نصيحة عربية لا تستحق الاحترام
عبد الباري عطوان
4/14/2010
ليت الجامعة العربية، وامينها العام، ومجلسها يكفون جميعا، ولمدة زمنية مفتوحة عن مناقشة القضايا العربية الملحة، والفلسطينية منها على وجه الخصوص، احتراما للعقل العربي، او ما تبقى منه، بعدما باتت البيانات والتصريحات الصادرة عن هذه المؤسسة تثير الغثيان.
بالامس، وبعد اجتماع طارئ للمجلس المذكور على مستوى المندوبين، لمناقشة القرار الاسرائيلي بترحيل سبعين الف فلسطيني 'تسللوا' الى الضفة الغربية من قطاع غزة والاردن، خرجوا علينا ببيان قرأه الامين العام، يطالب هؤلاء الفلسطينيين المهددين بالطرد 'بعدم الانصياع' الى الأوامر الاسرائيلية هذه، معتبرا ان هذا القرار عنصري ويخالف المسؤوليات، الواقعة بموجب القانون الدولي على عاتق الدولة القائمة على الاحتلال.
اولا: قضية على هذا المستوى من الخطورة، لا يجب ان تناقش من قبل المندوبين، لان هذا يشكل استخفافا بأبعادها السياسية والقانونية والانسانية، وكان الاجدى ان تكون المشاركة في هذا الاجتماع الطارئ على مستوى وزراء الخارجية، في الحد الادنى، ولكن وزراء الخارجية العرب منشغلون بأمور اكثر اهمية، وهي كيفية فرض حصار على ايران، والحد من طموحاتها النووية.
ثانيا: كيف يطالب مجلس الجامعة الفلسطينيين المحاصرين، العزل، بالتصدي لأوامر الترحيل والطرد الاسرائيلية وعدم الانصياع لها، فهل هؤلاء يملكون الاسلحة والطائرات والمدافع والصواريخ التي تتدفق عليهم من اشقائهم العرب عبر الحدود والجسور الجوية؟
ثالثا: اذا كان المجلس المذكور يصف القرار بأنه 'عنصري' ويستهدف تطبيق سياسة التهجير القسري للفلسطينيين، ويخرق الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير واسرائيل، بما فيها اتفاقات اوسلو، فلماذا لا يرد على كل هذه الانتهاكات والتجاوزات بسحب المبادرة العربية للسلام، بعد ان اصبح استمرار وجودها على الطاولة يشجع الاسرائيليين على التمادي في مصادرة الاراضي، وبناء المستوطنات وتهويد المقدسات، واخيرا طرد الفلسطينيين من اراضيهم، اي على عكس كل المبررات التي يطرحها بعض 'العقلاء' و'المعتدلين' لابقاء المبادرة واستمرار التمسك بها.
' ' '
نعترف اننا مللنا من الحديث عن حالة الهوان التي يعيشها حاليا النظام الرسمي العربي، وقد رأيناها في ابشع صورها اثناء قمة سرت الاخيرة، والقرارات الهزيلة التي تمخضت عنها، وسياسات النقد الذاتي التي صدرت عن بعض الزعماء، ووصلنا الى قناعة بأنه لا فائدة من مخاطبة هؤلاء ومطالبتهم بفعل هذا او ذاك، ولذلك نكتفي بالتوسل اليهم بان يوقفوا هذه الاجتماعات، الطارئة والعادية، تأكيدا لعدم قدرتهم او رغبتهم، او الاثنين معا، في فعل اي شيء يخدم هذه الامة وقضاياها.
الفلسطينيون المرابطون في الاراضي المحتلة، يتصدون وحدهم لعمليات التهويد ومصادرة الاراضي وهدم البيوت، ولا يحتاجون الى 'نصيحة' السيد عمرو موسى ومجلس جامعته، 'بعدم الانصياع' لقرارات الطرد والابعاد الاسرائيلية، ولا ينتظرون، بل ولا يتوقعون منهم اي شيء على الاطلاق.
