الموقف الأميركي من الإرهاب ومنطق الاستعمار
من المقدمة السابقة أريد أن أصل إلى الموقف الأميركي الخسيس من قضية الإرهاب في سورية. في الأيام الماضية نحن شهدنا تناقضا ظاهريا في المواقف الأميركية. من جهة أميركا كانت تصعد عسكريا وكانت تزمجر وترسل قوات إلى تركيا، ومن جهة ثانية كانت تتحدث عن “تفكيرها” في وضع المتمردين السوريين على لائحة الإرهاب، وأيضا كلينتون تحدثت عن ضرورة إشراك الأقليات السورية في الحكم. الملفت هو أنها لم تتحدث عن تنحية الأسد. لا أحد من المسؤولين الأميركيين تحدث في الأيام الماضية عن تنحية الأسد حسب علمي.
لا أعلم ما الذي تريده أميركا بالضبط من سورية، ولكن من الواضح أنها تستغل الإرهاب كورقة تفاوضية. أميركا في الأيام الماضية كانت تتبع سياسة العصا والجزرة. العصا هي التهديد بالتدخل العسكري في سورية تحت ذريعة الأسلحة الكيماوية، والجزرة هي الوعد بمكافحة الإرهاب في سورية ومنع سيطرة الإسلاميين على الحكم.
أميركا لم تقل أنها ستضع المتمردين على لائحة الإرهاب ولكنها قالت أنها “تفكر” بذلك. ما الذي يعنيه هذا الكلام؟ هو في رأيي رسالة موجهة لمحور المقاومة وحلفائه. أميركا تقول لروسيا وإيران والصين أننا مستعدون لمكافحة الإرهاب في سورية ولكن لدينا شرط يجب أن تنفذوه، وفي حال لم تنفذوا شرطنا فالبديل هو التدخل العسكري في سورية تحت ذريعة الأسلحة الكيماوية. أيضا كلينتون بحديثها عن إشراك جميع الأقليات في الحكم في سورية كانت توجه رسالة مفادها أننا مستعدون لمنع سيطرة الإسلاميين على سورية إذا نفذتم شرطنا، وإلا فالتدخل العسكري. هذه هي سياسة العصا والجزرة.
ما هو المطلب الذي تريده أميركا والذي تقول أنها مستعدة لكي تقايض به دعمها للإرهاب؟ ربما يكون المطلب هو تنحي بشار الأسد، رغم أن الأميركان لم يقولوا ذلك صراحة. هم تحدثوا فقط عن الأسلحة الكيماوية ولكنهم لم يتحدثوا عن بشار الأسد.
هناك احتمالان، إما أن أميركا تريد تنحي بشار الأسد أو أنها تريد تجريد سورية من السلاح الكيماوي. أنا أظن أن مطلب أميركا الحقيقي هو المطلب الثاني، بدليل أننا في الأيام الماضية سمعنا الكثير من التهويل حول السلاح الكيماوي السوري وخطورته ولكننا لم نسمع شيئا حول تنحية بشار الأسد. أيضا أنا أريد أن أذكر القراء بالمقال الذي نشره موقع دبكا قبل أشهر والذي تحدث عن صفقة عرضها أوباما على الروس لإنهاء الأزمة السورية. أوباما وقتها لم يطلب من الروس تنحية بشار الأسد ولكنه طلب منهم إرسال قوات روسية “لحماية السلاح الكيماوي السوري ومنع وقوعه في يد الإرهابيين”. هذا العرض كان لافتا وأنا تحدثت عنه في المدونة في ذلك الوقت. الروس رفضوا هذا العرض الأميركي الذي كان طبعا مجرد مدخل لتجريد سورية من السلاح الكيماوي.
أميركا في ذلك الوقت لم تكن تريد تنحية بشار الأسد ولكنها كانت تريد فقط تجريد سورية من السلاح الكيماوي، ولا يوجد سبب يدفعني للاعتقاد بأن الموقف الأميركي تغير الآن. أنا لم أسمع أي كلام أميركي في الأيام الماضية حول تنحي بشار الأسد، ولكنني سمعت جلبة هائلة حول السلاح الكيماوي السوري وخطورته. أنا أظن أن هدف أميركا الآن هو تنفيذ الصفقة التي عرضها أوباما على الروس قبل الانتخابات. أميركا مستعدة لإبقاء الأسد في السلطة وإجراء انتخابات في سورية مقابل تجريد سورية من السلاح الكيماوي. هذا هو هدف أميركا الحقيقي، وأما الكلام الإعلامي عن تنحية بشار الأسد فهو مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي.
أميركا تريد الصفقة التالية:
•تجريد سورية من السلاح الكيماوي (وربما أيضا الصواريخ وكل أنواع الأسلحة التي تهدد إسرائيل).
