السياسيون الاسرائيليون
وجوه متعددة والعملة واحدة
في الوقت الذي تضيق فيه أسوار العزلة الدولية حول اسرائيل بسبب سياساتها
الاستيطانية، وتحدي حكومتها اليمينية للرأي العام الدولي من خلال تنكرها
للحقوق الوطنية الفلسطينية في الحرية والاستقلال، نجد فيه عددا من السياسيين
الاسرائيليين يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويتنافسون في م زاد التطرف
والاستهانة بالتطلعات الفلسطينية، وكأنه لا وجود لشعبنا على أرض وطنه، أو كأنه
يجب أن يظل محروما من أبسط الحقوق التي تتمتع بها الشعوب الأخرى.
وفي التقارير التي ينشرها الإعلام الاسرائيلي هناك ما يفيد عن ما يوصف
بانخفاض "طفيف " في شعبية الليكود، ليس لأن مناصريه أحسوا بالضيق من
سياسته الاستيطانية، ومن رفضه العملي للسلام والحل السلمي المطروح عبر ما
يعرف بحل الدولتين، وإنما لأن هناك حزبا اسرائيليا آخر انتزع نسبة من أنصاره وهو
أكثر تطرفا. إنه حزب "البيت اليهودي" الذي أعلن رئيسه معارضته لأي انسحاب من
الأرض الفلسطينية المحتلة، وجاهر بأن على الجنود والضباط الاسرائيليين عدم
الانصياع للأوامر التي قد تطلب منهم إخلاء مستوطنين من مواقع استيطانية
مقامة في الضفة الغربية.
وهناك أحزاب قديمة أو جديدة تغازل رئيس ال وزراء الاسرائيلي بنيامين
نتنياهو لضمان مقعد أو مقعدين في الحكومة المقبلة، التي سيترأسها عقب
فوزه المتوقع في الانتخابات المقبلة وفقا لكل استطلاعات الرأي : فهناك وزيرة
خارجية سابقة قالت الصحف إنها تجري اتصالات مع نتنياهو لضمان العودة
إلى منصبها القديم، وهي مستعدة، وفقا لهذه التقارير لضم كتلتها الحزبية
إلى الائتلاف العتيد.
وهناك رئيسة لحزب العمل، المعروف بأنه من يسار الوسط. ويوصف عادة بأنه
يؤيد السلام والمفاوضات، لكنها دخلت في سوق مزاد التطرف، وهي، وفقا للتقارير
الإعلامية الاسرائيلية، لا تستبعد الانضمام لحكومة الليكود المقبلة فور فوز نتنياهو
في الانتخابات. أما يائير لابيد الإعلامي الذي تحول لسياسي، وشكل حزبا يعتزم
خوض الانتخابات، فهو ومنذ البداية قدم طروحات يمينية متطرفة، ولم يدع مجالا
للشك بأن احتمالات انضمامه لحكومة نتنياهو المقبلة هي أكثر من واردة.
وهنا لا نتحدث عن أحزاب يمينية متطرفة بطبيعتها، مثل "اسرائيل بيتنا" الذي
يترأسه أفيغدور ليبرمان المعروف بفكرة الترانسفير، أو الحزب الديني الوطني، أو
حزب شاس وغيرها من الأحزاب التي تدل أسماؤها على أيديولوجياتها، وإنما عن
أحزاب وكتل كانت ترفع لافتات تأييد السلام وحل الدولتين، ثم ها هي تكشف
عن حقيقتها، وعن كون هذه اللافتات مجرد يافطات لخداع الرأي العام لدولي،
وتشتيت انتباه الفلسطينين والعرب، وتضييع الوقت واستنزافه في مفاوضات
لها أول ولكن ليس لها آخر تكون نهايتها رفض تجميد الاستيطان، وإدخال ما
يسمى بعملية السلام في غرفة العناية المكثفة، دون الإعلان عن وفاتها. لأن
هذا الإعلان سيجلب للسلطات الاسرائيلية مضاعفات وعواقب تزيد من عزلتها
الدولية المتزايدة.
وإن دل مزاد التطرف هذا على شيء، فعلى أن هناك استراتيجية واحدة لمختلف
القادة السياسيين الاسرائيليين وإن اختلفت تكتيكاتهم للوصول إلى الأهداف
نفسها، والمتمثلة في استمرار الاحتلال وتكثيف الاستيطان. فلم يُسمع أي صوت
مرتفع لهؤلاء السياسيين يعترف علنا بالحقوق الوطنية الفلسطينية العادلة
والمشروعة، ولم تتخذ الحكومات المعتدلة كما تسمى إجراءات لإنهاء الاحتلال
والاستيطان خلال أكثر من خمسة وأربعين عاما هي عمر الاحتلال. فالوجوه مختلفة،
لكن العملة واحدة وهي ليست لصالح عملية السلام حتى في حدها الأدنى ، وهذا هو
درس عقود من التجارب المريرة والمضنية مع السياسة والسياسيين في اسرائيل،
والتي يجب أخذها في الاعتبار فلسطينيا وعربيا، ودوليا على الخصوص.