في ذكرى النكبة: رسالة إلى عمرو موسى
عبد الحميد صيام
5/18/2010
أوجه هذا المقال أساسا للسيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو على أبواب وداع ولايتين من قيادته الفاشلة بامتياز للجامعة والتي أصيبت في عهده بالعجز والهوان والفرقة ولم ينجح سيادته في حل أي من أزمات هذه الأمة لا في فلسطين ولا العراق ولا دارفور ولا اليمن ولا لبنان ولا الصحراء الغربية. ففي شهر أيلول (سبتمبر) القادم سيغادر سيادته المبنى التاريخي في قلب القاهرة ليعطي المجال لأمين عام جديد، إلا إذا كان إعلانه بعدم الترشح لدورة ثالثة من نوع إعلانات الرؤساء العرب (علي عبد الله صالح ومحمود عباس مثلا) الذين يستعملون هذا التكتيك كوصفة سريعة وجاهزة للتجديد لدورة جديدة والبقاء في المنصب إلى أجل غير مسمى.
وبما أن فترتي أمانة عمرو موسى لم تتركا أثرا يذكر يسجل لصاحبهما وظل، كما كان يصر أحد أصدقائي المصريين، أن يسميه 'ظاهرة صوتية' أو 'تسمع منه جعجعة ولا ترى طحنا' سأقدم له في هذه المقالة خشبة نجاة ستسجلها له الأجيال العربية القادمة تحت اسم 'مشروع عمرو موسى للتوعية القومية بالنكبة' إن نجح في اعتمادها.
أقترح عليك أن تتقدم بمشروع متكامل لإبقاء ذكرى النكبة حية لدى جميع العرب الأحياء منهم والذين سيولودون، جيلا بعد جيل، صغارا وكبارا، أميين ومتعلمين شبابا وشيبا رجالا ونساء. مشروع التوعية هذا يجب أن تلتزم به دول الجامعة العربية ويتم التوقيع عليه بالإجماع ويترجم إلى برنامج عمل شامل يحول النكبة إلى ثقافة شعبية شاملة من طنجة والصويرة والعيون غربا إلى المنامة وأم قصر والبصرة وحلبجة شرقا ومن، زاخو والقامشلي شمالا إلى جوبا ومقديشو وعدن جنوبا. بعد مناقشة المشروع وتعديله وتوسيعه أو تضييقه قليلا من قبل المندوبين الدائمين للجامعة يتم عرضه على مجلس الوزراء لاعتماده ورفعه إلى مؤتمر القمة القادم لإقراره نهائيا كمشروع للتوعية القومية حول النكبة ويتم تأسيس مكتب مستقل وبتمويل شعبوي غير مشروط لمتابعة تنفيذ هذا البرنامج.
مشروع التوعية القومية
نقترح أن يتضمن مشروع التوعية هذا، بعد التعديلات والإضافات، الأمور التالية:
1. يعتبر شهر آيار (مايو) بكامله شهر النكبة والخامس عشر منه يوم النكبة. خلال هذا الشهر تقام الأنشطة في كل مكان. المسارح تخصص الجزء الأكبر من عروضها عن القضية الفلسطينية، ودور السينما تعرض الوثائق والأفلام المخصصة للقضية، وتقام المعارض الفنية والرسومات في كل مكان. يتسابق المطربون في إحياء الحفلات الوطنية وجمع التبرعات لصندوق إحياء ذكرى النكبة ومساعدة المنكوبين. الجامعات تنظم العديد من المؤتمرات الخاصة بالنكبة، والمدارس تخصص جزءا من الحصص للتثقيف حول النكبة بعرض الوثائق والصور واستضافة المتكلمين. وتقدم جوائز للطلبة الذين ينظمون أفضل قصيدة في النكبة وأفضل قصة قصيرة وأفضل موضوع إنشاء وأفضل بحث علمي.
