ثار المصريون فلم لا يثور العراقيون؟
هيفاء زنكنة
July 5, 2013
يراقب العراقيون ما يجري في مصر من احداث متسارعة أدت الى تغيير حكومة منتخبة لم يمر على تسلمها الحكم غير عام واحد، والغاء لدستور تم التصويت عليه بالموافقة من قبل ثلثي الشعب، ويتساءل بعضهم بحسرة: لماذا لايثور العراقيون؟ لماذا لا يطوقون المنطقة الخضراء، حصن النظام الفاسد وسفارة الاحتلال وكل ما يمثل استغلال الشعب، ليتخلصوا منها وما تمثله؟ ألم يبلغ الفساد المستشري بين المسؤولين، ابناء العملية السياسية التي رسمها المحتل، على اختلاف قومياتهم وطوائفهم، حدا جعل العراق يحتل اعلى المراكز في قائمة الفساد في العالم؟ ألم يتسلل الفساد السياسي والمالي والاداري الى كل دقائق الحكومة ليهيمن على حياة الناس اليومية ويحول ابناء الشعب الى رهائن تساوم وتقايض لتبقى على قيد الحياة؟ ألا يكفي المليون مواطن الذين قتلوا جراء تعاون ساسة اليوم مع قوات الغزو؟ فلم لايثور الشعب؟
هذه التساؤلات الهادفة الى البحث عن نقاط التشابه بين الوضع المصري والعراقي ستجعل من الوضع المصري، على ترديه الاقتصادي والسياسي، فردوسا . مما يجعلني اشير الى ايميل تلقيته منذ ايام، من الصديق عماد خدوري، يضم رابطا للقاء مدته عشر دقائق يتحدث فيها احد المواطنين عن فساد المسؤولين في برنامج بعنوان ‘سوالف آسيا’، على قناة آسيا الإخبارية التي لم اسمع بها سابقا. وانصح القراء بالاصغاء لصوت المواطن النابع من اعماق قلبه كممثل لابناء الشعب. يضم الايميل، ايضا، كارتونا لامرأة عراقية ترتدي السواد الذي بات كانه زي رسمي، قائلة بمرارة: ‘شكوت همي للبحر طلع السمج (السمك) يلطم’. ولكي نفهم سبب لجوء المرأة والرجل الى اللطم في ظل النظام السياسي الحالي، لننظر الى الاحداث المفجعة التي يعيشها المواطن خلال يوم واحد فقط وفقدانه لابسط حقوق الانسان، وهي حق الحياة والأمان، ففي مساء يوم الثلاثاء 2 تموز/يوليو، مثلا، وحسب راديو دجلة،
‘وقعت انفجارات ارهابية بمناطق مختلفة من بغداد والعراق وادت الى مايلي : في منطقة الشعلة، شمال شرق بغداد، 6 شهداء و16 جريحاً . في منطقة الشعب، شمال غرب بغداد، تفجير في مجمع طبي أسفرتا عن استشهاد شخصين وإصابة 14 آخرين. في الكمالية، شرق بغداد، استشهد خمسة اشخاص واصيب 15. في الدورة، جنوبي بغداد، استشهاد 4 أشخاص وإصابة 13 آخرين. في الرحمانية، شمال غربي بغداد، استشهد ستة مدنيين واصيب 20 اخرون. في حي عدن، شمال شرقي بغداد، استشهد اربعة مدنيين واصيب خمسة عشر اخرون. في ابو دشير، جنوبي بغداد، استشهد مدنيان واصيب 10. في العامرية، غربي بغداد، استشهاد اربعة اشخاص وإصابة 16 آخرين. في الطوبجي، شمال غرب بغداد، استشهاد شخصين وإصابة 12 آخرين. في ابو غريب، غربي بغداد، انفجار سيارة في مدخل سوق شعبي، أسفر عن استشهاد 3 أشخاص وإصابة 14 آخرين. في محافظة المثنى سيارة ملغومة انفجرت، أسفر عن استشهاد 3 أشخاص وإصابة 13 آخرين. في محافظة ميسان، سيارة ملغومة انفجرت، أسفرت عن سقوط شهيدين وجرح خمسة أشخاص. في ديالى، افجر عبوة ناسفة على مقربة من مجلس عزاء مما أسفر عن استشهاد شخص وإصابة 19 آخرين. في البصرة انفجرت سيارتان ملغومتان مقابل البوابتين الامامية والخلفية لفندق مناوي باشا وسط المحافظة.
