طبخة الانتخابات حسب الطريقة
المالكيةهيفاء زنكنة
April 19,
2013
اليوم، ستجرى انتخابات المحافظات بالعراق او في بعض محافظات العراق.
ولازالة اي التباس قد يقع فيه القارىء، سأوضح. الانتخابات لن تجرى في اقليم كردستان
(ثلاث محافظات) لأنه شبه منفصل عن العراق، ولا في مدينة كركوك لأنها من المناطق
المتنازع عليها، ولا في الرمادي ونينوى لأنهما من المناطق المعاقبة من قبل نظام حزب
الدعوة المستأثر بالحكم، بشخص أمينه العام، رئيس الوزراء نوري المالكي. مما يعني ان
واحدا من كل ثلاثة أو أربعة من العراقيين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات لن يشارك
في التصويت، وليس بناء على رغبته. وهو شرخ واضح، رغم كونها إنتخابات محلية.
الى
جانب ردع او تغييب مساهمة المواطنين في المحافظات والمدن المذكورة في الانتخابات
هناك جانب ثان لم يسلم من ‘ديمقراطية’ النظام الحالي على الرغم من توقه للمساهمة في
‘بنائها’ وكونه جزءا من العملية السياسية. الجانب المعني هو المرشحين. وقد تميزت
دورة التصويت هذه عن سابقاتها بجمعها المجد من طرفين. فالكل يعلم ان الانظمة
الدكتاتورية تجري الانتخابات بشكل رمزي ولاتمنعها كلية بشرط ان تكون النتيجة لصالح
النظام. وما يفرق بين الانظمة الدكتاتورية والديمقراطية هو التعددية وحماية
المواطنين والمرشحين معا مع توفير الاجواء للتصويت بشكل آمن وحر ونزيه. غير ان ما
يحدث، حاليا، في ظل انتخابات حكومة المالكي لاعلاقة له لا من قريب ولابعيد
بالديمقراطية والشروط التي يجب توفرها في الانتخابات لتوصف بالديمقراطية. ولعل اخطر
انتهاكات الشروط الديمقراطية هي ترويع المواطنين (المنتخبين) أولا واغتيال المرشحين
ثانيا.
حيث تجاوز ترويع المواطنين، الآن، كل ما مر به المواطن في الانتخابات
السابقة التي تمت في فترة شهر العسل ما بين احزاب ‘التحالف الوطني’ خاصة دولة
القانون (بقيادة نوري المالكي) والتيار الصدري (بقيادة مقتدى الصدر) وبحماية المحتل
الامريكي. ولادراك حجم الترويع الذي يتعرض له المواطن، يكفي القاء نظرة سريعة على
نوعية العمليات الارهابية واعداد الضحايا، في الايام الماضية. فخلال يوم واحد، فقط،
استشهد َ واصيب َ أكثر من مائتي شخص بسلسلة ِ تفجيرات استهدفت مناطق متفرقة من
بغداد وبقية المحافظات. ومن باب اعاقة الحياة اليومية، قامت القطعات العسكرية للجيش
في محافظة نينوى بوضع نقاط تفتيش وسيطرات إضافية في الطرق المؤدية من وإلى مركز
مدينة الموصل.
اما بالنسبة الى المرشحين فقد تم اغتيال 17 مرشحا اما بكاتم
الصوت او بواسطة عبوة ناسفة. وامتدت اداة القتل لتشمل بالاضافة الى المرشحين افرادا
من عوائلهم. كما حدث للمرشح نجم الحربي، رئيس كتلة ‘عراقيو ديالى’، الذي قتل مع
اثنين من أشقائه. واغتيلت المرشحة خميسة أحمد البجاري مع زوجها بمدينة الموصل.
واختطف مرشح ووالده وستة اشخاص في محافظة صلاح الدين وأصيب مرشح آخر وقتل سائقه في
صلاح الدين ايضا. وقد نجا من محاولات الاغتيال أربعة من المرشحين ومحافظ نينوى
بالاضافة الى عدد من النواب.
