الخلاف الأمريكي ـ الإسرائيلي وحقيقته
تمتلئ الصحف العربية هذه الايام بمقالات تركز على الخلاف الناشئ بين إسرائيل والادارة الامريكية، بسبب إصرار بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية على المضي قدما في الاستيطان بالقدس والمناطق المحتلة الاخرى. ويتوقف الكثير من كتّاب الأعمدة عند تصريحات الجنرال ديفيد بترايوس قائد المنطقة الوسطى التي أدلى بها امام الكونغرس، وطالبه فيها باعادة النظر في القيمة الاستراتيجية لاسرائيل بالنسبة الى بلاده، من حيث إعادة تقييمها مجددا، وأكد فيها ان السياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين وتعثر عملية السلام باتت تهدد أرواح الجنود الامريكيين في العراق وأفغانستان.
لا شك ان هناك اختلافات تنمو وتتصاعد بين الطرفين الامريكي والاسرائيلي، ولكن هذا لا يعني ان الخلاف يمكن ان يتطور الى قطيعة.
فالمؤسستان الامريكيتان، السياسية والعسكرية، تلتزمان بالكامل بأمن اسرائيل، واستمرار تفوقها العسكري والاستراتيجي في المنطقة، وكل ما يحدث هو محاولة لترشيد الخلاف واستخدامه للضغط على اسرائيل للتجاوب مع خطط الادارة الحالية للالتزام بتعهداتها بالسلام، تجاه العرب والفلسطينيين بشكل خاص، في ظل تركيزها على البرامج النووية الايرانية التي باتت تشكل القلق الاكبر في منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة لها، تحتوي على ثلثي احتياطات النفط في العالم.
الرئيس باراك أوباما ينتابه إحساس بالإهانة، والحال نفسه ينطبق على السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجيته، علاوة على السناتور جوزيف بايدن نائبه. فالاسرائيليون تعمدوا إهانة هؤلاء وبطريقة فجة، وذلك بالإصرار على المضي قدما في الاستيطان واللجوء الى الكونغرس في محاولة للضغط على الادارة الامريكية واظهار مدى قوة اللوبي اليهودي في واشنطن.
الرئيس أوباما أظهر عنادا صلبا في طريقته وأسلوبه في خوض المعارك الداخلية، وحقق نجاحه الأول والأكبر بتمرير قانون الاصلاح الصحي الذي عجز عن تمريره العديد من الرؤساء الذين سبقوه، ومن المفارقة ان الكونغرس كان ميدانا لمعركته هذه، وهو الميدان نفسه الذي سيحاول فيه التصدي للغطرسة والغرور الاسرائيليين.
معركة الادارة الامريكية مع حكومة نتنياهو معركة حقيقية لا يجب التقليل من شأنها، فأمريكا أصبحت جارة في المنطقة، ولها اكثر من مائتي ألف جندي، يتوزعون بين أفغانستان والعراق، وهذه القوات موجودة لتحقيق غرضين أساسيين، الأول هو السيطرة على منابع النفط وإبقاء التفوق العسكري الاسرائيلي على حاله، ومنع إيران أو أية دولة أخرى من تطوير برامج نووية تؤدي الى انتاج أسلحة الدمار الشامل.
النقطة الأساسية التي يحاول الكثيرون تجنب التوقف عندها في هذا الخصوص، هي ان امتعاض المؤسسة العسكرية الامريكية من السياسات الاسرائيلية يعود بالدرجة الاولى الى ثقافة المقاومة وترجماتها العملية على الارض، وليس بفضل مبادرات السلام العربية، ومفاوضات التسوية التي تخوضها السلطة الفلسطينية.
المقاومتان العراقية والأفغانية هما اللتان أحدثتا هذا التغيير في التفكير الأمريكي بجانبيه العسكري والسياسي، لأنهما نجحتا بجعل الحربين الامريكيتين في المنطقة مكلفتين على الصعيدين البشري والمادي، حيث بلغت الخسائر البشرية حتى الآن ما يقرب من خمسة آلاف جندي وأربعين ألف جريح، علاوة على أكثر من تريليون دولار يدفعها دافع الضرائب من جيبه، وعلى حساب رخائه وقوت أطفاله.
أن يؤيد العرب هذا الخلاف الامريكي - الاسرائيلي، ومن موقف المتفرج، فهذا أمر مخجل، فالمطلوب هو ان يكونوا فاعلين بطريقة تؤدي الى تعميقه من حيث التصدي للاستيطان الاسرائيلي بالطرق كافة، وهو ما لا نراه حاليا.
يجب ان تمتد المظاهرات والاحتجاجات الى مختلف الاراضي المحتلة، وتتحول الى انتفاضة حقيقية، بعد ان دخل حل الدولتين في النزع الأخير ولم تعد هناك أراض لإقامة الدولة الفلسطينية عليها.