د. أحمد رفيق عوض
تصريحات نتنياهو تهديد للفلسطينيين وللأردنيين على السواء
---------------------------------------
ما السر الذي يختفي وراء تصريحات بنيامين نتنياهو غير المسبوقة و التي تنبأ فيها بسقوط السلطة الفلسطينية و تولي حماس زمام الامور؟! فمن الواضح ان هناك صعوبة كبيرة ان لم تكن مستحيلة في تصديق ما يقوله هذا الرجل في هذا الوقت بالذات ؟! فسقوط السلطة او تفككها او تفكيكها اخر ما يريده اليمين المتطرف كما ان بدائل هذا السقوط هي اكبر مما يتحمله نتنياهو ومعسكره ومن يقف وراءه ، فالاحتلال العسكري_الاحتلال المتنور كما اراده موشيه ديان ، او الاحتلال بالنيابة او الانابة كما اراده شارون ، او الاحتلال المقنع كما اراده رابين _ سقط تماما من خلال الاتفاق مع منظمة التحريرالفلسطينية عام 1993، ثم سقط مرة اخرى في الانسحاب من غزة دون تنسيق او اتفاق مع السلطة الوطنية في حينه ، الامر الذي ادى الى ان تقصف تل ابيب بالصواريخ.
و يعرف نتنياهو كما يعرف غيره ان من الصعوبة ان لم يكن من الاستحالة ادارة احتلال ناجح و رخيص و نظيف و بدون تكاليف ، كما يعرف نتنياهو كما يعرف غيره ان الاحتلال و اضراره تعمل باتجاهين متعاكسين و لكنهما متساويان في الاثر و التأثير ، فكما تحتل تل ابيب مدينة رام الله ، فإن مدينة رام الله تحتل تل ابيب بشكل ما..
بمعنى آخر ، يعرف نتنياهو ان سقوط السلطة او تفككها او تفكيكها لا يعني اطلاقا سقوط خيار حزب العمل الذي تفكك هو اولا ، ولا يعني ذلك سقوط خيار السلام الذي لم يعد قائما في قلب الاجماع الجديد الاسرائيلي الذي يسعى عمليا الى ادارة احتلال مقبول و شرعي الى حد كبير ، انما يعني سقوط اسرائيل في هوة جديدة من شر اعمالها و سياستها الخرقاء التي تدفع الفلسطينيين و العرب ومن ورائهم في كل مرة الى تشدد اكبر ورد غير متوقع.
بكلمات اخرى ، اسرائيل هي بالذات من تبحث عن قيادات و تيارات و موجات اخرى من الردود الفلسطينية التي تكلفها كثيرا و كثيرا جدا ، وهذا اتجاه اصيل لدى تاريخ الجماعات اليهودية في كل اماكن تواجدها على مر الايام اي ان التشدد اليهودي _ المبرر عادة بمخاوف واوهام عديدة _ يجابه بتشدد من الجهة المقابلة ، مما يؤدي الى كوارث عديدة ، وهذا ليس قولي و لا استنتاجي ، بل هي اقوال الفيلسوف اليهودي يشيعياهو ليفوفيتش و المفكر والباحث الاسرائيلي الشهير اسرائيل شاحاك و الباحث اليهودي الفرنسي ايمانويل هيمان.
هذه المرة يهددنا نتنياهو بان السلطة ستسقط و ان حماس ستسيطر على الضفة الغربية ، الا يشتم من رائحة هذا الكلام- بالاضافة الى ابعاده الانتخابية الواضحة-ان الرجل يريد ان يوقع بين حركتي فتح و حماس اللتين تتبعان الان سياسة الخطوات الايجابية المتبادلة ، و اللتين هما الان بصدد التوجه الى القاهرة لمتابعة جهود المصالحة؟! الا يشتم من كلام نتنياهو رغبة في التخريب و التشويش على الجهود المصرية من اجل ذلك ؟!خاصة ان القاهرة تشارف على التعافي من ازمتها التي لحقت بها؟!
الا يفهم من كلام نتنياهو انه يريد استباق الاجواء الايجابية على الساحة الفلسطينية لتخويف السلطة من جهة والتشويش على مصر من الجهة الاخرى؟! حماس وفتح تريان ان المصالحة صارت الان ضرورية اكثر من اي وقت مضى، فحركة فتح لا تستطيع مواصلة اتفاق اوسلو الذي اصبح مكلفا و باهظا ، وحركة حماس التي وقعت لاول مرة في تاريخها على ورقة لوقف الاعمال المسلحة ، تشعر ان الاستمرار في ذلك مكلف ايضا. وتتجه الحركتان فعلا الى ادارة ازمة الانقسام من خلال سياسة الخطوات الايجابية اولا ومن خلال الاتفاق على برنامج سياسي ثانيا وصولا الى اتفاق كامل ثالثا، ذلك ان ما يجري في المنطقة مخيف جدا تماما، فحزب الليكود بيتنا الذي يقوده نتنياهو كشف النقاب عن وجهه تماما..
ففلسطين التاريخية التي يؤمن بها غير تلك الانتدابية التي نتحدث عنها ، و يعني هذا ان الدولة الفلسطينية لن ترى النور في الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 و انما في الاردن ، باعتبارها جزءا من فلسطين التوراتية التي تنازلت عنها الحركة الصهيونية كرما منها و تعطفا و نزولا عند رغبة المجتمع الدولي ،وبعد مئة سنة او ما يزيد ، تعود الحركة اليمينية في المشروع اليهودي الى طرح ذات الموضوع الذي قدم الى مؤتمر فرساي عام 1919 و كأن كل المياه التي جرت في نهر الاردن لم تجر ابدا.
لهذا السبب ، كان التحرك الاردني سريعا ، وكانت زيارة الملك الاردني و عدد من وزرائه الى رام الله ، و لهذا ايضا ، كان على حماس بالذات و الحركة الاسلامية في الاردن الاسراع الى بلورة موقف واضح و صريح مع فتح ومع باقي فصائل المنظمة و الحركات و الاحزاب القومية و اليسارية الاردنية للوقوف بحزم امام الاطماع القديمة الجديدة لليمين الاسرائيلي..
المصالحة الفلسطينية التي تتسارع خطواتها للضرورة و للخطر ، لن تردعها تصريحات نتنياهو الذي يريد ان يخيف السلطة الفلسطينية بالعودة الى مفاوضات ابدية و يلوح لحركة حماس بسراب خلب و يبتز الاشقاء الاردنيين الى الابد .
تصريحات نتنياهو اذن ليست موجهة للفلسطينيين فقط ، بل هي ايضا للاشقاء في الاردن ، فالرجل ما يزال يحلم بمشروعه في ما يسميه السلام الاقتصادي الذي يقوم على استيعاب و تشغيل الفلسطينيين في مناطق و مدن جديدة بعيدة وقريبة.
تصريحات الرجل تخفي تغييرات جغرافية و ديمغرافية واسعة ،يدفع ثمنها الفلسطينيون والاردنيون في وقت معا . و لهذا فان الحسابات الفصائلية و الاجندات المتعارضة تصبح مكاسب صغيرة جدا امام المخطط الجديد للحزب الجديد الذي يجمع تطرف القوميين الروس وتطرف الاشكناز تحت اسم الليكود بيتنا.
اخيرا ، لم يمكن من الصدفة ان يطلق نتنياهو تصريحاته تلك بينما كان يحضر احدى الدروس التوراتية.