وفي هذا الشهر تعقد المنظمات غير الحكومية المعنية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات سلسلة متواصلة من المؤتمرات والأنشطة المتعلقة بكافة جوانب النكبة. وعلى الدول المضيفة للاجئين أن تسهل عقد الأنشطة والمهرجانات الشعبية والمؤتمرات داخل الـ 56 مخيما التي تضم مئات الألوف من ضحايا النكبة. وعلى دول الأطراف تنظيم زيارات التضامن الحقيقـــية مع ضحايا النكـــبة والقيام بمعاينة لمناطق الحدود في رفح وجنوب لبنان والقنـــيطرة وغور الأردن لرؤية فلسطين المحتلة والتكحل بأرضها وجبالها وهضابها وسهولها واستنشاق هوائها العليل. ولا بأس من زيارات إضافية لمشاهدة الجولان المحتل ومزارع شبعا المحتله والشريط الجنوبي المحرر.
أما يوم الخامس عشر نفسه فيجب أن يتحول إلى يوم خاص لإحياء ذكرى النكبة وذلك بتخصيص بث إذاعي وتلفازي متواصل لمدة 24 ساعة. تتضمن البرامج عرض الوثائق والأفلام والتمثيليات واستضافة الخبراء وعقد الندوات والبرامج الحوارية وتنظيم حفلات التبرعات التي يشرف عليها كبار الفنانين والمثقفين والصحافيين والسياسين. يجب استضافة أكبر عدد ممكن من صانعي الرأي، عربا وغير عرب، في البرامج والندوات والمهرجانات. كما يتم توزيع جوائز رمزية لأكثر الناشطين دفاعا عن القضية المركزية.
2. يتضمن المشروع تخليد أسماء مدن فلسطين وقراها المدمرة عن طريق تسمية شوراع ومؤسسات عربية وجامعات ودور بحث ومعالم سياحية ومبان حكومية وفرق رياضية بتلك الأسماء. ليس فقط الأسماء الكبرى كالقدس ويافا وحيفا وعكا واللد والرملة وطبريا وبيسان وعسقلان بل وكافة القرى والضيع والخرب والأكفار إحياء لتلك القرى الخمسمئة التي تم محوها عن الوجود. فتمر من شوارع الدار البيضاء أو صنعاء أو المنصورة أو طرابلس أو حلب أو الموصل أو الدوحة أو الكويت أو سوسة أو بحر الغزال أو إربد أو زحلة لتشاهد شارع عيلبون أو المسمية أو عارة أو أم الفحم أو جمزو أو المغار أو المنصورة أو الخضيرة أو أسدود وغيرها المئات.
كل جامعة تختار اسم مدينة أو قرية تسمي واحدة من كلياتها باسمها وكل مسجد أو كنيسة أو معهد أو ناد رياضي يُســــمى بـــنفس الطريقة. بل وأقترح أن تدخل تلك الأسماء إلى ثقافات الأطفال من خلال ألعاب أو أنواع من الحلوى أو الملابس أو الـــحدائق. فمثــلا يقوم اليوم ثلة من الشباب الموريتاني بزيارة حديقة عكا ثم يأكلون في مطعم الناصرة، وتقوم عائلة من اليمن بزيارة متحف بيسان ثم يشربون القهوة في مقهى الرملة، وفريق رياضي عماني يدعى شباب عكا يقضي فترة تدريب في نادي الجليل ثم يذهبون معا إلى دار سينما 'المجدل'.
