التجار من القدس
جدعون ليفي
4/5/2010
هل يعرف أحد ماذا يريد بنيامين نتنياهو؟ هل فهم احد ما في أي مرة من المرات أراده أسلافه؟ الى اين يسيرون ويقودون؟ واحداً تلو الاخر سئل السياسيون الاسرائيليون على أجيالهم وكانوا يردون دوما كرجل واحد: 'انت لا تتوقع ان ترد على هذا السؤال'، او : 'لنبق ِ هذا للمفاوضات'. أجوبة مشوشة، متملصة وغامضة، كليشيهات وخداعات، ريح، ومطر - وبالاساس جواب واضح - لا يوجد. لا توجد دولة كهذه، لمواطنيها، لاصدقائها ولاعدائها لا توجد فكرة الى اين هي وجهتها. حسنا بالنسبة للاعداء، ولكن أفلا نستحق نحن أن نعرف أكثر؟ على الأقل ان نعرف ما هو الهدف؟
المدى الزمني للغموض السياسي الغريب هذا هو كمدى أيام الاحتلال. في اليوم الذي صنفت فيه المناطق بأنها 'اوراق للمساومة' بدأت حفلة الاوراق الكبرى، لعبة البوكر العاصفة، التي تستمر حتى يومنا هذا. مناكفات بدلا من سياسة، اخفاء الاوراق بدلا من الشفافية، وجه البوكر بدلا من وجه الحقيقة.
وبينما قال العرب دوما ما هو تطلعهم - واضح، محدد، جلي، غير مرة بتطرف أيضا - تلفع الاسرائيليون بالأقنعة. وبينما في كل مواجهة دولية يعرف الجميع ما هي اهداف الاطراف، في الشرق الاوسط يعرف الجميع فقط ما يريده الفلسطينيون - حدود 1967، دولة، حل مشكلة اللاجئين، عودة - ولكن أحدا، لا يعرف على نحو صحيح ما يريده الاسرائيليون. ضم المناطق؟ ما القصة؟ اخلاؤها؟ ليس الان. متى اذن؟ ليس واضحا. وكم؟ غير معروف. قبل بضعة ايام، مثلا، سئل بعض الوزراء في استفتاء صحافي عن تجميد البناء في القدس، ولكن احدا منهم تقريبا لم يوافق على الاجابة. ما القصة في ان يقولوا؟ يدور الحديث عن أمر لا يقل عن فضيحة. وزير غير مستعد لان يقول للجمهور ما هو موقفه يخون مهمته. رئيس وزراء - أخطر بأضعاف. اذا كان القانون في السويد يلزم بنشر كل رسالة تخرج عن وزراء الحكومة، ففي اسرائيل لا يمكن الحصول منهم حتى على رد في الأمور المبدئية.
الذنب، كالمعتاد في مثل هذه الحالات، ملقى علينا جميعا. فعلى مدى السنين وافقنا بالصمت ان يقودونا بغموض، او على الاقل بخداع. القول بأن لا حاجة للقول أصبح مسلما به، شبه ثابت. الفهم الذي بموجبه السعي نحو السلام يساوي التجارة بالمفرق، البسطات في السوق، تجارة الجياد في ظلمة الليل، حيث محظور تحديد أهداف واضحة، اصبح سياسة. وما هو جيد ربما لأوهام عالم الدعاية، او لعالم التجارة، أصبح حجر طريق في التفكير السياسي. الغموض هو الرسالة، او ربما يدور الحديث ببساطة عن انعدام الطريق والاهداف، والذي يغطي الغموض على عاره؟
هل رئيس وزراء اسرائيل مستعد لان ينزل من الجولان مقابل سلام مع سورية؟ نعم او لا - الا نستحق ان نعرف؟ وأي اجزاء من الضفة الغربية مستعد هو لان يخليها، اذا كان مستعدا على الاطلاق؟ وماذا بحق الجحيم يريد وزير دفاعنا؟ أأحد يعرف؟ ولماذا اذا ما علمنا الأجوبة سيؤدي الأمر الى اضعاف الموقف كما روضونا على التفكير، وليس تعزيزه؟ الغموض قوة؟ الخداع طريق؟
تجارهم الصغار، على عادة التجار، لا يكشفون ابدا رأيهم وللعجب، فان طريقة التجارة بالمفرق عندهم باءت بفشل ذريع. المكانة الدولية لإسرائيل توجد في درك أسفل لم يسبق له مثيل، ضمن امور اخرى بسبب غموضها وفقدان طريقها. وحتى الرئيس الامريكي، الذي يعرف كل شيء، ليست لديه فكرة عما يريده حليفه. الان على الاقل يحاول ان يطلب ذلك منه - قولوا ماذا تريدون. مشكوك أن ينال مبتغاه.
بعد 43 سنة من بداية الاحتلال، ولا يوجد شخص في البلاد، وفي العالم، يعلم حقا ماذا نريد نحن، ويعلم الى اين تصبو وجهتنا.
هكذا اصبحنا ليس فقط الدولة الوحيدة في العالم دون حدود واضحة، بل وايضا دولة دون اهداف وطنية واضحة.
اليهودي شايلوك وان كان وقع في مسرحية وليام شكسبير ' تاجر البندقية'، على عقد ضمان الا انه في نفس الوقت وفر للعالم احد المونولوجات الاكثر اثارة للانفعال التي كتبت في أي وقت مضى: 'فهل اذا ما طعنتمونا ـ لن ينزل دم؟
وهل اذا ما دغدغتموننا ـ لن نضحك؟ وهل اذا ما سممتمونا ـ لن نموت؟ وهل اذا ما نكلتم بنا ـ لن ننتقم؟
' ترجمة: ابرهام عوز'. مونولوج التجار من القدس، بالقياس اليه، اكثر بؤسا بكثير: 'اذا اعطيتم - فستأخذون'، او شيء ما كهذا.
هآرتس 4/4/2010