حافظ البرغوثي
عن الناصرة - بقلم : حافظ البرغوثي - صفورية
----------------------------
أمضيت في الناصرة يوماً وبعض يوم.. لا بد لك أن تلمس آثار عظماء الجليل.. توفيق زياد، محمود درويش، اميل حبيبي وسميح القاسم..
فلسطينيون يفاخرون بالقصيدة والمقالة والرواية.. الكلمة عنوان صمودهم في الأرض ومحرك نضالهم.. لم أزر الناصرة إلا مرتين من قبل مرة للقاء توفيق زياد في الثمانينيات والثانية لحضور ندوة وهذه الثالثة لأروي هناك في قرية توفيق زياد التعليمية حكاية الشيخ الخواص ورفاقه عمالقة الأرض. فالدعوة كانت من مركز محمود درويش وفي قرية زياد وفي مكتبة أبو سلمى.. إنك في حضرة عظمائنا مبدعي الثقافة الفلسطينية، أي شعور ينتابك وأنت في هذه الحضرة الإبداعية؟ جميل كل شيء هنا.. الناصرة الصامدة أهلها.. رموزها.. كنائسها .. مساجدها.. ودليلي هو الشاعر مفلح طبعوني رجل نحت من صخر وجبل بالمعرفة واتسم بجرأة البدوي الأصيل.. الناصرة فقدت عمالقة الجليل لكنها أسطرتهم في وجدانها وكأنهم ما رحلوا.. هم هنا باقون كما قال توفيق زياد. وألح عليّ صديق من بعيد عبر «الموبايل» أن زر بلدتي صفورية.. وما أدراني بصفورية غير ما كان يقوله لي عنها عندما ألتقيه في أبوظبي بين الحين والآخر.. وفي صبيحة اليوم التالي هبطنا من حي الصفافرة وهو حي من تم تهجيرهم من صفورية إلى صفورية أنا وماجد أبو غوش والأمين على تراث صفورية أمين محمد علي شقيق الشاعر الراحل طه محمد علي والأستاذ كامل البرغوثي وهما من أبناء صفورية، تجولنا في القرية المدمرة المهجرة ذات السبعة آلاف نسمة عام 1948 وذات المساحة البالغة 120 ألف دونم من السهول والتلال، فلم نجد أثراً لبيت فقد تم تدميرها ودفنها وزرعت الأشجار على ركامها.. باستثناء القلعة التاريخية، ودير وكنيسة يعتقد أنها المكان الذي ولدت فيه السيدة العذراء من أمها حنة ويشرف رهبان ايطاليون على الدير. ونجت مقبرة واحدة من الدمار ما زال أمين يزورها ويحاول المحافظة عليها.. وثمة بيت يبدو أنه قديم تم ترميمه لكن أمين قال إنه بني حديثاً من حجارة البيوت المهدمة في القرية التي ما زال أغلب سكانها في حي الصفافرة وفي القرى المجاورة وبعضهم هاجر إلى الخارج. سألت عن مكان بيت صديقي وصفت مكانه مثلما قال قرب السدرة عند سور المدرسة. فأشار أمين إلى المكان حيث أشجار باسقة وقال هناك جنوب القرية.. لكن لم يبق شيء فقد تم تدمير كل البيوت.
صفورية دون غيرها من القرى تعرضت لقصف جوي قبل احتلالها عام 1948 في شهر تموز.. وجرى طرد سكانها لكن الكثيرين ظلوا حتى عام 1951 حيث تم طردهم نهائياً رغم أنه تم إحصاؤهم كسكان فيها، ولديهم وثائق الإحصاء.
تغادر صفورية كأنما تغادر قطعة من الجنة.. كل هذا الجمال يثير مشاعر مختلطة.. فعقاب أهل صفورية مزدوج فهم يسكنون على حافة أرضهم، يرونها صبحاً ومساءً.. ولا يمارسون حقوقهم عليها.. مفجع أن تعيش متأرجحاً لا يمسسك بيتك.
*( حافظ البرغوثي روائي وصحفي، رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة" الصادرة في رام الله. وكانت بلدية الناصرة قد استضافته مؤخرا في ندوة حول كتابه "الخوّاص").