تعقيباً على التحقيق الموسع الذي نشرته وجهات نظر حول البرنامج الذي أنجزته قناة BBC 2 الانجليزية وما تعرض له حديث السيد وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري الحديثي من اجتزاء وتحريف ضمن هذا التحقيق، كتب لنا اللواء حسام محمد أمين مدير عام دائرة الرقابة الوطنية، المكلفة بالتنسيق مع فرق التفتيش الدولية، الرسالة التالية، التي تكشف التشويه الحاصل في حديثه للبرنامج ذاته. الاخوة المحترمون في وجهات نظر تحية طيبة في منتصف شهر اكتوبر/ تشرين أول الماضي تمت مقابلتي لإجراء برنامج عن حرب العراق في ذكراها العاشرة من قبل نفس الصحفي الذي أجرى المقابلة مع السيد وزير خارجية العراق الدكتور ناجي صبري الحديثي، الا انه وللاسف تم تقطيع ما تحدثت به اليه، وتمت إعادة ترتيب الجمل حسب هوى الصحفي، بحيث يلمس المتلقي انني كنت أتحدث عن إخفاء مستمر لأسلحة الدمار الشامل إلى ما قبل العدوان الأميركي وإحتلال العراق مباشرة، وهذا غير حقيقي على الإطلاق، كما سأشرح لاحقاً، كما تم التركيز على جملة أخرى ذكرتها أثناء المقابلة وهي أن السيد الرئيس صدام حسين كان يريد كسب الوقت.
وهكذا تم إختصار المقابلة التي إستغرقت نحو ساعة كاملة إلى دقيقة أو دقيقتين فقط بعد ان قطَّع منتج البرنامج وجمَّع من الجمل ما يحلو له وأهمل الباقي كلياً، ما ألحق ضرراً كبيراً بروايتي الحقيقية للحدث.
وللحقيقة أود ان أوضح بأنني لم أكن راغباً بإجراء هذه المقابلة لأنني، والله يشهد على ما اقول، كنت متخوفاً وقلقاً ان يحصل ما حصل من تغيير وتحريف. وبعد إلحاح الصحفي نفسه وبعض الأصدقاء فقد اشترطت أن أتلقى الاسئلة مكتوبة وأن أختار منها ما أوافق عليه، كما اشترطت أن لا يتم اجتزاء بعض الجمل وإعادة لصقها بحيث تعطي معاني غير حقيقية، كما انني اشترطت أن أقدِّم إجاباتي باللغة العربية.
وبعد موافقة الصحفي على شروطي وافقت على المقابلة بهدف إيضاح الحقائق وكيف ان الولايات المتحدة الامريكية وأداتها اللجنة الخاصة – اونسكوم – ومن ثم –انموفك – ومفتشيها وكذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية قاموا بدور قذر في التمهيد لاحتلال العراق وتدميره من خلال إبقاء ملفات البرامج السابقة لأسلحة الدمار الشامل العراقية مفتوحة كذريعة لهذا العدوان الصارخ الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً، وقد شرحت ذلك بالتفصيل أثناء المقابلة، وشبهت استراتيجية المفتشين في التعامل مع العراق في ذلك الوقت بقيامهم بإبعاد عارضة مرمى كرة القدم كلما اقترب الجانب العراقي من تسديد الكرة إلى شباك المرمى وتحقيق الفوز عليهم، لكي يبقى الحصار الاقتصادي مستمراً من خلال عدم تطبيق الفقرة 22 من قرار مجلس الامن الدولي 687 (1991). وكانوا يبعدون مرمى الهدف من خلال تقديم طلبات تعجيزية أو توجيه أسئلة تفصيلية ثانوية لا علاقة لها بمهامهم.
وخلال مقابلتي مع الصحفي ضربت الكثير من الامثلة العملية على تعمد فرق التفتيش ومن وراءها في إطالة فرض الحصار الشامل على بلادنا، الا ان كل ما قدمته من أمثلة وشواهد أهمل تماماً، ولم يظهر في تسجيل المقابلة.
