ستضعف الصحافة ويبهت توتير

لدى مجلة التايم الأمريكية تقليد سنوي تتوج فيه أحدى الشخصيات ليصبح الأكثر أهمية.
من الآن نشرت التايم تقريرا تحاول فيه أن تلتقط الإشارات من جمهورها حول من يظنون أنه الأحق بشخصية العام 2011 .

عندما انتهيت من قراءة ذلك التقرير قلت أنني لن احتار في الخيار لو كان الترشح يقتصر على العالم العربي. سأقول من دون تردد أن “توتير” هو شخصية العام .
لقد دخل توتير حياة العرب بأقوى ما يكون حتى يصح القول إن هناك عربا قبل توتير وعربا بعد توتير.

ولكن بما أن هذه التدوينة مخصصة للملاحظات الصحفية فإن توتير دخل بل ارتطم بقوة بالصحافة العربية وسبّب حالة من الفوضى وفقدان التوازن.
الآن لو دخلت توتير فستجد أن الصحافيين يتواجدون فيه أكثر مما يتواجدون على صفحات الصحف أو شاشات التلفزيونات التي يعملون بها.

لكن السؤال الذي أسمعه يتردد دائما هل سيقوم توتير بالقضاء على الصحافة ؟ !. غالب الإجابات التي تسمعها تؤكد أن توتير سدد بالفعل طعنات قاتلة للصحافة التي تعاني من آلام الاحتضار .

أنا بصراحة لا تقنعني مثل تلك الاجابات وأشعر أنها “رغوبية” أكثر من كونها واقعية. ومن ثم أعتقد أن من الخطأ البحث عن منتصر وكأن الأمر أبيض و أسود .
وإذا أردت أن أجيب على هذا السؤال سأقول باختصار إن كليهما سيضعفان ولكل واحد منهما أسبابه.

الصحافة على سبيل المثال في حالة انهيار لأسباب متشابكة. غياب مساحة الحرية وضعف المواد الصحافية وعزوف الناس عن القراءة.
أشعر بأن هناك حالة من الهجرة الجماعية عن القراءة بسبب تنوع مصادر المعلومة والأخبار والاستمتاع وكل ذلك يعود إلى دخول التقنية بقوة في حياتنا.

الصحافة التقليدية.. هل تصمد طويلا؟

تشعر بأن لا أحد بقادر على قراءة تقرير مطول مثلما كان يحدث في الماضي . الناس باتت تبحث عن الخفيف الظريف. هذا لا يحدث لدينا بل حتى في الغرب حيث تعاني الوسائل الإعلامية المحترمة من تناقص عدد المتابعين وأشهر دليل على ذلك بيع المجلة الشهيرة نيوزويك بدولار واحد بسبب الديون المتراكمة عليها.

إذن هناك حالة جفاء جماعية.. وهو أمر ألحظه بين الأصدقاء والمعارف الذين باتوا يملون من قراءة المقالات التي تتجاوز 700 أو 800 كلمة. ولكن مع ضعف الصحافة لا اعتقد أن الناس سيتركونها نهائيا بل ستحافظ على نوع معين من القراء ولكن ليس هناك مجال للعودة للماضي المجيد.

الشيء الوحيد الذي سيجعل الصحافة تتنفس هو قدرتها على تقديم ما هو مميز وجميل، الأمر الذي سيجعل القارئ يثق فيها دائما ويؤمن إيمانا بالغا أن هناك شيئا مرتبا ينتظره في الصحيفة.
لو تأملنا فإننا سنجد جريدة النيويورك تايمز مثالا بارزا على ذلك.

ولكن ماذا عن توتير شاغل الناس؟. يمكن القول من دون تأكيد إن مصيره سيكون مأساويا خلال فترة قصيرة. إذا كانت الصحافة ستعيش ضعيفة فإن توتير سيبهت كثيرا والسبب في اعتقادي هو أن توتير يشكل فقط واحدة من الموجات التقنية المتدفقة التي من طبيعتها أن تشغل الناس بقوة وتملأ حياتهم ولكنها لا تلبث أن تبهت لأن الناس يملون منها سريعا ويبحثون عن حبيب جديد.

وهذا ما بدأت أشعر به مع تنامي حالة الملل بين التوتريين أنفسهم. توتير أيضا لا يحمل بذور بقائه لأنه لا يقدم مادة تجذب الناس على الرغم من تغير الظروف على العكس الصحافة.

أي أن طبيعة التواصل فيه ونشر الأخبار مرشحة للضعف مع وجود مواقع ثانية منافسة الأمر المختلف مع الصحافة التي ظلت خلال عقود طويلة جدا مصدرا للأخبار والمقالات والتقارير.

لا نعلم ماذا يخبئ لنا المستقبل ولكن هذه مجرد تحليلات سريعة لهذا السؤال الذي يتكرر باستمرار وحاولت أن أجيب عليه بطريقة محايدة لا تميل إلى أي من الطرفين.

صفحة 1 من اصل 1