الشتاء بين الخير والمخاطر
--------------------
موسم الشتاء الحالي كان وما يزال خيرا وبركة على البلاد والعباد في معظمه، حيث هطل الغيث النافع إن شاء الله بوفرة وغزارة وكانت كميات الأمطار حتى الآن أكثر من نفس الفترة خلال الأعوام العشرين الماضية، وهذا من شأنه أن يمد المخزون الجوفي من المياه باحتياطي لا بأس به. وإن كان المستوطنون هم الذين يستهلكون النسبة الكبرى من المياه الجوفية التي يسلبونها من الخزانات الجوفية الفلسطينية الشمالية والوسطى تحت جبال الضفة الغربية، ويحرم المواطنون الفلسطينيون من مياههم بمنطق القوة والهيمنة الاحتلالية.
ومع الخير الذي يستبشر به المواطنون في هذا الموسم، سواء أكانوا من مزارعي الحبوب والأشجار المثمرة، فهناك المخاطر والأضرار التي تتسبب فيها الرياح والعواصف القوية، وموجات الصقيع والثلوج والفيضانات التي تملأ الوديان والمناطق المنخفضة دون توفر نظام صرف لهذه الكميات الهائلة من الأمطار. وهذا يلحق أضرارا بالبيوت والبركسات والدفيئات الزراعية- وهو ما تم تسجيله خلال العاصفة التي رافقت المنخفض الجوي الذي عانت منه بلادنا مطلع الأسبوع الثاني من الشهر الفائت، وأدت العاصفة إلى خسائر في الأرواح فضلا عن الأضرار في البيوت والدفيئات والمحاصيل الزراعية، خصوصا الخضروات.
وتبين من عواقب تلك العاصفة أن هناك حاجة ماسة لتوفير مستلزمات الطوارىء اللازمة لمواجهة مخاطر الشتاء، وبصورة خاصة أنظمة تصريف مياه الأمطار، وإصلاح الطرق التي تتضرر جراء الفيضانات، وتوفير أماكن الإيواء لمن يضطرون للنزوح عن بيوتهم بسبب تضررها من الأمطار أو تدفق المياه إليها، وكذلك المواد الغذائية والأدوية ووسائل التدفئة الضرورية في هكذا ظروف مناخية صعبة.
وهناك أهمية كبيرة للتوعية الصحية للمواطنين حول كيفية تفادي الأمراض التي تنجم عن البرد والتي تنتشر في فصل الشتاء، لا سيما أنواع الرشح والنزلات التي تصيب جهاز التنفس والأنفلونزا بأنواعها. ومن المهم التنبيه على الاستعمال السليم والآمن للمدافىء التي يستخدم فيها وقود الكاز والسولار والغاز، والحرص على توفير الهواء النقي من جهة وإيقاف عمل هذه المدافىء قبل النوم، والتأكد من توفر الكهرباء والاستعمال الآمن لها.
الحرائق المأساوية التي تودي بالأرواح وتتلف الممتلكات تجد الوقت المناسب لها في الشتاء، ومعظمها بسبب الإهمال في التعامل مع وسائل التدفئة أو الاضطرار لاستعمال وسائل بديلة عن التيار الكهربائي في حالة انقطاعه، ومنها الجادث المأساوي المروع الذي حدث في غزة، حيث احترق أفراد عائلة من ستة أفراد نتيجة إشعال شمعة حاولوا من خلالها التعويض عن انقطاع الكهرباء.
ولا تفوتنا الإشارة هنا إلى الأضرار البيئية التي تسبب فيها الجدار الفاصل، حيث حال دون تدفق مياه الوديان إلى البحر وأدى إلى فيضانات مدمرة في بعض المناطق الفلسطينية لأن من قام بتنفيذه في انتهاك سافر لحقوق الشعب الفلسطيني وقرارات محكمة العدل الدولية، لم يوفروا نظاما لتصريف مياه الأمطار التي تحولت إلى برك ومستنقعات وسيول جارفة. كما أن الاحتلال لم يكن معنيا ببناء سدود تحجز وراءها تلك الأمطار، ويستفيد منها المزارعون والمواطنون عامة في الري وسقي المواشي خلال فصول السنة الأخرى.
والمطلوب هو الاستفادة من بركات الشتاء وغيثه النافع، مع تفادي أخطار ما يرافقه من رياح عاتية ووثلوج وفيضانات مدمرة. وهذه ليست مسؤولية الحكومة الفلسطينية وحدها، بل هي تشمل المجتمع الدولي على وجه العموم.