطيني، على حد تعبيرها.
يشار في هذا السياق إلى أنّ وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، اجتمعت أمس مساءً مع بنيامين نتانياهو، ومع وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، تمهيدا لعقد مؤتمر وزراء خارجية الاتحاد في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر). وساقت الصحيفة العبريّة قائلةً، نقلاً عن مصدرٍ رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية، إنّ العمل لعرقلة المسعى الفلسطينيّ يتم بشكلٍ مكثفٍ للغاية، كما قال إنّ خمس دول غربية فقط تعهدت لإسرائيل بأن تصوت ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتشيكيا، في حين أنّ باقي الدول الغربية ليست على استعداد لحضور الجلسة والتصويت ضد الدولة الفلسطينية، على حد قول المصدر عينه. علاوة على ذلك، جاء في الصحيفة، بحسب الخارجية الإسرائيلية أنّ الدول الأوروبية الأربع المشار إليها من الممكن أن تغير موقفها بناء على نص القرار الذي سيعرضه الفلسطينيون، لافتًا إلى أنّه في حال كان القرار معتدلاً ويتناول إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات بعد التصويت مباشرة، فمن الممكن أن تغير هذه الدول الأربع موقفها من المعارضة إلى الامتناع عن التصويت، على حد قوله. وبحسب التقديرات ذاتها فإن الدول الأوروبية، 27 دولة، سوف تنقسم إلى مجموعة كبيرة تصوت إلى جانب المسعى الفلسطيني، ومجوعتين أخريين الأولى تمتنع والثانية تعارض.
في نفس السياق، قالت (هآرتس) إنّه في هذه الأيام تواصل الخارجيّة الإسرائيليّة حملتها الإعلاميّة في كافة أنحاء العالم لتجنيد الدعم لموقف إسرائيل، كما تم إرسال عدد من الوزراء إلى أفريقيا وآسيا، إلا أن التقارير الإسرائيلية تشير إلى أن رئيس الوزراء نتنياهو قد تنازل عن ذلك. ونقلت الصحيفة عن مصدرٍ في ديوان رئيس الوزراء قوله إنّه من غير المتوقع أن يتوجه نتانياهو إلى نيويورك في نهاية أيلول، لكونه لا يعتقد أن حضوره جلسة الجمعية العامة سوف يؤدي إلى تغيير اتجاه في التصويت على القرار. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أنه من المتوقع أن يقوم بيرس باستبداله. كما أشارت إلى أن وزير الخارجية ليبرمان، الذي سيشارك أيضا في الجمعية العامة، قد نصح نتنياهو بأن يوفد بيرس وذلك لكي يكون الخط الإسرائيلي المسموع في الأمم المتحدة قبل التصويت متصالحا ومعتدلا أكثر ما يمكن. مضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، قالت الصحيفة العبريّة، نقلاً عن محافل رفيعة في تل أبيب، إنّ هناك توجهين في إسرائيل، الأول يتصل بالمستوى السياسي، وخاصة نتنياهو وليبرمان، وبموجبه فإنّه يجب التعامل مع القرار بشكل مماثل لتقرير غولدستون، وبما أنه لا يوجد إمكانية لدى إسرائيل لوقف اتخاذ هذا القرار فيجب إدانته بشدة. أما التوجه الثاني، والذي تطرحه أقلية، فيقوده مسؤولون في وزارة الخارجية وجهاز الأمن العام (الشاباك) وضباط في شعبة التخطيط في الجيش، ويتضمن أن تحاول إسرائيل التأثير على نص القرار الذي سيعرض للتصويت، وذلك بهدف بلورة نص يمنع كسر قواعد اللعبة بعد التصويت، وربما يتيح تجديد المفاوضات، على حد تعبيره.