وجدت فرقة فنون فلسطينية ضالتها في 'غنائية' شعر محمود درويش، وأفلحت في تصميم رقصات خاصة على أنغام كلمات الشاعر الكبير ستعرض يومي الخميس والجمعة القادمين على أحد المسارح في لندن.
وفيما يعكف أفراد فرقة الزيتونة البالغ عددهم نحو 17 راقصاً وراقصة على ضبط خطواتهم على ايقاع شعر درويش في جلسات تدريب مكثفة تسبق العرض القريب، تتصاعد الآمال لديهم بنجاح العرض يدفعهم لذلك ثقتهم في شعر درويش وقدرته على التعبير عن الحال الفلسطينية وتفاصيلها الموجعة.
ويقول مدير انتاج الفرقة سامر علي ان الفكرة برزت بادئ ذي بدء على سبيل احياء الذكرى السنوية الاولى لرحيل الشاعر الكبير الذي غادر عالمنا العام قبل الماضي الا أن الفرقة بامكاناتها المتواضعة وتمويلها الذاتي لم تفلح في مواكبة توقيت الذكرى وان كانت قد ثابرت على تطبيق الفكرة حتى أتمت العمل مؤخراً.
وحسب علي فان العرضين الذين سيقدمان على خشبة مسرح 'وودغرين' وسط العاصمة لندن سيحضره عدد كبير من المسرحيين والمهتمين بالفنون الراقصة في المدينة، وهو ما يحمل في طياته امكان أن يمتد نجاح العرض الى مسارح أخرى أكبر اذا ما أعجب به وتبناه أحد القائمين على هذه المسارح.
وتقوم فكرة العرض على أساس قصصي محوره معاناة أم فلسطينية بطلفين تسعى لتأمين الحياة والأمن لهما بكل الوسائل الممكنة في ظل العراقيل والمنغصات الاسرائيلية.
ويقول كاتب العمل وأحد الراقصين في الفرقة أحمد النجار ان الام في هذا العمل أريد من خلالها الاشارة الى فلسطين ككل وكأم معذبة تسعى لاحتضان أبنائها ولم شملهم في وطن واحد.
قصة بلا حوار
ويوضح أن مصير الام في العمل يشابه مصير فلسطين بواقعها الحالي فأحد أبنائها يذهب شهيداً فيما ينتهي المصير بالابن الآخر وراء أسوار السجون ليبقى رمزاً للأمل الذي يتقد في قلوب الفلسطينيين على اختلاف أماكن تواجدهم في المعمورة.
ويعتبر النجار أن العمل الذي لا يقوم على حوار تقليدي بين أبطاله، بل انه يفتقد للحوار أصلاً مستعيضاً عنه بشعر محمود درويش هو أكبر الاعمال المسرحية التي قام بكتابتها ويأمل أن يكون تغليفه بشعر درويش وصفة سحرية لانجاحه وتوصيله لعقول وقلوب الجماهير في لندن على اختلاف مشاربهم الفكرية والثقافية.
أما مخرج العمل أحمد مسعود فيأمل أن يسلط العمل الضوء على شعلة الامل المتقدة في قلوب الفلسطينيين وليس فقط على مصيرهم الراهن التعس الموصوف بالحصار والمعاناة والألم، فالشاعر الكبير درويش كان نفسه شاعر حياة وأمل مثلما كان شاعر مقاومة وناطق باسم الالم والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في سبيل تقرير مصيره.
وعن صعوبة أو سهولة تطويع شعر درويش في قالب عمل راقص، يقول مسعود ان الصعوبة كانت تكمن في قدسية شعر درويش رغم الطاقة الغنائية الكبيرة التي يتسم بها كما أن العثور على خيوط مسرحية دقيقة تجمع بين متفرقات شعر درويش كان من الامور التي استحقت كل جهد وتركيز.
عمل عولمي
ولفت مسعود الى أن العمل في شكله النهائي اتخذ طابعاً عولمياً فريداً بفضل النزعات الكونية التي تكمن في شعر درويش نفسه، حيث حديث المعاناة والامل في هذا الشعر يشكل مشتركاً عالمياً بين الامم والشعوب على اختلافها، معتبراً أن ذلك سيشكل عاملاً في نجاح العرض المتوقع أن يحضره عرب وانكليز وآخرون من جنسيات أخرى كلهم سيجدون ضالةً لهم فيه.
