ضربة إسرائيلية للبرنامج النووي
الإيراني لن تؤجله بل ستأذن ببدئه
يوساف بوت* (كريستان سينس مونيتور)
--------------------------
في نهاية الشهر الماضي، قال رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي
للمراسلين الصحفيين إن هجوماً إسرائيلياً على إيران سيفضي "بوضوح إلى تأخيره، لكنه ربما
لن يدمر البرنامج النووي الإيراني". وهذا صحيح إلى حد كافٍ، لكنه ربما يكون من الأهمية بمكان
الإشارة إلى أن الجنرال الأميركي لم يقل "برنامج الأسلحة النووية الإيراني".
وبينما من الممكن استخدام برنامج التخصيب النووي المتواصل لدى إيران لتجميع المادة
اللازمة للقنبلة، فليس ثمة من دليل قاطع على أن إيران قد باشرت هذا الجهد التسلحي. ولعل
الشيء الوحيد الذي سيؤذن على وجه التأكيد ببدء اندفاعة إيرانية نحو التسلح سيكون توجيه
ضربة إسرائيلية.
وبينما لا يوجد تلميح واضح بأن إيران تعمل راهناً على تطوير برنامج تسلح نووي، فإن
ثمة دليلاً كبيراً على النقيض من ذلك. وفي الحقيقة، وفي أعقاب نشر التقييم الاستخباراتي
القومي في العام 2011 عن إيران، أكد مدير الاستخبارات القومية الأميركية، جيمس كليبر، في
ربيع العام 2011 أن لديه "ثقة كبيرة" في أن إيران لم تكن قد بدأت في إعادة تشغيل برنامج
التسلح النووي لديها.
إلى ذلك، يستمر مفتشو وكالة الطاقة النووية في مراقبة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب
بلا كلل ولا توقف، للتأكد من أن لا شيء منه قد حول إلى أي نشاطات ذات طبيعة عسكرية. وكان
محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي أمضى أكثر من عقد كمدير عام للوكالة
الدولية، قد قال إنه لم يسبق له أن شاهد "ولو أقل قدر من الدليل" على أن إيران تسعى إلى
تصنيع القنبلة طوال الوقت الذي كان يعمل فيه في الوكالة الدولية ) 1997- 2009(، مضيفاً: "إن
كل ما أشاهده هو ضجة حول التهديد الذي تشكله إيران".
حتى إن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا نفسه أقر بهذه الحقيقة وتساءل:"هل يحاول
)الإيرانيون( تطوير سلاح نووي؟ كلا. لكننا نعرف أنهم يحاولون تطوير قدرة امتلاك )أسلحة(
نووية. وذلك ما يقلقنا".
ومن الطبيعي أن أي قدرة لإنتاج أسلحة نووية إنما تأتي مع تطور المعرفة: فأي أمة تقف
على ناصية التوافر دورة وقود نووي مطور، لا بد وأن تتوافر على مقدرة تصنيع الأسلحة. وفي
الحقيقة، من الممكن اعتبار ذلك عيباً رئيسياً في معاهدة عدم الانتشار النووي. وعلى سبيل
المثال، تتوافر اليابان والأرجنتين والبرازيل أيضاً على قدرات كامنة لصناعة أسلحة نووية. وتماماً
مثلما لا تستطيع الحصول على عداد سرعة لسيارة تستطيع السير بسرعة 110 أميال في الساعة،
فإنه ليس من المحظور أن تتوافر على قدرة كامنة لإنتاج أسلحة نووية.
لكن من الممكن أن تحول ضربة إسرائيلية لإيران هذه القدرة الكامنة إلى برنامج تسلح نشط
فعلياً. ومن المرجح أن يشتمل الرد الإيراني على طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية، كما
وإلى خوض سباق محموم لحيازة القنبلة -ناهيك عن ذكر احتمال وقوع مواجهة تعم المنطقة،
وارتفاع أسعار النفط إلى عنان السماء.
وستنطوي الضربة الإسرائيلية أيضاً على أثر "التجمع حول الراية" من جانب الشعب الإيراني،
ما يفسح المجال أمام النظام للمضي قدماً في المزيد من حملاته ضد المعارضين السياسيين
وإسكات المنتقدين، مما يصب في تعزيز سلطة النظام.
إلى ذلك، تظهر تحليلات حديثة أن ضربة إسرائيلية سابقة -في العام 1981 على مجمع
المفاعل المدني العراقي أوزيراك )أو مفاعل "تموز" كما كان يسميه العراقيون(- قد دفعت بصدام
حسين إلى المطالبة برادع نووي. وكانت تلك الضربة في الحقيقة بمثابة الزناد الذي قدح انطلاقا
للعراق في جهد بكامل الطاقة سعياً إلى التسلح. وبعد عقد، ومع اندلاع حرب الخليج في العام
1991، كان العراق على وشك التوافر على قدرة عسكرية نووية.
