دولة غير عضو ... ولكن بأسنان قانونية
---------------------------
مهما يختلف المحللون في تقييم مدى الإنجاز الذي تحقق من خلال اعتراف
الجمعية العمومية للأمم المتحدة بفلسطين بصفة دولة مراقبة ليست عضوا،
فإن لهذا الاعتراف مزايا ومكاسب على مختلف الصعد. وهنا نشير إلى صعيد
واحد فقط دون أن نتطرق إليه بالتفصيل، وهو الصعيد القانوني الذي أعطى
لفلسطين قدرات وإمكانات قالت القيادة الفلسطينية إنها ستستخدمها بحكمة،
وبعد التشاور مع الأصدقاء والأشقاء.
وفي ظل التصعيد الاستيطاني الاسرائيلي الذي بلغ الذروة خلال اليومين
الماضيين بإعلانات من الحكومة الاسرائيلية حول المضي قدما في تنفيذ
مخططات قديمة نسبيا وأخرى جديدة، فإنه لا بد من التفكير في الاستفادة من
هذه القدرات وتلك الإمكانات. فهذه الحكومة يبدو أنها سائرة في غيها، وأنها لا
تقيم أي وزن للاعتراضات الدولية، وتحديدا الأوروبية والاسترالية، على توسعها
الاستيطاني- إلى الحد الذي وصف فيه أحد مسؤوليها الاحتجاجات الأوروبية
الدبلوماسية، والمتمثلة في استدعاء سفراء اسرائيل في تلك الدول، أو حتى
العكس، بأنها "ليست كارثية". ومن هنا، فلا بد من تحفيز المجتمع الدولي على
اتخاذ مواقف أكثر تأثيرا وأقوى ضغوطا، بحيث يمكن لاسرائيل أن تحسب لها
حسابا، وتضعها في اعتبارها وضمن نطاق مخاوفها وقلقها.
والمفروض أن الوضع قد تغير بعد حصول فلسطين على صفة الدولة، لأن
هذه الصفة تخولها الانضمام لمحكمة العدل الدولية ولمحكمة الجنايات الدولية،
بالإضافة لعدد من المنظمات المتخصصة التابعة للأم المتحدة. وكان هذا
الانضمام المحتمل من أسباب معارضة اسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما
للاعتراف بفلسطين كدولة، ثم الضغوط التي مورست على السلطة الفلسطينية
بهدف إرغامها على عدم الانضمام لهاتين المحكمتين الدوليتين.
وقد حان الوقت للاستفادة من مزايا الحصول على وضع الدولة خصوصا مع
تعنت الحكومة الاسرائيلية وإصرارها على تهويد الوطن الفلسطيني بزرع
المستوطنات في أرجائه، بهدف جعل تحقيق مشروع حل الدولتين مستحيلا
من الناحية الجغرافية. وليس فتح ملف منطقة "إي ١" الحاجزة بين شمال الضفة
وجنوبها إلا دليلا على هذا التوجه المناقض جذريا لكل جهود السلام، والذي
سينسف أي توجه لاستئناف مفاوضات السلام.
إن الانضمام لمحكمة العدل الدولية سيتيح المجال أمام رفع قضية الاستيطان،
الذي يخالف القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وخصوصا ميثاق جنيف
الرابع إلى تلك المحكمة. وصدور قرار من المحكمة بعدم شرعية الاستيطان، مع
أنه ليس ملزما من الناحية الإجرائية، سيضع الدول المؤيدة لاسرائيل في موقف
حرج، وسيزيد من عزلة اسرائيل على الصعيد الدولي كذلك.
أما عضوية محكمة الجنايات الدولية فستكون الأداة القوية لحصار المسؤولين
الاسرائيليين الذين يواصلون سياسة الاستيطان، وهي بحد ذاتها جريمة ضد
الإنسانية، مع إمكانية ملاحقتهم قانونيا إذا تمت إدانتهم. وبالتالي، فلن
يتمكنوا من مغادرة اسرائيل إلى أي بلد موقع على بروتوكول روما الذي على
أساسه تشكلت هذه المحكمة. وهناك العشرات من الدول التي تنطبق عليها
هذه الصفة.
دولة غير عضو، هذا صحيح. ولكن بإمكان هذه الدولة أن تتسبب في ضغوط
قانونية، وربما الدفع في اتجاه ضغوط اقتصادية من جانب الدول الأوروبية وغيرها
من دول العالم المناصرة للحق والعدالة والحرية. ففلسطين الدولة، وإن كانت
ليست عضوا حتى الآن في المنظمة الدولية، إلا أن في يدها إمكانات من المفروض
أن تستفيد منها، وهي لا بد أن تفعل ذلك في مستقبل قريب غير بعيد.