أوروبا والدور المطلوب
لمواجهة التوسع الاستيطاني
تتحرك بعض الحكومات الأوروبية هذه الأيام، خصوصا بعد أن أوغلت
الحكومة الاسرائيلية في عمليات التوسع الاستيطاني، لمواجهة هذه
الظاهرة التي تهدد بنسف عملية السلام كليا، والقضاء على أي فرصة لحل
الدولتين الذي تبنته الأسرة الدولية، وصادق عليه مجلس الأمن الدولي
قبل أعوام قليلة.
وحتى الآن كان الموقف الأوروبي من الاستيطان غير فعال ولا مؤثر في
الحد من الامتداد الاستيطاني في الضفة الغربية عامة، والقدس الشرقية على
وجه الخصوص. وأقل ما يمكن قوله في ما يتعلق بهذا الموقف هو أنه لم
يرق إلى المستوى المطلوب، واقتصر في معظمه على التقارير التي يقدمها
السفراء والمبعوثون الأوروبيون إلى حكوماتهم، أو إلى الدوائر المختصة في
الاتحاد الأوروبي، والاتصالات مع الحكومة الاسرائيلية التي لا يتم الكشف
علنا عن فحواها، لكن جدواها العملي لا يكاد يذكر، لأن فعالية أي جهد في
هذا المجال إنما تقاس بالنتائج على أرض الواقع. وليست هناك أي نتيجة
للجهود الأوروبية على شكل وقف أو تجميد للبناء الاستيطاني في الأراضي
الفلسطينية خلال العقود الماضية.
وتستطيع أوروبا، سواء من خلال الاتحاد الأوروبي أو عبر إجراءات تقوم
بها حكوماتها على انفراد، أن تقوم بخطوات فعالة وضاغطة على الحكومة
الاسرائيلية بما يؤدي فعليا لكبح التوسع الاستيطاني الذي تفاقم خطره
خلال الأيام القليلة الماضية. وهناك إجراءات اقتصادية وسياسية في متناول
الدول الأوروبية، ليس أقلها حظر استيراد السلع المصنوعة أو المنتجة في
مستوطنات الضفة الغربية، وسحب الأموال المستثمرة في شركات مالية
وإنشائية اسرائيلية ودولية تشارك في النشاطات الاستيطانية.
وهناك اتفاقيات للتعاون العلمي التكنولوجي بين عدد من الدول
الأوروبية واسرائيل يمكن استخدامها كورقة ضغط على اسرائيل، لردعها
عن مواصلة عمليات التوسع الاستيطاني. كما أن بإمكان هذه الدول ممارسة
نفوذها لدى الولايات المتحدة لسحب شبكة الأمان السياسية التي توفرها
واشنطن للحكومة الاسرائيلية، خصوصا ما يتعلق بالقرارات التي تدين
الاستيطان في مجلس الأمن الدولي، ورفع خطر الفيتو الذي يتم إشهاره
على مثل تلك القرارات.
ومع أهمية الدور الأوروبي المطلوب، بسبب ثقل القارة اقتصاديا
ودبلوماسيا وتاريخها العريق في مجال الدفاع عن حقوق الشعوب، فإن
الدور الأهم يبقى منوطا بالسلطة الفلسطينية المتضررة رسميا وشعبيا
على صعيد التراب الوطني بالسرطان الاستيطاني المنتشر في أرجاء
الوطن. ويفترض أن لا تكون هناك حاجة للتذكير بأن من مسؤولية السلطة
أن لا تدخر أي جهد في التوجه لمختلف الهيئات والمنظمات الدولية
لتفعيل جهود تلك الهيئات والمنظمات وتحفيزها للتحرك الفعال لوقف
الاستيطان. وإذا تعذر استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، فهناك
المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية وغيرها من الجهات
العالمية المؤثرة. المهم أن يستمر العمل دون كلل لإبقاء هذه القضية في
صدارة الاهتمام الدولي الفعال والقادر على تجميد الاستيطان كخطوة أولى
نحو تصفية هذه الظاهرة الاستعمارية واقتلاعها من جذورها.