السلام ليس أولوية اسرائيلية
------------------
أثبتت الحملة الانتخابية الاسرائيلية، والنتائج التي أسفرت عنها، أن عملية
السلام والمفاوضات من أجل السلام ليست أولوية لدى الناخبين الاسرائيليين،
والمجتمع الاسرائيلي عامة. وأن ما كانت اسرائيل الرسمية تدعيه من غياب
الشريك المناسب صحيح، ولكن ليس في ما يتعلق بالجانب الفلسطيني
الذي أظهر مرونة وتجاوبا مع كل متطلبات السلام واستحقاقاته- ولكن في
الجانب الاسرائيلي، وهو ما اتضح من فقدان أي توجه حقيقي نحو السلام
العادل لدى النواب المنتخبين وبرامجهم الانتخابية التي على أساسها فازوا
في الانتخابات.
ولم تكن المفاجأة الحقيقية، في نظر الفلسطينيين هي صعود حزب "هناك
مستقبل" بزعامة الإعلامي التلفزيوني السابق يائير لابيد، وإنما كانت المفاجأة
هي أن البرنامج الانتخابي لهذا السياسي الجديد يركز على القضايا الاجتماعية
والاقتصادية، ويهمل تماما موضوع الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي. ومع ذلك
فقد منحه الاسرائيليون من الأصوات ما أوصل حزبه ليحل في مرتبة ثاني أكبر
الأحزب السياسية الاسرائيلية من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها في
الكنيست المنتخبة قبل يومين.
ولو تفحصنا برامج الأحزاب الصهيونية والدينية اليهودية كلها تقريبا
لوجدناها خالية من أي تطرق للموضوع الفلسطيني. والحزب الوحيد الذي أشار
فيه إلى القضية هو حزب وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي ليفني.
وفي ظاهرة تدعم ما ذهبنا إليه فإن هذا الحزب لم يحصل إلا على خمسة أو ستة
مقاعد. وهو دليل آخر على انعدام أو قلة الاهتمام بموضوع العملية السلمية
في الشارع الاسرائيلي.
وإذا كان الاسرائيليون مرتاحين للوضع الاحتلالي الراهن وما يواكبه من
هدوء سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، فإن واقع الاحتلال والاستيطان
لا يمكن له أن يستمر إلى الأبد. فهناك شعب يعاني كل يوم وكل ساعة من
فقدان الحقوق الوطنية والإنسانية، ويتطلع إلى الحرية والسيادة والاستقلال،
وحل العديد من القضايا التي تراكمت عليها عقود من الزمن، فزادتها تعقيدا
إلى تعقيد، وفي مقدمتها حق العودة للاجئين الفلسطينيين من حربي ١٩٤٨
و ١٩٦٧ - وهو حق لا يسقط بالتقادم، ولا يمكن لتوالي الأعوام أن يدفع به إلى
مجاهل النسيان أو التنازل.
وليس من حق الاسرائيليين أن يتجاهلوا واقع الاحتلال والاستيطان الذي
يرزح الفلسطينيون في قيوده، ويقاسون معاناته منذ ما يزيد عن خمسة
وأربعين عاما. كما أن العالم كله مسؤول قانونيا وأخلاقيا عن إنهاء الاحتلال
والاستيطان، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي نصت على عدم جواز
احتلال أراضي الشعوب الأخرى بالقوة، وعلى مقايضة الأرض المحتلة بالسلام
العادل والشامل.
وليس من المعقول ولا المقبول أن تؤجل استحقاقات السلام إلى دورة
انتخابية اسرائيلية بعد أخرى، بحيث مرت اثنتا عشرة دورة على الأقل منذ
الاحتلال وحتى أمس الأول، والعالم كله في انتظار ائتلاف حكومي اسرائيلي
لديه الرغبة والإرادة للموافقة على التسوية السلمية العادلة، ولكن دون جدوى.
فهل على الفلسطينيين انتظار الدورة الانتخابية الاسرائيلية المائة، وربما
الألف، وهم على هذه الحالة، محرومين من الحرية والسيادة الوطنية والكرامة
الإنسانية؟.
سؤال موجه للمجتمع الدولي الغارق في سبات عميق، متجاهلا معاناة
الفلسطينيين وحقوقهم، ومتسامحا إلى حد قياسي مع الممارسات الاحتلالية
والاستيطانية الاسرائيلية التي لا تنتهي، ولن تنتهي ما دام الاحتلال موجودا،
والاستيطان منتشرا ومتمددا، دون توقف، في الأرض الفلسطينية المحتلة.