دفاعا عن الفلسطينيين / عبد الحليم قنديل
---------------------------
مع حادث رفح الإرهابي، والذى راح ضحيته ستة عشر شهيدا مصريا بين ضابط وجندي، عادت ذات الإسطوانات المشروخة القديمة، وجرى تحميل دم المصريين للفلسطينيين، وإبراء ذمة إسرائيل، وتصوير الفلسطيني كعدو يجب منعه من القدوم إلى المطارات المصرية، وإعادة ترحيله على الطائرة التي أتى بها، إضافة لإغلاق كامل سرى على معبر رفح منذ الحادث الإرهابي إلى وقت كتابة السطور.
وهذه طريقة قديمة ـ جديدة دأبت عليها جماعة إسرائيل في مصر، وهي جماعة مصالح كبرى، نشأ نفوذها وتطور منذ بدء عقد وسريان ما يسمى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وتضخمت مواردها مع استفادات متلاحقة من شبكة المعونة الأمريكية، وسيطرت على دوائر في التوجيه والإعلام الحكومي، إضافة لسيطرتها وإدارتها لعدد لا بأس به من الصحف والإذاعات والفضائيات الخاصة، وقد تعود اللوبي الإسرائيلي في مصر على التحرك مع كل حادث إرهابي يجري فى شرق سيناء، يصرخ ويلطم ويشق الجيوب، ويتظاهر بالتعاطف مع شهداء المصريين، ويغري الجمهور بالنقمة على الفلسطينيين سبب كل الشرور، خاصة لو تصادف أن فلسطينيا تورط في الحادث، وعلى نحو ما أوحى به البيان الأول للمجلس العسكري عن الحادث.
والفلسطينيون ـ بالطبع ـ ليسوا ملائكة، إنهم شعب كبقية الشعوب، فيهم الصالح والطالح، فيهم المقاوم والخياني، تماما كما أن الشعب المصري كذلك، ولنفرض جدلا أن كل منفذي الحادث الإرهابي الأخير من الفلسطينيين، فهؤلاء لا يمثلون الشعب الفلسطينى في كتلته الوطنية الغالبة، تماما كما أن الجماعات الإرهابية المصرية في سيناء لا تمثل الشعب المصري، ولا تمثل الشعور الوطني الجارف بين أبناء سيناء، والذين يستعدون المصريين على الشعب الفلسطيني، هم ذواتهم الذين يستعدون الشعب المصري على أبنائه فى سيناء، ويصورون السيناويين كما لو كانوا خونة لبلادهم، أو أنهم جميعا من تجار المخدرات، وتلك كلها أفكار ضالة تخاصم العقل وتفتقد إلى الضمير، فمنذ بدء سريان ما يسمى معاهدة السلام مع إسرائيل، لم توجه إلى مصري واحد من أبناء سيناء تهمة التجسس لحساب إسرائيل، وكان الخونة جميعا من أبناء محافظات أخرى في قلب وادى النيل، ودون أن يعني ذلك حكما على الشعب المصري ـ لاسمح الله ـ بالعمل لحساب إسرائيل، فالمصريون أكثر شعوب الأمة العربية كراهة لوجود إسرائيل، ورفضا للسياسة الأمريكية، وهنا مربط الفرس وبيت القصيد، ففيالق الإعلام المزور تتظاهر بالغيرة على المصريين، وتستعديهم ضد الفلسطينيين، وتريد بذلك أن تجري عملية إحلال نفسي يصبح الفلسطينيون وفقها هم العدو الذي تجب محاربته ومخاصمته، وخصما من حساب العداء لإسرائيل، ومن ثم يجري النصح بإغلاق معبر رفح بصورة دائمة، وإدارة الحرب ضد أنفاق الحياة الواصلة بين المصريين والفلسطينيين، وكل ذلك بهدف لفت النظر عن المهمة الوطنية الصحيحة، والتي أدى غيابها إلى إخلاء سيناء أمنيا، وجعلها مرتعا لجماعات إرهاب من جنسيات مصرية وغير مصرية، تتحالف موضوعيا مع إسرائيل، وتنقل مسارح العمليات العنيفة من قلب إسرائيل إلى قلب سيناء، وتسيل دم المصريين بدلا من إسالة دم العدو الإسرائيلي.