وكما تشرح البحاثة مالفريد براوت-هيغهامر في مقال حديث حول الأمن الدولي، فإن هذه
"الهجمات الوقائية في الظاهر، تستطيع زيادة خطر انتشار الأسلحة على المدى الطويل من
جانب الدولة المستهدفة".
وينقض بحثها اللازمة التقليدية القائلة بأن هجوم إسرائيل في العام 1981 على المفاعل
أوزيراك، منع حصول العراق على قدرة حيازة الأسلحة النووية: فمن الناحية الفعلية، خلقت
الضربة ضغطاً غير مسبوق في داخل جهاز الأمن القومي العراقي باتجاه السعي إلى حيازة
القنبلة بقوة أكبر من السابق.
ومن الواضح أن المسؤولين رفيعي المستوى في مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلية يفهمون
هذه الديناميكية تماماً. ولذلك، نراهم يقفون بحزم ضد أي ضربة توجه لإيران.
وعلى سبيل المثال، قال رئيس الموساد السابق أفرايم هاليفي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية
مؤخراً:"إن ما أفهمه هو محاولة تهدئة الصراع الإيراني الإسرائيلي وعدم تصعيده". ثم انتقل
إلى القول: "من الممكن أنه لن يتبقى لدينا خيار في النهاية، وسنجبر على شن الهجوم... لكن
علينا قبل الشروع في مثل هذا العمل المتطرف والخطير أن لا ندفع بهم )الإيرانيين( نحو الزاوية.
علينا أن نعطيهم طريقة خروج مشرفة. ومن الجدير التذكر دائماً بأن أكبر انتصار في الحرب هو
ذلك الذي يمكن تحقيقه من دون إطلاق طلقة واحدة".
وفي الأثناء، يبدو أن بعض كبار القادة السياسيين الإسرائيليين فقط هم الذين يدعون إلى
توجيه الضربة. وكتب المعلقان الإسرائيليان ناحوم بارنيع وسيمون شيفر في اليومية الإسرائيلية
الأكثر توزيعاً "يديعوت أحرونوت". قائلين:"عندما يتصل الأمر بالاعتماد على بنيامين نتنياهو
وإيهود باراك، فإن الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد المرافق النووية في إيران ستتم في أشهر
الخريف المقبل، وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني".
ويشرحان لاحقاً: "ليس هناك مسؤول رفيع بمفرده في المؤسسة -ولا حتى من بين كبار
ضباط )قوات الدفاع الإسرائيلي( ولا في الفروع الأمنية، أو حتى الرئيس- يدعم توجيه ضربة
إسرائيلية في هذه الأوقات".
وعليه، فإذا كانت الضربة الإسرائيلية لإيران فكرة سيئة على هذا النحو من الشفافية، فلماذا
يعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى التهديد بتوجيه ضربة؟ في هذا الصدد، يتنبأ العديدون
-بمن فيهم ساسة إسرائيليون- بأن هذه الوضعية لا تعدو كونها ببساطة مؤامرة لمحاولة
التأثير على محصلة الانتخابات الأميركية، من خلال تصوير أوباما على أنه رئيس ضعيف في
الأمور الدفاعية.
وقد قالها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق وزعيم المعارضة راهناً، شاؤول موفاز، بصفاقة
لنتنياهو مؤخراً: "السيد رئيس الوزراء، أنت تريد تدخلاً خاماً وفظاً وغير مسبوق ومتهورا ومنطويا
على مخاطرة في الانتخابات الأميركية. فقل لنا من تخدم، ولأي غاية؟ ولماذا تدس يدك عميقاً
في صناديق الاقتراع الخاصة بالناخب الأميركي؟".
عموماً، وبعيداً تماماً عن حقيقة أن الهجوم الإسرائيلي على إيران سيكون في ذات الوقت
ضد القانون الدولي، فإنه سيقنع إيران على الأرجح بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية،
ويقدح زناد الانطلاق نحو برنامج تسلح نووي كامل.
وكما يشرح التحليل الجديد للسيدة براوت-هيغهامر عن تداعيات الضربة الإسرائيلية في
العام 1981 على العراق، فإن "هذه الهجمات قد لا تسارع وحسب في جهود الدولة المستهدفة
لإنتاج الأسلحة النووية، وإنما ستسهم أيضاً في خلق شعور زائف بالأمن في العالم الخارجي".
* فيزيائي نووي، وأستاذ وعالم مقيم في معهد مونتيري للدراسات الدولية.