لم أتخيل ونحن في القرن الواحد والعشرين أن أرى بأم عيني أناسا أحياء يعيشون مع القبور ووسطها تلك مشاهد تعودنا مشاهدتنا في الأفلام خاصة أفلام الرعب والموت والجثث ،
ولكني وصلت إلى مقبرة المعمداني القديمة الواقعة بجوار ميدان فلسطين وسط مدينة غزة وتحديدا خلف مستشفى الأهلي حيث علمت ان هنالك عائلة لا تعيش فقط وسط القبور أو أمامها أو خلفها بل بداخل ساحة بيتها عدة قبور تراها صباحا ومساء..
حيث وسط صمت الموتى كان صوت هشام خالد المغربي (37 عاما) مرحبا بي ومنادياً .. والمغربي رجل طويل القامة رث الحال لم يجد ملجأ يأويه سوى هذه المقبرة بعد هجرتهم من أراضيهم الفلسطينية .
وترى أمام مدخل بيته عربته الخشبية وحماره الأبيض مربوط المتبرع بهما له ، كما وأن أبواب بيته من الصفيح خلفها بطانيات تغطى ما بداخله.
يقول المغربي " أقود العربة صباحا للعمل عليها في النقل ، مقابل أجر زهيد وبالكاد أكسب ما يكفي لإطعام عائلتي"، متسائلا: "من أين سأحصل على لقمة عيشي ولا توجد مؤسسة تساعدتي ومن أين أجد بيتا جديدا وأخرج من هذه البرية ".
والمغربي متزوج ويعيل 8 أبناء منهم 7 أولاد وابنة، أكبرهم يبلغ من العمر 11 عاما وأصغرهم 3 سنوات.. ويقول: "أعيش برحمة الله وعلى معونات أهل الخير الذين يقدمون لي بعض الخضار من طماطم وخيار وغيرها من الأكل" .
"والله لا أحد يعيش مثلي فلا آمن على نفسي أو على أولادي من الثعابين والعقارب والجرذان"
أخذت أتجول في هذا البيت واستمع إلى المغربي حيث وصف حياته بين القبور "بالمفزعة " وقال: "والله لا أحد يعيش مثلي فلا آمن على نفسي أو على أولادي من الثعابين والعقارب والجرذان التي تتسلل لنا يوميا خاصة في ساعات الليل"، واستذكر أنه استطاع ان يقتل ثعبانا قبل أن يؤذي أحدا من عائلته. وكرر عدة مرات " والله أطفالي تمر عليهم أيام لا يناموا بالليل خوفا".
يشار إلى أن مقبرة المعمداني لا ترقد بها جثث الأموات فحسب بل تقطنها عدة عائلات غزاوية لجأت إليها منذ عام 1948 لتكون مأوى لهم رغما عنهم وليس بإرادتهم ولا باختيارهم.
وحسب ما أكدته الإحصائيات أن ما يزيد عن 80% من سكان قطاع غزة يعانون من الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية خاصة من "الأونروا" فيما نسبة البطالة في غزة ما يزيد عن 39.3%.
تجولت في بيته الغريب، وجدنا ساحة صغيرة بها 4 قبور مثبتة راقدة في بيته 3 منها كبيرة مرتفعة، الأول بمجرد أن تدخل تجده أمامك وتجد قبرين متجاورين وأما الرابع فهو مساو مع الأرض، وقد اسودت أحجارهم من القدم ، وغرفة صغيرة بابها يطل على تلك القبور وهي مخصصة للمطبخ وللنوم ولكل شئ، تجد بها أدوات منزلية وفراش. وقال المغربي : "لقد بنى هذه الغرفة لي الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس".
وقال المغربي ايضا: "كل ما أطلبه سكن، أن أعيش ، ماذا أفعل فلا أملك نقودا ولا توجد أي مساعدة ولدى 6 من أبنائي في المدارس وتتوفر كل لوازمهم من أهل الخير ربنا يبارك لهم " ، وحسب أقواله: " لا وكالة الغوث ولا شؤون اجتماعية ولا مؤسسة خيرية تساعدني لتأمين مسكن لي " .
وناشد المغربي "كل الجهات الحكومية وغير الحكومية والخيرية والإنسانية وأهل الخير المساعدة في تحقيق حلمه في توفير مسكن مثل باقي الناس .. وأخذ يصرخ: " لا توجد ناس تعيش بين القبور" .
عائلة المغربي وغيرها علمت من الاهالى الموجودين أن هنالك نحو 20 مسكنا حول المقابر، وهنالك نحو خمسة مقابلها تماما، ويقضوا أوقاتهم بين القبور فلا متنفس لهم سوى هذه الفسحة المحيطة ، فقد رأيت بأم عيني صغارا وأطفالا يلهون هنا وهنالك بين القبور ويتمسكون بها وكأنها باتت لهم لعبة من حجارة .... اقترب المغرب وتركت المكان وقد انتابني خوف وزدت استغرابا على منظر الصغار والأطفال هنا وهنالك بين قبور، بينهم من يبتسم لك ببراءة وآخر يلعب والبعض صامت.. فهل يوجد من يسمع ويرى ويساعد على الأقل من أجل هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم .
-------------------------------------------------
أغرب من الخيال: عائلة غزية تعيش وسط القبور / د. لطفي الياسيني
-------------------------------------------------
الله اكبر......... اعلنها مدوية
هشام خالد .... من قبر يناديني
هشام مع زوجه الاولاد اجمعهم
فوق القبور على موتى المسلمين
في ارض غزة لا احد يساعدهم
على المعيشة .. في وضع المساكين
مذ عام نكبتنا ... عاشوا بمقبرة
قبور موتانا .. في الردهات تبكيني
لا من معيل لهم .. والوضع الزمهم
نوما بمقبرة ........... بين الثعابين
وبين فئران .. جرذان .... تجاورهم
بين الكلاب ... على مرآى الملايين
لا شرب .. لا اكل .. لا اشغال تسترهم
عيش المذلة .......... مذ سبع وستين
لا "الأونروا" او( مقالة) قد تساعدعم
لا سلطة ............ اين اموال البلايين
سلام فياض في منأى ... وقد دفعوا
بالاب ... والام ... نحو الموت بالحين
عاشوا الحياة ... على اموال جيرتهم
اهل المروءات ... من قوم ميامين
يا رب ساعد عبادك انت تعرفهم
احياء ... اموات .. من زمر المساكين
ضحوا ... وجاعوا لكي تبقى كرامتهم
بين الشعوب ......... وقدام الدهاقين
الموت اشرف من عيش ... به ألم
ما بين موت .... وامراض الحساسين
تبا لمن قبضوا الاموال ... قد سرقوا
حقوق شعب ... ومذ اعوام حطين
باعوا ضمائرهم للغرب .... واعتكفوا
عبر القصور .... واحفاد الصهايين
----------------------------
د. لطفي الياسيني
على هذا الرابط
http://www.panet.co.il/online/articles/110/111/S-665822,110,111.html