أبعد الأربعاء إلى غزة
صبًاح: لن أغادر خيمة الاعتصام إلاَّ لطولكرم
بقيت ساعة واحدة فقط، ويتنسم الأسير أحمد صبًاح من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية عبير الحرية بعد قضائه حكما بالسجن لمدة تسعة أعوام في سجون الاحتلال.
وفي غمرة انغماس صبًاح في أحلام اليقظة، مهيئا نفسه لقضاء ليلة سعيدة في كنف زوجته ونجله الوحيد بعد حرمان طويل وبُعدٍ قاسٍ، جاءه السجان بخبر مروع " سيتم إبعادك إلى غزة !".
وفي غمضة عين، انهار الحلم الجميل وتبددت الفرحة التي سكنت قلبه واسودت الدنيا من حوله، وبدأ فصل جديد من المعاناة يلوح أمام ناظريه.
يقول الأسير المبعد قسراً إلى غزة: " كنت أحلم بعد تسع سنوات من الأسر بقضاء ليلة سعيدة في بيتي وبين أهلي، لكن للأسف الاحتلال كما تعودنا عليه ينغص فرحتنا ويحاول أن يجعلنا نعيش في حالة من عدم الاستقرار".
ويروي صباح لـ"صفا" أثناء تواجده بمقر الصليب الأحمر في مدينة غزة الخميس تفاصيل آخر ساعة قبل إبعاده إلى القطاع: " قبل ركوبي الحافلة التي تقل المفرج عنهم بدقائق أُبلغت بقرار الإبعاد الظالم ".
ويبين كيف ساومته إدارة السجون الإسرائيلية على قرار الإفراج عنه، مضيفا " أبلغوني أنني إن رفضت الإبعاد إلى غزة فسأجبر على التوقيع على ورقة تتضمن بقائي في السجن لمدة ستة أشهر أخرى، وورقة ثانية تحملني مسئولية أي شيء ممكن أن يحدث لاحقاً".
ويشير صباح إلى الضغط النفسي والتهديدات التي واجهها حين أبلغوه أيضا أنه سيتحمل مسئولية أي قرار تمديد لاعتقاله أو أي إجراءات عقابية تراها إدارة السجن.
إصرار على العودة
ووصل الأسير لحاجز بيت حانون شمال قطاع غزة مغرب الأربعاء وأقام خيمة اعتصام على الجانب الفلسطيني من الحاجز، بحيث ينوي المكوث فيها حتى يعود إلى بيته وعائلته في محافظة طولكرم.
الأسير المحرر يستقبل المهنئين بمقر الصليب الأحمر
ويبدى صباح إصراراً عنيداً على البقاء في خيمة الاعتصام حتى إلغاء قرار إبعاده، مشدداً " لن أغادر الخيمة إلا إلى طولكرم".
ويستدرك بالقول: " أنا في غزة بين أهلي وربعي وهي جزء غالٍ من وطننا فلسطين وعزيز على قلوبنا، ولكن هذا لا يمنع أن أكون متواجداً في مكان سكني الطبيعي مع زوجتي وابني".
واستقبلت مجموعة من النسوة من ذوي الأسرى الأسير المحرر في باحة مقر الصليب الأحمر بالزغاريد والأهازيج الفلسطينية، ورددن هتافات تحيي المبعد صباح وتمجد بصمود الأسرى.
ويعد صباح من العائدين إلى أرض الوطن عام 1994، ويشير إلى أن الاحتلال برَّر إبعاده لحصوله على أول رقم وطني في قطاع غزة لدى عودة قوات السلطة الفلسطينية.
ووفقًا للقرار الاسرائيلي فكل من هو متواجد في الضفة بشكل غير قانوني أو بدون تصريح ساري المفعول هو مرتكب لجنحة جنائية، وسيعرض نفسه للطرد أو للسجن التي سيصل فيها الأحكام وفقًا للقرار لمدة 7 سنوات وغرامة مالية تصل إلى 7500 شيقل.
ووفقًا للقرار، سيتم طرد وسجن عشرات الآلاف من الفلسطينيين بموجب هذا القرار الجائر الذي يعتبرهم متسللين إلى أرض "إسرائيل" وسيتم التعامل معهم وفق الأنظمة العسكرية فقط، وخاصة الفلسطينيين من مواليد غزة.
مصير شعب
ويقول صباح: " الموضوع لا يتعلق بمواطن بحد ذاته، وإنما بمصير شعب كامل، وهذه المعاناة التي أمر بها إذا تم الصمت عنها،فهناك عشرات الآلاف بالضفة الغربية معرضين لهذا الموقف".
يبدى صباح إصراراً عنيداً على البقاء في الخيمة
ويشدد على انه سيبقى صامداً ويواجه هذه الممارسات الإسرائيلية بعزيمة وإصرار، لافتاً إلى أن هناك جهود مكثفة من القيادة الفلسطينية والفصائل والجمعيات المعنية بشئون الأسرى باتجاه إنهاء هذه المعاناة.
ويخشى صباح أن يواجه مصير المبعدين من كنيسة المهد في غزة، لكنه يرى أنه طالما أن موقف الفلسطينيين موحد فإن عودتهم قريبة، منبهاً إلى ضرورة الاهتمام بهذه القضية من الناحية السياسية والاجتماعية ومتابعتها على أعلى المستويات.
ويلفت صباح أنه متواجد في مقر الصليب الأحمر لتوجيه رسالة عن طريقه إلى المجتمع الدولي ليمارس ضغوطاً على الكيان الإسرائيلي لوقف مخطط التهجير والإبعاد ومعاناة الأسرى في سجون الاحتلال.
ويضيف بحسرة " للأسف ردة فعل المجتمع الدولي والعربي ضعيف جداً، ونطالب أن يكون الفعل يوازي الحدث وعلى قدر كبير من المسئولية".
ويؤكد أن الأسرى في سجون الاحتلال يمرون بمعاناة صعبة للغاية، داعياً إلى وقفة حقيقية لإنهاء هذه المعاناة بالإفراج عنهم وعودتهم إلى أسرهم وأهلهم.