والمفارقة المضحكة ان ردود افعال السياسيين
المشاركين بالعملية السياسية واحزابهم، كلها بلا استثناء، واحدة في جوهرها، مهما
كانت طائفة الحزب او علمانيته. فالكل يمضغ المفردات ذاتها معتقدا ان لغة مخاطبة
الشعب علكة لازالة الرائحة الكريهة من الفم. الكل يدين ‘القتل والعنف السياسي
والطائفية السياسية’. الكل يحذر من ‘الخطر على الديمقراطية في البلاد’. الكل بريء
براءة الذئب من دم يوسف. الكل يعرف من هو المجرم الا انه لا يفصح عن هويته خشية ان
يخسر المنصب ومال العمولات ونسب العقود الوهمية. ولعل اكثر الساسة معرفة بهوية
‘الارهابيين والمجرمين’ هو نوري المالكي نفسه واستنادا الى شهادته امام ابناء الشعب
العراقي في مقابلة تلفزيونية مع قناة ‘العراقية’ والتي اعترف فيها بانه يعرف
المسؤولين عن التفجيرات وانه لو فتح الملفات الموجودة لديه لانقلبت الدنيا ولتلاكم
النواب فيما بينهم غير ان حرصه على العملية السياسية يمنعه من ذلك!
هل من
المعقول ان يصدر كلام مثل هذا من رجل عاقل ولنغض الطرف عن كونه يحتل اعلى منصب
مسؤول في الحكومة؟ ألا يعلم بانه باعترافه هذا اما يدين نفسه قانونيا قبل الآخرين
وبتهم، اقلها، التستر على مجرمين؟ ولا تنحصر الطامة بالمالكي فحسب بل يتبعه في ذات
المسار اياد علاوي، رئيس القائمة العراقية. فبدلا من الانسحاب من العملية السياسية
احتجاجا على ‘اغتيال مرشحي ونشطاء القائمة العراقية الموحدة التي تجري بشكل يومي’،
حسب قوله في مؤتمر صحافي، أكمل وبمنطق لايقل غرابة عن لا منطق المالكي، ‘وهذا ما
يعطينا حافزا لنكمل المشوار’. ترى عن أي مشوار يتحدث علاوي، خاصة وانه شكك، بشكل
استباقي، بنتائج الانتخابات، مؤكدا أن ‘هناك استعدادات لتزوير الانتخابات وخاصة في
يوم الاقتراع الخاصة من قبل جهات معروفة للاستحواذ على العملية السياسية لكننا
سنتصدى لهذه المظاهر’. هنا، ايضا، لايسعنا الا ان نتساءل : وكيف ينوي علاوي بقائمته
المفتتة التصدي لهذا التزوير؟ ولماذا يساهم بانتخابات يعرف مسبقا تزوير نتائجها، ام
انه في حالة سباق مع المالكي للتخلص من المرشحين؟
ماهو الحل؟ ان من يملك الحل هو
الشعب الذي يواصل الساسة تجاهله وتهميشه والاستهانة به. الحل هو ان يقف ابناء كل
المحافظات والمدن سوية. الا تجزأ الحقوق. والاهم من ذلك الا تضيع الحقوق بلوثة
اللامنطق والتضليل في ‘العراق الجديد’. وهذا الحل، بالأساس، بأيدي الشباب والشابات
الذين نشأوا وهم يقاومون الحصار ثم الإحتلال، باساليبهم المتعددة، لأستعادة النسيج
الإجتماعي القديم بألوانه وتركيبته. وكما نلاحظ، اليوم، فانهم يحاولون رسم خارطة
طريق المستقبل باساليبهم، من الإنتخاب الى الأعتصام الى الثقافة والتعليم، لمقاومة
الفساد السياسي واستعادة البلد ممن سلم لهم الإحتلال زمام الإمور في غفلة من
الزمن.
‘
‘ كاتبة من العراق