3. إدخال تعديلات أساسية في المناهج الدراسية، المدرسية منها والجامعية. على الطلبة العرب من محيطهم إلى خليجهم أن يتعلموا منذ الحضانة وحتى آخر المراحل الدراسية كل ما يتعلق بقضية العرب المركزية وبالتحديد مرحلة النكبة وما تلاها من تدمير المجتمعات الفلسطينية والعربية وعن الحروب التي لم تتوقف ليوم واحد حتى هذه اللحظة بين إرادتين: الفرض والهيمنة مقابل الصمود والتحدي. عليهم أن يعرفوا أسماء المذابح من دير ياسين إلى حي الزيتون في غزة ومن بحر البقر إلى قانا ومن قصف مقر منظمة التحرير في تونس إلى ضرب المفاعل النووي العراقي ومن إسقاط الطائرة الليبية عام 1972 ومقتل كافة ركابها بمن فيهم صالح بويصير وزير الخارجية الليبية إلى الإسماعيلية التي استشهد قربها القائد العظيم عبد المنعم رياض في التاسع من آذار (مارس) 1969 ومن مدينة القنيطرة إلى مرجعيون ومخيمي صبرا وشاتيلا، ومن قبية إلى السموع ومن الطنطورة إلى الدوايمة. على الطلبة أن يعرفوا خارطة الوطن العربي ويتعرفوا على مكان القلب فيه، ثم يتعلموا كافة أسماء المدن والقرى والسهول والجبال والمواقع الإسلامية والمسيحية . تنمو معهم القضية من العام إلى التفصيل إلى أشد التفاصيل. يتعرفون على الكتاب والشعراء والمؤرخين والمناضلين والشهداء . عليهم أن يحفظوا غيبا أسماء الشهداء مثل عز الدين الدين القسام وعطا الزير ومحمد جمجموم وفؤاد حجازي ومحمد أبو دية وعبد الرحيم محمود وعبد القادر الحسيني وغسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار ودلال المغربي، ويوسف عرابي وممدوح صيدم وخليل الوزير وماجد أبو شرار ونعيم خضر وعز الدين القلق وسعد صايل وسعيد صيام وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وجمال شحادة ويوسف ريحان (أبو جندل) وأبو علي مصطفى والآلاف غيرهم. على أطفال الأمة وأجيالها أن تعرف أسماء جميع المعارك والمواجهات والانتفاضات وحروب الاستنزاف والعمليات العسكرية الصغرى والكبرى. وعلى كل مدرسة أن تختار مشروعا يصب في هذا الميدان كأن تخلد على لوحة أسماء شهداء مخيم جنين أو شهداء غزة أو شهداء المواجهات في لبنان أو مصر أو الأردن أو سورية، أو أن تجمع أسماء وصور الشهداء العرب من غير دول المواجهة. على الطلبة أن يتخرجوا من المدارس العربية وهم يتقنون تفاصيل القضية ويُمتحنون فيها مثل الرياضيات والعلوم والتاريخ.
4. النقطة الرابعة والأخيرة، إدماج دول الجوار في زخم الأنشطة المتعلقة بذكرى النكبة وعلى رأس تلك الدول، على رأي الأمين العام نفسه، تركيا وإيران. ولكن على الأمة أن توسع المشاركة لتشمل دولا صديقة كاليونان وقبرص وباكستان وإريتريا وغيرها. يدعون للمشاركة في نشاطات الوطن العربي وينظمون أنشطة عديدة في بلدانهم بمشاركة من الجامعة العربية والقوى العربية الحية. على هذه الظاهرة أن تتسع لتشمل قطاعات واسعة مؤيدة للحق العربي في جميع الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية والعالم بأسره. إن وقفة موحدة صادقة لكل العرب ستجمع حولها كل القوى الشريفة المناصرة للحق والخير والعدل في العالم.
النتيجة: مواجهة دائمة
السيد الأمين العام، لم تكن الأمور بأسوأ مما هي عليه الآن بسبب ارتفاع حدة الهجمات على الأمة وعجز أو تآمر النظام العربي الرسمي التي تمثله جامعتكم.
كيف يعقل أن نرى غزة تحاصر وتجوع وتعزل عن العالم وتقام الأسوار الألكترونية حولها من الأعداء والجدران الفولاذية تحت الأرض من الأهل لإتمام حلقات الحصار، ومع هذا ' فكل شيء هادئ أو هادئ أو هادئ لدى العروبة' كما قال محمود درويش.
إذن وأنتم على وشك إسدال الستار على ولايتكم الرديئة لجامعة عاجزة تفعلون خيرا لو أنكم تبنيتم هذا المشروع التثقيفي التعبوي للأمة، فأقل ما يمكنكم عمله أن تساهموا في غرس نبتة الالتزام برفض الكيان الغاصب العنصري على كافة المستويات. فعلى هذا الكيان السرطاني أن يعرف أنه في مواجهة دائمة لا تكل ولا تلين مع الأمة بملايينها الثلاثمئة والخمسين الآن وملايينها السبعمئة في السنوات الأربعين القادمة.
' أستاذ جامعي وكاتب مقيم في نيويورك