الضيافة عند بني معروف
----------------------
الضيافة تقليد عربي يقوم به الدروز أينما وجدوا, غير أن ما اقتبسه اللبنانيون من المدينة الغربية جعل أسلوب الضيافة يختلف بين الجبلين والجميع متفقون على إكرام الضيف, حتى في المهاجر التي قصدها شباب بنو معروف في مختلف أنحاء الكرة الأرضية يتبارون في إقامة حفلات التكريم للضيوف غير ان مظاهر الضيافة في جبل (الدروز) العرب والإقليم ووادي التيم وقرى الغوطة هي أقرب إلى الأصل العربي , ففي معظم المنازل تخصص أجمل غرفة وأكبرها لتكون (مضافة ) لاستقبال الضيوف , وعلى صاحبها تجهيز القهوة العربية يومياً لتقديمها لكل زائر من داخل القرية أو خارجها وتعتبر المضافات نواد يتداول فيها المجتمعون الحوادث السياسية والاجتماعية وأخبار المعارك والحروب, ويقدم للضيف الطعام والنقولات ويكون محاطاً بالحفاوة والتكريم من المضيف وأصدقائه ليشعرونه بأنه بين أهله:
لا يرفع الضيف عيناً في منازلنـــــــــــــا إلا علـــــــــــــى ضاحــــــك ومبتسم
يقول الإنكليزي (نمري) :" ان حسن الضيافة عندهم للغرباء وضيافة بعضهم لبعض هي مضرب الأمثال في أرجاء الشرق , ومن يتاح له زيارتهم ولو لمرة واحدة لا يستطيع نكران انسهم وشهامتهم ولطفهم ".
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل
قال الشاعر الفرنسي (لامارتين): ان كرم الضيافة عندهم أمر مقدس , فلا وعد ولا وعيد يحمل الدرزي على تسليم ضيف لاذ به ولو طلبه أميره , وحدث في زمن معركة نافازين أن الأوروبيين الذين كانوا مقيمين في مدن سورية وخافوا انتقام الترك لجأوا إلى الدروز ومكثوا عندهم عدة أشهر آمنين مطمئنين كل الطمأنينة , وشعارهم الأدبي كل الناس أخوة فحماية النزيل وإكرام عابر السبيل من الصفات التي أكسبتهم لقب بنو معروف .
إنما انتشار المضافات بشكل عام هو شل للأعمال المنتجة , ولهذا فإن الطبقات المثقفة لا تحبذ عادة ترك المرء لعمله ومكوثه في مضافته ,لأن ذلك يسبب الفاقة آفة الكرم, وقد يوصف عارف الكندي المضافات بقوله :الكرم عند معظم المثريين هو تبذيره بدون أصول , دون الاعتناء بإغاثة الملهوف إطعام الجائع وإيواء اليتيم وتعليم الجاهل وتعهد العاجز.
وعندما يستقبلون ضيفاً أو يتقابل صديقاً بعد فراق يكون السلام بالمصافحة ويزداد بالمعانقة والتقبيل أما رجل الدين فالسلام بينهم تقبيل الأيدي والمصافحة تقليد يمني وبني معروف ينحدرون من قبائل عربية نزحت من اليمن كما هو معروف , والتاريخ يذكر أن الرسول( محمد ص.ع ) قال للصحابة عند قدوم أهل اليمن إلى المدينة : قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة , وقال أيضاً :
ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا.
وقد أمر المسلم بالقيام بعيادة المريض وإتباع الجنائز والدعاء للعاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار القسم" وروى الترمذي أنه قال:
يا أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام " وجاء في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قال: ثلاث من جمعهم فقد جمع الإيمان : الانصاف من نفسك , وبذل السلام للعالم, والإنفاق من الأقتار,
" وجاء في شرح النووي لهذا الحديث الذي نسب إلى الرسول عليه السلام :قد جمع في هذه الكلمات الثلاثة خيرات الآخرة والدنيا , فإن الإنصاف يقتضيان يؤدي إلى الله تعالى جميع حقوقه وما أمر به , ويجتنب جميع ما نهاه عنه , وأن يؤدي إلى الناس حقوقهم , ولا يطالب ما ليس له , وان ينصف أيضاً نفسه , فلا يوقعها في قبيح أصلاً " فالجود والسخاء من أعظم الأخلاق التي تتجلى فيها الإنسانية بكمالها وأعلى درجاتها فقد قال الله تعالى :
( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
والجود هو تعال على دواعي الأنانية والانغلاق, وامتداد إنساني نحو الآخرين بالعطاء والبذل والكلمة الطيبة وإزالة أسباب الفقر والقلق, وكان أثرياء العرب يتبارون بالكرم, وان لقب بني هاشم أحد فروع قريش لأن هذا الجد كان يهشم الثريد لقومه أي يكسر الخبز ويفته بمرق اللحم حتى يصبح ثريداً يأكله الناس , وكان مشايخ العرب يوقدون النار ليلاً أمام خيامهم ليجذبوا إليها المسافرين والجائعين لتقديم الطعام والمأوى مجاناً وكانت مدة الضيافة ثلاثة أيام.
ولقد كان الكرم وجزالة العطاء من أوصاف الأنبياء والصالحين من المؤمنين وهو لديهم له صفات خاصة , أهمها : أنه لوجه الله تعالى ولا يبغي سمعة أو رياء أو اكتساب الأنصار أو استخدام الناس بل هو عطاء في سبيل الله تعالى : يفيض بالخير على جميع الناس ,كالشمس التي تنشر نورها ودفئها على جميع المخلوقات ,(( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً))
إذا المرء وافى منزلاً منك قاصداً قراك وارمته لديك المســـــــالك
فكن باسماً في وجهه متــــــــهللا وقل مرحباً أهلاً ويوم مــــبارك
وقدم له ما تستطيع من القرى عجولاً ولا تبخل بما هو هالــك
فقد قيل بيت ســــــــــالف متقدم تداوله زيد وعمـــــرو ومالـــك
بشاشة وجه المرء خير من القرى فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك