ازمة الوعي الاحول : الرؤية المعطوبة 3
صلاح المختار
لو امطرت السماء حرية هناك عبيد سترفع الشمسية
مثل
الموقف من دول الخليج العربي يقول فيلسوف ال( يكفي ) وبطل ( الانحياز الواضح كالشمس والقاطع كالسيف ) و.ع ما يلي : (
يا سيدي في المواقف القومية والوطنية لا مجال لافتراض حسن النوايا.. يجب أن يكون الانحياز واضحا كالشمس قاطعا كالسيف. يكفي أن يشكر عزة الدوري الملك السعودي (مع كل ما نعرفه عن هذا النظام ) ويدافع عن القيادات الكردية، رغم علاقاتها بـ"إسرائيل، التي بدأت تبعا لما نشرته صحيفة معاريف، منذ العام 1943 أي قبل قيام"إسرائيل"، وتعمقت بعد قيامها. يكفي هذا لأشكك في أن الرجل قد انحرف عن المسار الصحيح ) . في البداية اثير مسألة منهجية ربما يجهلها فيلسوف ال( يكفي ) وهي ان السياسة ليست رياضيات قاطعة النتائج بل هي كيمياء متغيرة النتائج تبعا للبيئة التي تتم فيها التجربة ، بل ان السياسة هي الكيمياء في اشد صورها تعقيدا وغموضا مما يفرض جهدا عقليا ، ونفسيا ومعرفيا وبحثيا...الخ ، لتحديد المتغيرات البيئية التي تتحكم في التفاعلات الكيميائية وتقرر نتائجها النهائية والتي تختلف من تجربة الى اخرى بتغير البيئة ، وبالطبع كل ذلك يجعل النتائج متفاعلة ومعقدة جدا (sophisticated ) وليست بسيطة ، لذلك فان فلسفة اليكفي تدل على سذاجة سياسية لا شك فيها ورطت صاحبها في موقف يدينة كما سنرى .
لاتخطأ العين المجردة في تحديد ظاهرة ازدواجية المعايير لدى بعض من يتناول الموقف من دول مجلس التعاون الخليجي ، فهذا البعض يختار الكلمات والتقويمات التي ترضي ذاته ، ولايبحث عن اسباب هذا الرضا ، فيرى بعينين حينما يريد ان يرى لكنه بنفس الوقت يغمض عين ويفتح عين حينما يريد مثلما يفعل الثعلب حينما ينام وهو خائف ،
فهو يرى ( عيبا ) في امتداح قائد ميداني لحكومة دولة – السعودية - ابدت تعاطفها مع شعب العراق واعلنت ندمها على المشاركة في تدميره ، هو المجاهد عزة ابراهيم ، يقاتل امريكا منذ عشر سنوات ويقود مقاومة ضد اخطر واقوى اعداء الامة وهما امريكا وايران وسط الغام وبيئة بالغة الخطورة ، فيأتي المديح تشجيعا لموقف داعم للعراق وشعبه من اجل زيادة فرص تحريره وليس رغبة في منفعة خاصة ، لكن ذلك الشخص يغمض عينيه وقلبه وضميرة كي لا يرى حافظ اسد وابنه يغمسان يديهما حتى الكوع في قدور نظم الخليج ثم يسبحان في بحار المال الخليجي ويصنعان ( لحم اكتافهما ) من اموال الخليج التي كانت من اهم مصادر مليارات الدولارات التي تملكها الان عائلة الاسد التي كانت متوسطة الحال قبل استلام الحكم ! علينا ان نفضح هذه اللعبة . 1 – ان موقفنا كقوميين عرب نناضل من اجل وحدة الامة العربية وتحررها وتقدمها يفرض اولا وقبل كل شيء المحافظة على الهوية العربية للاقطار العربية والنضال ضد اي محاولة لتقسيمها او تغيير هويتها ، اذ كيف تتحقق الوحدة العربية اذا تقسمت الاقطار العربية او اهتزت هويتها نتيجة عمليات منظمة كالهجرة المنظمة والتهجير المنظم ونشر الطائفية والعرقية والتي تقوم بها قوى معادية للامة العربية ؟ ان المحافظة على الكيانات القطرية ومنع تقسيمها وشرذمتها خطوة لابد منها على طريق الاندماج الوحدوي العام ، وهي – الكيانات القطرية - اللبنات الاساسية التي يتشكل منها الوطن العربي الواحد . وهذا الموقف يشمل دول الخليج العربي طبعا وهو ثابت ولم يتغير منذ نشأ الحزب قبل اكثر من 60 عاما .