وضمن الاجابة عن أسئلة تتعلق باتهام العراق بإخفاء أسلحة الدمار الشامل قلت: لم يكن هناك أي إخفاء بعد نهاية عام 1991. وان الإخفاء الوحيد الذي حدث كان لبضعة أشهر بعد وقف اطلاق النار رسمياً في أبريل/ نيسان 1991 ولغاية شهر أغسطس/ آب من نفس العام، وذلك لوجود خطر وتهديد إيراني بالعدوان على العراق، فتم الاحتفاظ بـ 85 صاروخاً وكمية من العوامل الكيمياوية، إضافة الى عدم الاعلان عن البرنامج البايولوجي التسليحي. ولكن وبانتهاء التهديد الايراني قررت القيادة تدمير كل هذه الأسلحة المخفية من طرف واحد والتخلص منها إلتزاماً بقرارات مجلس الامن الدولي.
ولم يعلن العراق عن هذا الاخفاء المؤقت والمبرر أو عن عملية التدمير، من جانب واحد، في حينه لعدم ملاءمة الظروف السياسية آنذاك، ولكنه أعلن عن كل التفاصيل بعد أشهر قليلة وبالتحديد في فبراير/ شباط عام 1992 حتى ان رئيس اللجنة الخاصة رولف إيكيوس رحَّب كثيرا بالإعلان العراقي وقال: انه يتطابق تماماً مع ما لدى اللجنة من معلومات. وبهذا انتهت قصة الإخفاء التي تحقَّقت منها اللجنة الخاصة بالكامل في نفس العام اي في سنة 1992.
وسألني الصحفي: لماذا لم توثَّق عملية التدمير نفسها؟ فأجبته بأن ذلك كان بقرار من حسين كامل لأنه كان يخشى من تسريب أي من هذه الوثائق لأنها دليل على الإخفاء، ومع ذلك فقد قدَّمنا للجنة الخاصة وثائق داعمة وهي عبارة عن مذكرات شخصية لبعض الضباط والفنيين الذين نفذوا عملية التدمير الأحادي الجانب.
كما تم البحث عن أجزاء الصواريخ المدمَّرة، واستخراجها من مواقع الطمر، وتجميعها من جديد، وتم حسم هذا الموضوع، بشكل كلي تقريباً.
كما سألني الصحفي عن لقاءاتي مع السيد الرئيس صدام حسين قبل الاحتلال مباشرة فقلت له: كان لي لقاء واحد فقط ،وكان ذلك بعد قبول العراق بالقرار 1441 إذ أمر بحضوري لوحدي وسألني عن أداء هيئة التصنيع العسكري وانجازاتها وهل هناك مبالغة بالتقارير التي ترفع إليه وخصوصا فيما يتعلق بتصنيع صاروخ الصمود، وكذلك عن الموقف مع الامم المتحدة، وعن إجراءاتنا للتهيؤ لعودة المفتشين.
وسألني الصحفي: هل كان الرئيس يتوقع نشوب الحرب؟ فقلت له: نعم حتى انه قال بأن الحصار لن يرفع بقرار من مجلس الامن الدولي وان امريكا وبريطانيا فقدتا اتزانهما لأنهما بدأتا تدركان بأن الحصار بدأ يتآكل وانه وافق على القرار الاخير،1441، لكي يعطي مجالاً للنشاط الدبلوماسي والسياسي ليأخذ مداه، لأن ذلك سيؤدي الى كسب الوقت بغية إبعاد شبح الحرب أو تأجيلها، وفي هذه الاثناء، أي في فترة التأجيل، ربما تظهر على الساحة السياسية متغيرات جديدة تعمل على إلغاء إحتمالية الحرب وتجنيب العراق وشعبها شرورها.
وعلى الرغم من إجاباتي التفصيلية على هذا الموضوع الا ان الصحفي لم يأخذ منه الا كلمتين، وهي ان صدام حسين كان يريد كسب الوقت، دون الاشارة متى كان ذلك للاسف الشديد.
ان الحقيقة التي يعرفها الجميع اليوم، وباعتراف ساسة دول العدوان، ان العراق لم يكن يخفي أيا من الأسلحة المحظورة ولا مكوناتها ولا وسائل تصنيعها، وان دعوى امتلاك العراق لتلك الاسلحة والبرامج المحظورة لم تكن الا كذبة خسيسة وجريمة بشعة أريد لها ان تبرر غزو العراق واحتلاله وقتل شعبه وتدمير مرتكزات حضارته ونهضته. |