ومعروف أن جماعات من هذا النوع موجودة أيضا على الجانب الفلسطيني، ويحارب بعضها حركة حماس المسيطرة ميدانيا على غزة، وتحاول التواصل مع مثيلتها من جماعات الإرهاب الضالة على الجانب المصري، وهذا هو الخطر الذي يجب اجتثاثه واقتلاعه من جذوره، ولا يمكن تنفيذ المهمة مع استمرار الإخلاء الأمني والعسكري في سيناء، والذي فرضته القيود الأمنية المترتبة على عقد ما يسمى معاهدة السلام مع إسرائيل، والتي جعلت سيناء الشاسعة، والتى تزيد مساحتها وحدها على ثلاثة أمثال مساحة فلسطين التاريخية كلها، جعلت القيود من سيناء براحا منزوع السلاح في غالبه، وقسمت سيناء طوليا إلى ثلاث مناطق، منطقة (أ) شرق قناة السويس، وبعرض 59 كيلو مترا تنتهي قبل حزام المضايق الاستراتيجية الحاكمة في سيناء، وجرى قصر وجود الجيش المصرى فيها على فرقة مشاة ميكانيكية واحدة بعدد 22 ألف جندي، بعدها تأتي المنطقة (ب)، وبعرض 109 كيلو مترات، وجرى قصر وجود الجيش فيها على أربع كتائب حرس حدود، ثم تأتي المنطقة (ج )، وبعرض 33 كيلو مترا غرب الحدود المصرية ـ الفلسطينية، وتقرر في الملاحق الأمنية للمعاهدة المشؤومة أن تكون هذه المنطقة منزوعة السلاح العسكري بالكامل، وهو ما لم تجر عليه سوى تعديلات طفيفة باتفاق تكميلي في أواخر 2005، أضف إلى ذلك كله ما نصت عليه المعاهدة المشؤومة من حظر إنشاء أي مطارات أو موانيء حربية مصرية في سيناء كلها، وهو ما يعني ـ ببساطة ـ أنه قد جرى نزع سيادة السلاح في سيناء، وتهديد العمق المصري بإخلاء خطوط الدفاع الطبيعية عن البلد، وهذه الإشارات كافية في الدلالة على أولويات المهمة المصرية الوطنية الأن، فالأولوية ـ المصرية جدا ـ هي إعادة نشر الجيش المصري حتى الحدود الدولية، نشر الجيش بكامل قواته وعتاده ودباباته وطائراته وسفنه، وليس استئذان إسرائيل في دخول قوات لمهام عابرة، فالمطلوب: فرض واقع عسكري جديد يزيل أوضاع العار المترتبة على معاهدة كامب ديفيد، فلا يصح أن يستأذن الجيش المصري أحدا بحقه في الحركة فوق أرضه، واستعادة السيطرة العسكرية المصرية التامة على سيناء هي الحل، فهي الضمان ـ أولا ـ لتصفية جماعات الإرهاب الضالة شرق سيناء، وهي الضمان ـ ثانيا ـ لإدارة علاقات صحيحة مع الطرف الوطني الفلسطيني تلزمه بتصفية الجماعات الضالة عنده، وهي الضمان ـ ثالثا ـ لفتح منضبط لمعبر رفح، يسمح بالحركة السلسة للأفراد والبضائع، ويفك حصار الشعب الفلسطيني، ويدير تجارة مشروعة على السطح تكون بديلا لتجارة الأنفاق ومغامراتها الخطرة.
وقد كان ملفتا أن إسرائيل أعلنت عن الحادث الإرهابي قبل وقوعه، ثم سارعت إلى قتل منفذيه جميعا وقت وقوع الحادث بالثانية، وسلمت الجثث إلى المصريين لإيغار صدورهم ضد الفلسطينيين، وغسلت أيديها بسرعة إعادةفتح معبر كرم أبو سالم إلى غزة، وورطت السلطات المصرية في إغلاق معبر رفح، وفي لعبة مكشوفة ظاهرة الأهداف، فقد أرادت أن تقول للمصريين: انتبهوا فإن الفلسطينيين يقتلونكم ، ولا حل عندكم سوى الانتقام من الفلسطينيين بتشديد الحصار وإغلاق المعابر، ثم يجيء الدور على جماعة إسرائيل في مصر لإكمال الجريمة، وترك سيناء خاضعة لابتزاز السلاح الإسرائيلي.
' كاتب مصري