•بقاء بشار الأسد في السلطة حتى الانتخابات التي سيشارك فيها بشار الأسد إلى جانب غيره من المرشحين.
•تشكيل حكومة ائتلافية من السلطة والمعارضة للإشراف على الانتخابات.
•هذه الحكومة ستكافح المتمردين الذين ستقوم أميركا بوضعهم على لائحة المنظمات الإرهابية.
هذه هي الصفقة الحقيقية التي تريدها أميركا، وأهم بند فيها هو البند الأول. أميركا لم تصرح بهذا البند ولكن موقع دبكا صرح به قبل أشهر، والجلبة التي ثارت مؤخرا حول السلاح الكيماوي السوري تؤكد حقيقة المرامي الأميركية.
من يريد أن يفهم لماذا تهتم أميركا بتجريد سورية من السلاح الكيماوي وليس خلع بشار الأسد فليراجع تدويناتي القديمة التي فسرت فيها الموقف الأميركي.
لا أستبعد أن تعود أميركا في الأيام المقبلة للمطالبة بتنحية الأسد، وأيضا هي قد تعود للحديث عن تسليح الإرهابيين بدل وضعهم على لائحة الإرهاب. إن حدثت هذه الأمور فهي ستدل على أن محور المقاومة وحلفاؤه رفضوا الصفقة الأميركية.
الإرهاب بالنسبة لأميركا هو مجرد ورقة للمتاجرة. هي تخيرنا الآن بين مكافحة الإرهابيين أو تسليحهم. هي مستعدة لفعل الأمرين، وذلك حسب رد فعل سورية وحلفائها. هذه هي حقيقة القيم والمثل لدى دول الاستعمار الغربي.
انظروا ماذا كتب تاجر الإرهاب جوشوا لانديز عن قضية وضع الإرهابيين في سورية على لائحة الإرهاب:
The announcement by US officials that they are moving to proscribe Jabhat al-Nusra as a terrorist organization at this time is a bit confusing. It sends controdictory messages. Whose side is Washington on? Does it want to bring down Assad and support the rebels? Or does it want to start a civil war among the rebels? The latter would would be a boon to the Assad regime.
It sends a message to Qatar and Saudis: “don’t send money to Salafi groups or we will nail you for aiding terrorists and freeze any assets you have in the West.” It would also allow Congress to begin setting policy buy setting sanctions against any militia or regional authority that associates with Jabhat al-Nusra. The Treasury Department’s expanding anti-terrorism branch will also begin to set policy, as it must enforce this sanction.
جوشوا لانديز محتد لأن أميركا تفكر في وضع الإرهابيين في سورية على لائحة المنظات الإرهابية. هذا الموقف من جوشوا لانديز يسقط ورقة التوت الأخيرة عن هذا الدجال. هل ما زال هناك من يصدق فعلا أن جوشوا لانديز مهتم بالديمقراطية في سورية؟
أنا شرحت موقف جوشوا لانديز سابقا. آخر همه هو الديمقراطية في سورية أو مصلحة الشعب السوري. هذا الرجل يفكر وفق غريزة استعمارية بدائية. هو يظن أن سبب المشكلة في سورية هو أن أميركا أمرت بشار الأسد بالتنحي وبشار رفض تنفيذ الأمر، وهذه بالنسبة لجوشوا لانديز جريمة. هو يعتقد أن موقف بشار الأسد مسيء لهيبة أميركا ونفوذها الاستعماري، وكل همه هو أن يتنحى بشار الأسد حتى لا تفقد أميركا سطوتها الاستعمارية وتحكمها في شعوب العالم الأخرى. هذا هو كل ما يشغل تفكير جوشوا لانديز. لا يوجد شيء آخر يهمه على الإطلاق. لهذا السبب مثلا هو غضب عندما سمع أن أميركا تفكر في وضع الإرهابيين في سورية على لائحة المنظمات الإرهابية.
طبعا أنا عندما أتحدث عن جوشوا لانديز أتحدث عنه كشخص فقط ولا أقصد به الأميركان عموما. أنا ليس من طبيعتي أبدا التعميم، والتعميم هو قمة الجهل. أنا في المدونة عندما أتحدث عن أميركا أقصد بذلك تحديدا السياسة الأميركية الخارجية الاستعمارية، أما الشعب الأميركي فليست لي مشكلة معه طبعا. الشعب الأميركي هو شعب كبقية الشعوب فيه السيئون وفيه الجيدون، والشعب الأميركي هو عموما من أفضل شعوب العالم ثقافة وأخلاقا. أنا لم أذكر هذا التوضيح من قبل لأنني أفترض أنه مفهوم للجميع. أنا ضد العنصرية والتمييز ضد أي كان بما في ذلك الأميركان.