الشنفرى

الشنفرى

كان الشنفرى جالساً في أحد المطاعم يأكل لحم دجاج مشوياً على نار فحم تنضج ببطء ولا تحرق، وكل لقمة يضعها في فمه ويمضغها، تمنحه الغبطة والنشوة والشعور بأنه يطير بغير جناح في سماء فسيحة زرقاء.
وبغتة طوقه رجال الشرطة، وأمروه بأصوات صارمة بمرافقتهم من دون مقاومة، فرجاهم أن يأذنوا له بإكمال الطعام الذي دفع ثمنه، فرفضوا، واقتادوه إلى أحد المخافر، وما إن رأى الشنفرى الرجل الذي يبدو عليه أنه المسؤول... عن التحقيق معه حتى صاح به محتجاً : لماذا قبض علي؟ أنا لست جاسوساً ولا نشالاً ولا لصاً ولا معادياً للدولة، ومن المعروف للقاصي والداني أني في حياتي كلها لم أنتسب إلى حزب سياسي وأكره السياسة.
المحقق : اسكت وكن مؤدباً، ولا تجبرنا على تعليمك كيف تكون مؤدباً، ولا تظن أن تمثيلك دور البريء المظلوم سيخدعنا، ففي كل يوم نرى مئات من أمثالك.
الشنفرى : وأنا بريء فعلاً ونموذج للمواطن الشـريف الصالح.
المحقق : ألست خصماً لقبيلة سلامان؟
الشنفرى : هذا موقف معروف عني، فأنا أكره هذه القبيلة، ولكني أعتقد أن القوانين تخلو من أية مادة تحدد للمواطن ماذا يحب وماذا يكره.
المحقق : ألا تعرف أن هذه القبيلة مؤيدة لنظام الحكم؟ وما دمت تكرهها، فهذا يعني أنك تكره نظام الحكم.
الشنفرى : هذا أمر خطير، وأعترف بأني لم أتنبه إليه، ولكني أعاهدك على أني منذ هذه اللحظة سأكف عن بغض قبيلة سلامان، وأي واحد منها أعز من أمي وأبي.
المحقق : لدي أقوال من شهود موثوق بهم تؤكد أنك أقسمت على أن تقتل مائة شخص من أفراد تلك القبيلة، فما ردك؟
الشنفرى : أعوذ بالله! إسأل عني، وسيثبت لك أن هذه الأقوال مجرد أكاذيب وشائعات مغرضة، ومن السهل علي تفنيدها. أولاً : أنا لا أملك سيفاً. ثانياً : أنا هزيل الجسم لا أستطيع قتل ذبابة، فكيف أقوى على قتل مائة شخص؟ ثالثاً : أنا شاعر، والشاعر دائماً مرهف الأحاسيس وذو قلب رقيق كاره للدماء وإراقتها.
المحقق : هذا نبأ جديد بالنسبة إلي. أأنت شاعر أم تمزح؟
الشنفرى : أنا شاعر، وفي استطاعتك أن تسأل عني أي اتحاد من اتحادات الأدباء. أنا شاعر، وشاعر شهير، ولي قصيدة ذائعة الصيت معروفة باسم لامية العرب، وإذا سجنت، فسأحرم إنجاز تأليف أروع كتاب شعري مكرس كله لتبيان محاسن الدولة الغراء.
المحقق : وما محتوى كتابك بالضبط؟
الشنفرى : إنه يتألف من مائة قصيدة، وكل قصيدة تمدح مسؤولاً من مسؤولي الدولة، المدير له قصيدة، ووكيل الوزارة له قصيدة، والوزير له قصيدتان، ورئيس الوزراء له عشر قصائد. الجيش له قصيدة، وقائد الجيش له سبعون قصيدة.
المحقق : ورئيس الدولة المفدى؟
الشنفرى : سأكون خائناً إذا نسيته، ولكني رأيت أنه من غير اللائق أن أتحدث عنه في كتاب يتحدث عن موظفيه وخدمه. إنه سيكون الموضوع الأوحد لكتابي الثاني الذي سيشتمل على ألف قصيدة، وكل قصيدة تمجد جزءاً من أجزائه. قصيدة عن أسنانه، قصيدة عن لثته، قصيدة عن انتصاراته الحربية، قصيدة عن أنفه، قصيدة عن قدمه اليمنى، قصيدة عن قدمه اليسرى.
المحقق : وما علاقتك بالمدعو تأبط شراً؟ إياك وأن تنكر صلتك به!
الشنفرى : لالا. إنه واحد من أصدقائي.
المحقق : لدينا أدلة تبرهن على أنه يمارس سراً نشاطاً مناوئاً للدولة.
الشنفرى : إنه منذ هذه اللحظة ليس صديقي، ولن أكلمه في أي يوم.
المحقق : بل ستظل صديقاً له، وستراه كل يوم كعادتك، ولكنك إذا كنت وطنياً حقاً، فمن واجبك أن ترفع إلينا تقريراً بكل ما يقوله ويفعله وبأسماء الأشخاص الذين يقابلهم.
الشنفرى : وهذا التقرير.. أتريده يومياً أم أسبوعياً؟ شعراً أم نثراً؟
المحقق : اكتبه كما تشاء، وقدمه كما تشاء. المهم أن يتضمن معلومات مفيدة للجميع.
الشنفرى : أنا أعرف الأسعار التي تدفع للنتاج الأدبي من قبل الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون، ولكني أجهل أسعاركم.
المحقق : اكتب ما يرضينا ويرضي الوطن وستنال ما يسرك.
الشنفرى : والدفع كيف سيكون؟ في داخل البلد أم خارجه؟ وبأية عملة؟ بالدولار أم بالجنيه الإسترليني أم بالمارك الألماني؟

( كتاب " نداء نوح " 1994 )

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ؛’
كُنْتُ أَمْشِيِ بِخِفَّةْ ,
فَاقْتَبَسْتُ شَيْئاً مِنْ ضَوْءِ اَلْقَمَرْ
لِأَنْثُرَهـ عَلَىَ دَرْبِ اَلْعَطَاءِ !
بَيْنمَاَ كُنْتُ أَمْشِيِ وَجَدْتُ نَفْسِيِ فَجْأَةً
فِيِ زِقَاقٍ غَرِيِبْ ...
كَاَنَ اَلنَّاسُ بِهِ مُجْتَمِعِيِنْ ... يُحَمْلِقُوُنَ وَ يُحَدِّقُوُنْ
فِي موضوع رائع لَمْ يَسْبِقْ أَنْ رَأَيْتُ لَهُ >مَثِيِلْ ...
دمت ودام ابداع قلمك ماننحرم من ابداعتك

وَرَقَّ نَسِيِمُ اَلرِّيـِحِ حَتَّـىَ حَسِبْتـُهُ
يَجِـيِءُ بِأَنْفـَاَسِ اَلأَحِبـَّةِ نُعَّـمَـاَ

تَكَرَّمْتَ مِنْ قِبَلِ اَلْكُـؤُوُسِ عَلَيْهـِ</فَمَاَ اَسْطَعْنَ أَنْ يُحْدِثْنَ فِيِكَ تَكَرُّمَـاَ