يوميات مُهاجر في بلاد الجن والملائكة الحلقة الأولى (( آحــــلام الصبا )) / محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
---------------------------------------------------------------------------
الأخوة والآخوات
يسعدني أن أسطر لكم تلك الذكريات من الآسكندرية إلى باريس في حلقات مشوقة بكل ما فيها من أفراح وأتراح
وإخفاق ونجاح وكلمات قدركما الله قدّر
يوميات مُهاجر في بلاد الجن والملائكة
أتمنى أن تحوز رضاكم وتقدم للآجيال خبرة وعظة وحكمة
الكلمات باقية وصاحبها راحل....!!!
وفي كل مرة أقدم حلقة
أرجو من الله أن يوفقني لهذا العمل بالإخلاص
إنه نُعم المولى ونُعم النصير
يوميات مُهاجر في بلاد الجن والملائكة
1 آحلام الصبا
كان نحيل الجسد قصير القامة أسمر البشرة من حدة الشمس, حاد الذكاء هادئ النفس يهوى صيد الأسماك بل كان يتبارى مع أترابه من الصبية في إبراز تلك الموهبة .
في كل صباح من أيام العطلة الصيفية مع خيوط النور الأولى كان يقصد تلك الصخرة العالية.
التي كانت تنتحر لديها الآمواج العاتية في ضاحية أبي قير بالإسكندرية بالقرب من منزله بأمتار قليلة .
تلك الصخرة التي نقش عليها أحلامه , حتى اكتظت ثقوبها بتلك الآحلام ,فكم حاول مرات عديدة ,
أن يقف على أطراف أصابع قدميه , محاولا إطالة قامته القصيرة , لعّله يرى ما وراء تلك الأمواج ,
أو يرى آشباح الناحية الأخرى من الشاطئ , بعيدا عند خط الأفق , وقد أوشكت شمس الدنيا على
الرحيل , وهى تجر ذيلها من الشفق الأحمر , وكأنها عروس في ليلة الزفاف , ورويدا رويدا بدا
يختفي ذاك القرص الأحمر على حياء في كف الزمن ليعلن قدوم دولة الليل .
علّمته هوايته الصبر وتحدي الأمواج والتأمل , والإعتماد على النفس منذ نعومة أظافره , وفي
طريق العودة إلي منزله , كان يحث الخُطى حتى يلتقي بآصحابه من الشباب , الذين كانوا يقضون
شطراً من الليل في الحديث عن السفر ولو بالخيال , وكان لفرنسا نصيب الأسد في تلك الحلقات .
من ليالي السمر في السبعينات من القرن المنصرم , حيث كانت قوافل الطلبة تقصد فرنسا , في مواسم
جمع العنب في الجنوب الفرنسي , والعودة بداية العام الدراسي محملين بالهدايا والملابس ,
ومصاريف الدراسة للعام كله , ومعهم قصص لا تُعد ولا تُحصى تؤكد على محاولة تحقيق الذات .
ولو في الخيال أذكرُ إحداها وقد سمعتُها ألاف المرات مع اختلاف بطلها أو الراوي .
أن أحد الشباب المصريين سافر إلى فرنسا , والتقى بشقراء فرنسيه جميلة ونشأت بينهما قصة
حب , وتزوجها وتبين بعد ذلك أنها بنت الخواجة (( بيجو )) صاحب أكبر مصنع للسيارات في فرنسا .
لقد تزوجت المسكينة في الخيال ألاف المرات وبيني وبينكم الخواجة (( بيجو ))لم يرزقه الله بالبنات......!!!!
آحلام مبعثرة هنا وهناك تصلح للعديد من أفلام السينما .
أما صاحبنا صياد السمك بصنارتة البسيطة , كان يستمد حلمه من خيوط أخرى نُسجت في أقصي
صعيد مصر , في عزبة كيلو في الرابع عشر من نوفمبر 1889 , وعلى بعد أمتار من مغاغة
بمحافظة المنيا , ويلتقي بصاحب هذا الحلم الذي تحدى الصعاب , المتمرد العنيد الذي نقش اسمه
في صدر التاريخ , رغم كل الصعاب التي تجاوزها ليبصر ما لا يبصره الآخرون كان حُلمه
ذاك الصبي الذي عاش مع الأيام مرات عديدة , لقد حاول أن يتلمس معالم الطريق من عميد
الأدب العربي الدكتور (( طه حسين )) الذي تربع علي عرش كيانه ووجدانه , ولا غرو في ذلك وقد صوّر
الحياة مجسّدة ملونة بكل إ نفعالات الفكر المعاصر , والحياة والمجتمع , بل يدخل في عالم السياسة وقيادة الأمة
وإتخاذ القرار , ذاك الفذ العبقري الذي شحذ في نفس صاحبنا كل الطاقات والهمم , ليوضح له
علامات الطريق , ولم يكن يعلم أن الأيام سوف تجمعه بنجله الدكتور (( مؤنس طه حسين )) في حفل
اليونسكو بباريس للإحتفال ((بمئوية طه حسين )) من الميلاد , في الوقت الذي غافلته المحافل الأدبية في مصر
بدا صاحب الصنارة ينسج حُلمه من الكُتّاب , وسيدنا , والعريف , ونعال التلاميذ البالية , والشاعر
والربابة , وقاضي المحكمة , وحفظ القرآن , والأُلفية , وإلتحاقه بالأزهر , وحصوله علي درجة
الدكتوراة الأولي في الجامعة المصرية في 14 مايو 1919, وحصوله في نفس العام علي دبلوم
الدراسات العليا في اللغة اللاتينية .
تابع صاحبنا قصة الحب العذري بين طه وسوزان , حينما سمعها وهي تقرا مقطعا من شعر
(( راسين )) فأحب طه نغمات صوتها وعشق طريقة إلقائها , وقد تذكر قول بشار بن برد :
(( والأذن تعشق قبل العين أحيانا ))
تأثر صاحبنا بهذا الحب العفيف , وحاول أن يرى فتاة أحلامه مثل سوزان بجمالها وثقافتها ,
وذكاءها الحاد , وإحساسها المرهف , حاول مرات ومرات أن يراها في صفحة الماء وهو يلقي
بصنارته , وقد تحول الماء إلي شاشة سينما فقرر أن يحقق حلمه بين ضفتي المتوسط .
عليه أن يتعلم الفرنسية , ويدرس تاريخ فرنسا وجغرافيتها , أمامه الكثير والكثير ولكنه لم يملكْ
سوى أوراقه وأقلامه وأحلامه , ليخوض تجربة في بلاد الجن الملائكة وعاصمة النور باريس
كيف حقق ذلك ....؟
من هنا كانت البداية
من الإسكندرية
على هذا الرابط
هذا ما سنراه.في العدد القادم......!!!!
تحياتي وفائق احترامي
محمد حسن كامل
[/COLOR]
محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
محرر ومدقق في الموسوعة العالمية (( ويكيبيديا ))
سفير سلام في فيدرالية السلام العالمي التابعة للأمم المتحدة
للمزيد عني اكتب على جوجل اسمي ترى حرفي ووسمي ورسمي