ان الطابع القومي لعقيدتنا يفرض فرضا تقديم اولوية لاشك فيها وهي المحافظة على عروبة الخليج والجزيرة . وبدون هذه البديهية ما معنى قومية الهوية والانتماء الايديولوجي ؟ وما معنى النضال من اجل الوحدة العربية وهو هدفنا الاسمى ماضيا وحاضرا ومستقبلا ، اذا كنا نفرط بعروبة وهوية دول الخليج العربية تحت اي غطاء او تبرير ؟ 2 – لم يتغير موقف البعث المبدأي والعقائدي هذا رغم كل التبدلات السياسية والستراتيجية التي شهدتها المنطقة والعالم خلال اكثر من نصف قرن ، ومنها وقوف دول مجلس التعاون الخليجي مع امريكا في العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 ، فبعد فترة من المناوشات السياسية الطبيعية والحملات الاعلامية توقف العراق عن مهاجمة انظمة دول الخليج العربي ، وثبت ان المهمة الاساسية في مرحلة ما بعد العدوان هي اعادة البناء وضمان هوية العراق الوطنية والقومية لان بوادر التقسيم بدأت تلوح في الافق بطرح خطوط العرض والطول وعزل شمال العراق بالقوة وفرض حصار شامل مدمر كان هدفه البعيد هو تفكيك المجتمع العراقي تدريجيا ، كما ان النجاح في تقسيم العراق سوف يفتح الابواب واسعة لتقسيم وتقاسم كل الاقطار العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربي ، وهذه الحقيقة اكدتها كل تطورات ما بعد احتلال العراق .
من هنا فان الاولوية التي سبقت ما عداها كانت المحافظة على العراق وهويته ووحدته الوطنية وكسر الحصار ، ولذلك تراجعت كل القضايا الاخرى وتبنى العراق سياسة واضحة وصريحة تقول بانه مستعد لتطوير العلاقات واعادة بناءها مع كافة الدول عربية واجنبية باستثناء الكيان الصهيوني .وهذا الموقف ينسجم مع ضرورة ستراتيجية وهي تقوم على فكرة ان من غير الصحيح ولا من الممكن ان يخوض العراق معارك مع الجميع فتلك سذاجة قاتلة وانتحار ، لذلك لابد من تحديد العدو الاول والرئيس وتركيز الجهد الكفاحي عليه ، ووقتها كان العدو هو الحصار ومحاولات تقسيم العراق ومن يقف وراءهما ، ولذلك بدأ العراق يبني علاقاته مجددا مع ايران رغم غدرها المتكرر ومع دول الخليج العربي ومصر وسوريا والغرب والشرق . وكانت فترة 1991 والى 2003 فترة اعادة بناء العلاقات من اجل كسر الحصار والحاق الهزيمة بمخطط تقسيم العراق ، وبالفعل فقد نجح العراق في اعادة بناء علاقاته بالانظمة العربية بما فيها من شارك في الحرب ضده ومنها النظام السوري والنظام المصري ونظم الخليج ، ونجحت هذه السياسية في كسر اغلب قيود الحصار وتغلب العراق على اكثر مشكلات الحصار وبدأ يكسر حلقاته واحدة بعد اخرى وهو ما انتبهت اليه امريكا وحلفاءها فقررت اعادة العراق الى نقطة الصفر وما بعدها اي تدميره بالكامل وكانت المهمة الاساسية للغزو في عام 2003 هي تدمير ثم تقسيم العراق .
ما معنى هذه الحقائق الميدانية ؟ المعنى الاول هو ان العراق بقيادة البعث لم ينحرف عن نهجه القومي حينما وضع مسألة شن الحرب عليه في الخلف واخذ يعيد بناء علاقاته مع الجميع بهمة عالية لاجل انهاء او تخفيف معاناة الشعب العراقي اولا ، ثم تدمير المخططات المعادية للعراق وفي مقدمتها تقسيمه . وهنا لابد من الاشارة الى حقائق ميدانية معروفة منها
ان النظام الوطني لم يحسن علاقاته بدول الخليج العربي وحدها بل حسنها ايضا مع النظام السوري والنظام المصري اللذان شاركا ايضا في الحرب ضد العراق ، ولذلك فان من يقول بان النظام الوطني كان يجب ان لا يحسن علاقاته مع دول الخليج لانها حاربته ملزم بتطبيق ذلك على النظامين السوري والمصري ، وذلك خطأ مركب: خطأ تكتيكي وخطأ ستراتيجي وخطأ قومي . كان يجب اعادة بناء علاقات العراق مع كافة الاشقاء من اجل تضميد الحراج وايجاد سبل انقاذ الامة كلها من مخططات التقسيم والشرذمة .