فإذا كان هؤلاء لم يتحركوا لكسر الحصار عن مليون ونصف مليون انسان، محاصرين، مجوعين، في قطاع غزة، وصمتوا صمت القبور على بناء كنيس يهودي بالقرب من باحة المسجد الاقصى، والحفريات التي توشك ان تدمر الاخير، فهل نتوقع منهم ان يتصدوا لعمليات الطرد والابعاد القادمة؟
ممارسة الاسرائيليين لسياسات التطهير العرقي للفلسطينيين ليست جديدة، ولم تتوقف مطلقاً منذ احتلال فلسطين قبل ستين عاماً، الجديد هو ان هذه السياسات تستعد لدخول المرحلة الثانية والاخطر منها، اي إبعاد اهالي المناطق المحتلة عام 1948 في الجليل والمثلث وغيرهما، باعتبارهم اغرابا لا مكان لهم في الدولة اليهودية.
فإذا كان ممنوعاً على ابناء قطاع غزة البقاء في رام الله او نابلس او الخليل باعتبارهم اغرابا فلماذا لا يكون الوضع نفسه بالنسبة الى مليون ونصف المليون عربي يقيمون في الناصرة والطيبة وحيفا وعكا ويافا الذين يتواجدون على ارض يهودية محصورة الاقامة عليها لليهود فقط، حسب السياسات والمخططات العنصرية الاسرائيلية الظاهرة والمخفية.
اسرائيل بقرارها هذا تطلق 'بالون اختبار' لقياس رد الفعل العربي تجاه عمليات طرد وترحيل اكبر تخطط لها حكومة اليمين الحالية في المستقبل القريب، مستغلة اشتعال حرب اقليمية جديدة في المنطقة.
' ' '
من المحزن ان الاختبار الاسرائيلي هذا اعطى مفعوله وسريعاً، بل اسرع مما توقعه حكام تل ابيب، ولا بد ان بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل يفرك يديه فرحاً، بينما يقع حليفه افيغدور ليبرمان وزير خارجيته على الارض من شدة الضحك، وهو يستمع الى بيان الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية، وما ورد فيه من عبارات فاقدة لاي حرارة او الحد الادنى من الغضب.
تصورنا، وتوقعنا إقدام الحكومة الاسرائيلية على كل شيء لاذلال الشعب الفلسطيني في ظل الوضع العربي المتردي الراهن، ولكن لم يخطر في بالنا مطلقاً، وبعد كل التنازلات العربية، ومبادرة السلام، والخدمات الجليلة التي قدمتها الانظمة العربية لامريكا في الحرب على الارهاب، واحتلال العراق واطاحة النظام فيه ، ان يصبح ابن غزة 'اجنبياً' في الضفة او العكس. هذا يعني عملياً، ان الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة لن تقوم مطلقاً.
اسرائيل بعد احتلالها الضفة والقطاع في حزيران (يونيو) عام 1967، شجعت الكثير من الأسر في قطاع غــــزة على الانتــــقال الى الضفة والاستقرار فيها، لتخفيف الكثافة السكانية المكتـــظة في القطاع، وتحسين احوال هؤلاء، حيث فرص العمل والمعيشة افضل هناك، الآن تريد حل مشكلة الكثافة السكانية، وخوض الحرب الديموغرافية بالاحرى، بسلاح التفريغ، تماماً مثلما فعلت بعد احتلالها لفلسطين بعد عام 1948 بطرد سكان اربعمائة قرية على الاقل ومحوها من الخريطة كلياً.
عندما التقيت العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في اوائل عام 2002 (لم ازر الاردن منذ ذلك الوقت) وبعد عودته من واشنطن، اي قبل ثلاثة اشهر من احتلال العراق، قال انه ابدى للرئيس الامريكي بوش الثاني مخاوفه من اقدام شارون على ترحيل ابناء الضفة الى الاردن، مستغلاً الحرب المؤكدة على العراق، وطلب منه 'ضمانات' بعدم حدوث ذلك، وأكد الملك انه حصل عليها، وقال بالحرف الواحد 'لو اقدمت اسرائيل على ترحيل اهل الضفة الى الاردن سأعلن الحرب.. فهذه خطوة لا يمكن التهاون تجاهها'.
لا نعرف ما هو رد الحكومة الاردنية على القرار الاسرائيلي المذكور، لان معظم المطرودين سيجدون انفسهم في الاراضي الاردنية، مثلما حصل لاشقائهم الذين ابعدوا في حربي 48 و67، ولكن ما جاء في بيان وزارة الخارجية الاردنية حول طلبها توضيحات حول هذه المسألة من نظيرتها الاسرائيلية لا يوحي بالاطمئنان على الاطلاق.