قراءة القرآن ومسّ المصحف للحائض
أ.ماجد صقر
مدير دائرة بحوث الدعوة في وزارة الاوقاف
هل يمكن للمرأة أن تقرأ القرآن أثناء فترة الحيض والنفاس؟
هذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله :
فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر، ولا يستثنى
من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء ولم يقصد به التلاوة كقول: بسم الله الرحمن
الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن وهو
من عموم الذكر، واستدلوا على المنع بأمور منها :
• أنها في حكم الجنب بجامع أن كلاً منها عليه الغسل ، وقد ثبت من حديث علي بن
أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن وكان لا
يحجزه عن القرآن إلا الجنابة « قال الترمذي : حديث حسن صحيح
• ما روي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: » لا
تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن « وهو حديث ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن
عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو حديث
ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك ، ورواية عن أحمد
اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني واستدلوا على ذلك بأمور منها أن الأصل
الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة،
ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينهاهن
عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء، أن الله تعالى أمر بتلاوة القرآن،
وأثنى على تاليه ووعده بجزيل الثواب وعظيم الجزاء فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في
حقه الدليل وليس هناك ما يمنع الحائض من القراءة، وإن قياس الحائض على الجنب في
المنع من قراءة القرآن قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل بخلاف
الحائض وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالباً، بخلاف الجنب فإنه مأمور بالاغتسال
عند حضور وقت الصلاة وإن منع الحائض من القراءة تفويتاً للأجر عليها وربما تعرضت
لنسيان شيء من القرآن أواحتاجت إلى القراءة حال التعليم أو التعلم .
يتبين مما سبق قوة أدلة قول من ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن، ولا يوجد دليل
صحيح صريح في منع ا دُحلمِث من قراءة القرآن ، ولا من مسّ المصحف، أما الاستدلال بعموم
قوله تعالى
لا سَميَُّهُ إِلاَّ اْمل طَُهَّرُونَ )فليس بصواب ذلك لأن الآية مرتبطة بما قبله فإن الله
تبارك وتعالى قال في سياق الآيات
إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ) 77 ( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) 78 ( لا سَميَُّهُ
إِلاَّ اْمل طَُهَّرُونَ )فالذي في الكتاب المكنون هو ما في اللوح المحفوظ، وقد تكرر وصف القرآن
بذلك قال الله جل جلاله
بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ ) 21 ( فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ )ومن ناحية أخرى
فإن المقصود ب (اْمل طَُهَّرُونَ( هم الملائكة. قال ابن عباس
لا سَميَُّهُ إِلاَّ اْمل طَُهَّرُونَ( قال:الكتاب
الذي في السماء. وقال مُرَة: يعني الملائكة.
وإذا سقط الاستدلال بالآية على منع ا دُحلمث حدثا أصغر أو أكبر من مس المصحف. قال
الإمام الشوكاني -رحمه الله(:- وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل
بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما
لم يَقُل، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حُجة( ومذهب جماعة من السلف جواز
قراءة الجُنب للقرآن، إذ أن الجنابة والحيض مما تعمّ به البلوى، ومع ذلك لم يرِد النهي عن
القراءة في هذه الأحوال، فعُلِم أنه مما عُفيَ عنه، وبقي على أصله من عدم تأثيم قارئ
القرآن في هذه الأحوال .
ولذا بوّب البخاري - رحمه الله - باباً في الصحيح فقال: تقضي الحائض المناسك كلها
إلا الطواف بالبيت. وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية ، ولم يَرَ ابن عباس بالقراءة
للجنب بأسا. قال ابن حجر في توجيه التبويب : والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن
بطال وغيره: إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي
الله عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يَستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما
استثناه لكونه صلاة مخصوصة، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ، ولم تمنع
الحائض من شيء من ذلك، فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه. ولما سُئل سعيد بن
جبير: يقرأ الحائض والجنب؟ قال:الآية والآيتين. وهذا الذي رجّحه الشيخ الألباني - رحمه
الله - ومن قبله الشوكاني .
بل إن الشيخ الألباني - رحمه الله - يرى جواز قراءة الجنب للقرآن، وأنه لا يوجد دليل
صحيح يمنع الجنب من قراءة القرآن، وإن كان الأولى أن يُقرأ القرآن على طهارة كاملة، وقد
ناقش الشيخ الألباني - رحمه الله - هذه المسألة في تمام المنة . ص 107 - 118 ورجّح أن
المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم : )لا يمس القرآن إلا طاهر)
أن المقصود بالطاهر )المؤمن( .والمشرك نجس بنص القرآن، والمؤمن طاهر بنص قوله صلى
الله عليه وسلم
المؤمن لا ينجس( متفق عليه، ويُراجع قوله - رحمه الله – وتفصيله
في المسألة في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ثم إن النبي صلى الله عليه على آله
وسلم ثبت عنه أنه كان لا ينام حتى يقرأ: ألم تنزيل )سورة السجدة( ، وتبارك الذي بيده
الملك)رواه الإمام أحمد والترمذي(.
ولم يُنقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه تركهما لأجل الجنابة ، أو أنه قرأ بهما قبل
أن يُجنِب .مع أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام ولا يمسّ ماء .قالت عائشة – رضي الله
عنها –: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا
يمس ماء ») رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى(. ولا شك أن قراءة
القرآن على طهارة كاملة أنه هو الأولى والأفضل، لقوله – عليه الصلاة والسلام(:إني كرهت
أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر - أو قال - على طهارة( .
وملخص البحث يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن ولمسه دون حائل، وفي حالة الجنابة
فيفضل الغسل لأنها حالة طارئة وليست دائمة لفترة طويلة كالنفاس والحيض.