وشرح في هذا الصدد أن الاخراج استند الى أعمال درويش التي تبتعد عن القطرية والمحلية مثل (سجل أنا عربي) ونزعت نحو شعره الذي يحمل هماً انسانياً عالمياً مثل: أمي، على الأرض ما يستحق الحياة، خطبة الهندي الأحمر..الخ.
وحول ما اذا الشعر الذي سترقص الفرقة على نغماته عربياً كما قاله درويش، لفت مسعود الى أنه سيتم خلال العرض ترجمة المقاطع الشعرية من العربية الى الانكليزية كي يسهل على الجمهور تذوق العمل بالكامل.
وعن النهج المتبع في تصميم الرقصات، قال انه تم الاعتماد على مزيج من الرقصات الشعبية التقليدية سيما الدبكة الى جانب رقصات حديثة تعكس روح الحداثة والتحديث التي تحرص الفرقة على تثبيتها في كل أعمالها خاصةً هذا العمل. وأضاف قائلاً: ان شعر درويش أصلاً جاء ثائراً على النظم التقليدية في الشعر وعليه فمن غير العدل ولا الانصاف حصره في نموذج من الرقصات التقليدية التراثية، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية الرقصات التقليدية في العمل كعنوان ورمز للثقافة الفلسطينية دون اغفالٍ للأذواق ورقصات الشعوب الأخرى.
ويمتد العمل على مدار ساعة ونصف الساعة وسوف تتخللها مقاطع مغناة من شعر درويش وأداء مارسيل خليفة وماجدة الرومي، فيما يؤدي الرقصات على أنغام القصائد المغناة أو الملقاة راقصين من جنسيات متعددة وليس جميعهم فلسطينيون أو عرب ولكن يجمعهم جميعاً الرغبة في العطاء لفلسطين والانتصار لها على طريقتهم الخاصة.
أليكس..هاجر..ثريا
ومن ضمن الراقصات المشاركات في العرض الانكليزية أليكس رامزدون التي سبق وأن زارت فلسطين وشاركت في الرقص مع فرقة 'أصايل' هناك حيث أتيحت لها من خلال ذلك فرصة التعرف على الرقص الفلسطيني التقليدي. والطريف أنها لاتعرف العربية ولكنها كانت قادرة لأن ترقص على نغمات كلمات درويش وهي تقول في هذا الشأن ان زملاءها وزميلاتها في الفرقة ممن يجيدون العربية ساعدوها على فهم واستيعاب المعاني والكلمات ما سهل عليها الرقص على أنغامها.
أما هاجر ناصر فقالت انها سعيدة للمشاركة في العمل الذي تراه كنمط جديد من الابداع يضيف الى تجربتها في الرقص خاصةً وأن هذا العمل الجديد للفرقة يجاوز النمط التقليدي من دبكة وغيره ويطير بها الى فضاءات أخرى من الرقص غير التقليدي.
وترى ثريا علي أن العمل الجديد الذي تؤديه الفرقة على أنغام شعر درويش يشكل انطلاقة جديدة لها، وقد أضاف ذلك اليها كثيراً خاصةً وأنها أمضت نحو 16 عاماً في رقص الباليه وكانت تتطلع الى آفاق أرحب في عالم الرقص الى أن وجدت الفرصة في العرض الجديد. وقالت ان العمل الجديد يشكل علامة فارقة في تاريخ الفرقة الذي يمتد لأكثر من خمس سنوات لأنه خرج من اطار الرقص المجرد الى الرقص المحكي الذي يعتمد القصة محوراً له.
يعمل أعضاء الفرقة على قدمٍ وساق من أجل عرضٍ ناجح بعد أيام قليلة وهم يفعلون ذلك بكل حماس وايمان واخلاص كما كانوا دائماً الا أن هذه المرة بالنسبة اليهم أكثر من كل مرة سابقة فرغبتهم في العطاء لفلسطين أقوى وأملهم في شعر درويش أكبر ولكن الحكم الأول والأخير سيكون لجمهور العرض.