وفي هذا الاطار علينا التذكير باحد اهم المواقف للعراق وللرئيس الشهيد صدام حسين بالذات من هذه المسألة فقد قال بعد العدوان الثلاثيني بان العراق مستعد للدفاع عن السعودية اذا تعرضت لعدوان اجنبي ، واكد هذا الموقف في وقت كانت دول الخليج العربي كلها في حالة عداء كامل مع العراق ولم تظهر بعد ايا منها اي ميل لتحسين العلاقات مع العراق ، وهنا يكمن الطابع المبدأي لموقف العراق وتجاوزه لضغوطات السياسية اليومية العابرة. وذلك الموقف كان طبيعيا وينسجم مع الهوية القومية للبعث ،
فالذي يهم البعث اولا وقبل كل شيء ليس الصراعات العربية – العربية مهما كانت خطيرة بل كيفية تحجيمها ووضع حد لها ومنع استمرارها ، لان هناك تحديات خطيرة ذات طبيعة ستراتيجية في مقدمتها ان استهداف العراق كان مقدمة لابد منها لاستهداف كافة الاقطار العربية فيما بعد ، وتقسيمها عرقيا وطائفيا كما تنص المخططات الصهيونية والايرانية والتي تبنتها ادارة بوش الابن . هل كان ذلك الموقف غريبا او خاطئا ؟ كلا طبعا لقد كان الموقف الوحيد الصحيح قوميا ووطنيا وستراتيجيا وتكتيكيا . لذلك فان السؤال الذي لابد من طرحه هو :
ما الذي تغير الان كي يطالب امثال فيلسوف اليكفي البعث والمقاومة بمواصلة حرب داحس والغبراء مع انظمة عربية حاربته في عام 1991 وهي ليست انظمة خليجية فقط ؟ بل السؤال الاهم في هذا الصدد هو :
الا يكفي ان تعترف اغلب دول مجلس التعاون بان الحرب ضد العراق كانت خطئا ستراتيجيا نتج عنه التهديد الخطير الحالي لها كي يرد العراق التحية بأحسن منها وهو محتل وكيانه مهدد بالتقسيم ومقاومته يتيمة وبلا دعم مادي واعلامي وسياسي ويحتاج لاي دعم حتى المعنوي ؟ الم يقل ذلك اكثر من مسؤول خليجي ومنهم الامير تركي الفيصل في مؤتمر عام وعلني ؟ ماذا على قيادة البعث والمقاومة ان تفعل تجاه هذا الموقف الايجابي حتى لو كان لفظيا ؟ هل تهمله ام تبني عليه وتحسبه تطورا ايجابيا وخطوة تستحق الدعم والتشجيع ؟ الذين يشككون ويتسائلون حول موقف المقاومة العراقية من دول الخليج العربي عليهم الاجابة على سؤال محدد وهو
: هل توجد حركة تحرر واحدة في العالم من الجزائر وفيتنام الى فلسطين لم تعقد هدنات ، او تصالحت او طبعت ، مع كل الخصوم وركزت على العدو الرئيس ؟ لم نسمع ان حركة تحرر وطني مطلوبا منها شن حرب على جميع من وقفوا موقفا سلبيا منها ، بل على العكس كانت كل تلك الحركات تتجنب الانجرار الى معارك تعدها وبصواب تام جانبية من اجل الانتصار في المعركة الرئيسية .واذا اخذنا المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها ودون اي استثناء هل خاضت حروب داحس والغبراء مع الانظمة الخليجية ، كما يريدنا فيلسوف اليكفي وبطل الوضوح كحد السيف القاطع ان نفعل ، لان فيها قواعد عسكرية امريكية وبعضها لديه علاقات مع اسرائيل ؟ ام انها تجاهلت ذلك وابقت الجسور مع انظمة الخليج وتواصل استلام الدعم المادي منها وكان اهم مصادرها المالية كما نعلم جميعا ؟
فهل المقاومة العراقية في حالة افضل ام اسوأ من المقاومة الفلسطينية من حيث الدعم كي تتبطر برفض الدعم السياسي الخليجي مهما كانت طبيعته واهدافه مع انها مقاومة يتيمة لا يدعمها احد ماليا وعسكريا وسياسيا ؟ لم حلال على المقاومة الفلسطينية الحصول على دعم خليجي مفتوح ولعدة عقود وحرام على المقاومة العراقية والبعث امتداح موقف ايجابي للسعودية وبعض دول الخليج العربي من كارثة العراق ؟ علينا ان لاننسى ابدا ونحن نتحدث عن الرفيق المناضل عزة ابراهيم انه قائد اكبر واهم حزب جماهيري وقائد اكبر فصائل المقاومة العراقية ولذلك فمن حقة بل من واجبه امتداح موقف السعودية تجاه العراق وكارثته وتشجيع هذا الموقف والعمل على تطويره بكافة الطرق لكسر اطواق الحصار على المقاومة العراقية . ولا ندري لم تذكر فيلسوف اليكفي وصديقنا الوطني الذي ثنى على فلسفته موقف البعث والمقاومة التي تنضوي تحت قيادة البعث او تتحالف معها من السعودية ولم يتذكر ان كافة فصائل المقاومة العراقية لها صلات ايجابية مع دول الخليج العربي ولم يصدر عنها اي هجوم عليها ؟ وهذه حقيقة يشكل تجاهلها تأكيد للهدف الحقيقي من فلسفة ( يكفي ) العبقرية .
