عندما تتعهد 'كتائب القسام' الجناح العسكري لحركة 'حماس' بمواصلة الجهاد للافراج عن جميع الاسرى الفلسطينيين بمناسبة الافراج عن اكثر من الف اسير فلسطيني في اطار صفقة التبادل مع الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليط، فان علينا ان نتوقع محاولات دؤوبة لاسر جنود اسرائيليين في المستقبل القريب.
السيد 'ابو عبيدة' الناطق الرسمي باسم الكتائب اوضح هذه المسألة بجلاء اثناء كلمته التي القاها يوم امس ترحيباً بالاسرى المحررين عندما قال 'لن يهدأ للكتائب بال حتى تغلق السجون من خلف الاسرى البواسل والاسيرات الماجدات باذن الله'، وهذا يعني ان هناك خططاً مماثلة لتلك التي ادت الى اسر الجندي شاليط قبل خمس سنوات.
ومن الصعب الجزم بان هذه الخطط قابلة للتنفيذ فوراً او بعد اشهر، فعملية الاسر هذه ليست سهلة، كما ان القوات الاسرائيلية تعلم مسبقاً بنوايا كتائب القسام ومخططاتها لانها لم تعد سرا، فتحرير اكثر من الف اسير فلسطيني مقابل الافراج عن جندي واحد صفقة مغرية تستحق التكرار اذا تأتى ذلك للكتائب وعناصرها.
ما يجعلنا نعتقد ان تكرار هذه العملية ممكناً هو الخبرة العملياتية الكبيرة التي باتت متوفرة لكتائب القسام وفصائل فلسطينية اخرى متحالفة معها، ليس على صعيد حفر الانفاق والوصول الى القواعد والمواقع العسكرية الاسرائيلية فقط، وانما في ميدان الاحتفاظ بالاسرى الاسرائيليين في اماكن سرية بعيداً عن اعين الاجهزة الامنية الاسرائيلية وعملائها.
الاحتفاظ بالجندي شاليط في مكان سري مجهول طوال خمس سنوات في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلاً مربعاً مهمة اعجازية بكل المقاييس، اذا وضعنا في اعتبارنا ما تملكه الاجهزة الامنية الاسرائيلية من عملاء على الارض واجهزة مراقبة وتنصت حديثة ومتطورة جداً.
صفقة التبادل الاخيرة، مثلها تماماً مثل الصفقات المماثلة التي سبقتها، اثبتت ان اسر الجنود الاسرائيليين هو الطريقة الامثل والاقصر للافراج عن الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، فصفقات التبادل بين فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية ادت الى الافراج عن 7000 اسير عربي وفلسطيني مقابل ستة جنود اسرائيليين احياء، ورفات ثلاثة آخرين.
وربما يجادل البعض كثيراً هذه الايام بان الافراج عن الف اسير فلسطيني مقابل جندي اسرائيلي واحد يظهر مدى اهمية المواطن الاسرائيلي مقابل نظيره العربي وقيمته الفعلية، وهذا ربما يكون صحيحاً، ولكن يجب الاخذ في الاعتبار ان هذه المعادلة المنقوصة والمهينة جاءت بسبب ضعف الموقف العربي والتفوق الاسرائيلي الكبير، وهي معادلة في طريقها للتغيير في ظل الثورات العربية التي كسرت حاجز الخوف، واعادت للمواطن العربي كرامته وعزته.
هناك سوابق في التاريخ تكشف ان ما كان يحدث في الماضي في ايام النهوض العربي والاسلامي كان العكس تماماً، حيث كان الاسير العربي يبادل بالمئات من الاسرى الاوروبيين، ونحن نشير هنا الى القرن الثامن عشر عندما كان البحارة الجزائريون والمغاربة يسيطرون على البحر الابيض المتوسط، ويقبلون بالافراج عن المئات بل الآلاف من الاسرى الفرنجة لديهم لاستعادة اسير مسلم لدى السلطات الاوروبية في ذلك الوقت.
ومع ذلك يمكن الرد بان اسرائيل بما تملكه من قوة وتفوق عسكري ومن ثم خنوع عربي في المقابل، تستطيع ان تعتقل العشرات يومياً من الفلسطينيين وتزج بهم في السجون دون محاكمات او بتهم ملفقة، وهذا ما يفسر وجود ثمانية آلاف اسير لديها حالياً، بينما لا يستطيع العرب وخصوصاً الفلسطينيين ، اسر اي جندي اسرائيلي الا بصعوبة كبيرة.
صفقة التبادل التي احتفل بها الفلسطينيون والعرب جميعاً يوم امس هي انتصار للمقاومة الفلسطينية وسياسة النفس الطويل وعدم الرضوخ لاساليب الارهاب والابتزاز الاسرائيلية، وعلينا ان نتذكر ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي صراع طويل ومستمر طالما ان كل ابواب السلام قد اغلقت بسبب غرور القوة الاسرائيلي المدعوم امريكياً واوروبياً.
من شاهد وجه نتنياهو وهو يتحدث في المؤتمر الصحافي الذي عقده بمناسبة الافراج عن شاليط يدرك حجم الهزيمة التي الحقت به عندما قدم تنازلات لم يقدمها سلفه ايهود اولمرت قائد كاديما حتى ان شاليط نفسه قاوم عناقه ولم يكن فرحاً باستقباله (اي نتنياهو) له.
لا نعرف متى سنحتفل بصفقة تبادل اخرى تحقق فرحة الافراج عن اسرى عرب جدد، ولكن ما نحن متأكدون منه انها قادمة لا محالة، طالما ان هناك قناعة ترسخت عند فصائل المقاومة ان الاستجداء لا يفرج عن الاسرى، بل المقاومة وحدها فقط.
رأي "القدس" العربي