اذن هل تغير شيء في مواقف البعث مؤخرا تجاه دول مجلس التعاون الخليجي ؟ هل حصل تناقض بين موقفه الحالي وعقيدته القومية وستراتيجيته القومية الكفاحية العظمى منذ نشأ ؟ بالتاكيد كلا لم يحصل تغيير وانما هي استمرارية طبيعية لمواقفه الثابتة عقائديا اولا ، وستراتيجيا ثانيا تجاه قضايا الامة العربية . وثمة حقيقة يعد تجاهلها عمى قاتلا وهي ان دول مجلس التعاون الخليجي اقتنعت بعد الدعم الامريكي المباشر والرسمي لعملية اسقاط حسني مبارك وبن علي ، رغم انهما كانا من اعمدة النفوذ الامريكي واداوته الخطيرة في الوطن العربي ، بان الدور قادم عليها وان امريكا اصبحت مستعدة لبيعها ، لذلك تحركت قوات درع الجزيرة ودخلت البحرين لانقاذها من غزو ايراني وشيك وبدعم امريكي مباشر تجلى في تطابق الموقفين الامريكي والايراني من ازمة البحرين
. هذه حقيقة تصرخ بالقلم العريض ان السعودية بشكل خاص تعيش هاجسا قويا بان امريكا تخلت عنها وان عليها البحث عن طريقة للنجاة باي شكل وباي ثمن بما في ذلك اتخاذ قرارات لا ترضي امريكا . واخيرا لدي هدية لمن يحب بشار ولفيلسوف اليكفي وهي حادثة حقيقة لم يكشف عنها النقاب بعد وان كانت متداولة في بعض الاوساط العراقية والسورية والسعودية ( الخاصة ) وهي ان ملك السعودية عبدالله في لقاء طارئ وخاص جدا له مع بشار الاسد في عام 2010 قال له حرفيا :
اذا بقيت الامور كما هي عليه الان فان الاقطار العربية كلها سيحكمها من الشرق خامنئي ومن الغرب نتنياهو لذلك لابد من منع ذلك بمساعدة القوى الوطنية العراقية على انهاء الاحتلال الامريكي –الايراني لان العراق القوي هو الذي يستطيع انقاذ الامة واعادة الاستقرار والتوازن . فايده بشار بحماس وقاله له نعم هذا هو الحل ، ولكن بعد يومين تغير موقف بشار وتنصل من الاتفاق المبدأي مع الملك عبدالله على دعم القوى الوطنية العراقية والسبب هو انه حينما عرف خامنئي بتلك القصة اصابته هستيريا كادت تطيح ببشار بانقلاب عسكري ايراني ضده . بشار حي يرزق واذا كانت هذه القصة غير صحيحة فليكذبها الان وقبل رحيله الحتمي . ومن جهتنا نحن نعرف انها حقيقية ووقعت فعلا وهي تدل على
ان السعودية من اجل وجودها وكيانها وبقاء نظامها كانت ومازالت الان مستعدة للقيام باي عمل يحقق لها ذلك حتى لو كانت امريكا ترفضه . اليست تلك فرصة حركة التحرر الوطني العربية عامة لتحقيق اختراق جوهري ؟ هذا سؤال لا يجيب عليه بصواب الا من يعمل ويناضل في الميدان .
3 – نأتي الان الى حقيقة تضع ناقدي موقف البعث من دول الخليج العربي في موقف يجعلهم يتمنون لو لم يثيروا هذا الموضوع ، وهو موقف وعلاقات النظام السوري مع دول الخليج العربي طوال عمره من عام 1970 وحتى عام 2010 . يتبع .
[email=Almukhtar44@gmail.com][/email]
Almukhtar44@gmail.com16/2/2013