ألا تستدعي هذه التفجيرات الاجرامية المروعة في ظل حكومة اقطاعيات منهمكة بالنهب والفساد ان تكون سببا لثورة لاتنطفئ شعلتها الا بتغيير النظام وتحقيق العدالة واستعادة الكرامة؟ فلم لايثور العراقيون، خاصة وانهم جميعا يشكون، دوما، من الفساد وما يتعلق به من جرائم، ومن سرقة ثروة الشعب بينما يعيش الكثيرون على ما يلتقطونه من النفايات في بلد أصبح وارده النفطي الأعلى في تاريخه؟ فلم لايثور العراقيون… هل صحيح ما يردده البعض عن تخلف الشعب وانقياده الأعمى الى سلطة دغدغت حواسه طائفيا واشترت قادته ماديا أم أن هناك حكمة لدى شعبنا في إختيار اللحظة، وصياغة الشعارات والأهداف، وخلق أساليب جديدة للتواصل والإحتجاج والمقاومة مع إستعادة النسج الإجتماعي لنفسه؟ ألسنا بحاجة الى التأمل بعد تجارب مريرة في الإنقسام وخيبات الأمل والخديعة، كي لا تجير التضحيات لمصلحة هذا الفريق السياسي الانتهازي او ذاك؟
ان من يلجأ الى توجيه تهمة التخلف الجاهزة استعلاء على الشعب، عاجز عن فهم تأثير العقود السابقة على المواطن، سياسيا واقتصاديا، والاهم من ذلك كله نفسيا ومجتمعيا. لقد عاش المواطن المولود في السبعينات ثلاثة حروب مدمرة على كل المستويات. فمن الحرب العراقية الايرانية (1980 1988)، الاطول في القرن العشرين، الى حرب الخليج الاولى (1990) باسلحة دمارها ذات المدى البعيد، والحصار أو 12 عاما من الأبادة الجماعية، الى الغزو والاحتلال (2003) وما تلاها من حكومات ظل لامريكا وايران.
ان كل حرب من هذه الحروب كفيلة بتعريض الانسان الى الكآبة والانهيار النفسي وتحديد نظرته الى المستقبل، واصابته بالعزلة المجتمعية، وجعله متخوفا من اخذ زمام المبادرة خشية تعريض حياته وحياة الآخرين للخطر والهلاك. فكيف بالانسان اذا ما خضع لثلاث حروب خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا؟
وكأن الحروب لم تكن كافية، فكان للاحتلال وحكوماته معتقلاته وتعذيبه ووحشية ممارساته من قصف جوي الى العقوبات الجماعية. هنا، على الرغم من كل معاناته الجسيمة، اختار العراقي ان يسلك طريقا أذهل العالم. اختار ذلك الانسان المنهك المتجذر بارض العراق الا يرحب بالغزاة، كما توهموا بالزهور والحلويات. اختار وهو الناشد للحرية والكرامة المقاومة بديلا للخضوع والاستسلام، مقاتلا عتاة مجرمي الحروب متمثلة باكبر قوة عسكرية في العالم، مجبرا المحتل على جر ذيول الخيبة الى قواعد ترضى به.
ويقول البعض: لماذا لايثور العراقيون؟ والجواب هو: ومتى سكت العراقيون على الظلم والطغيان؟ ماذا عن التظاهرات والاعتصامات المستمرة في ارجاء البلاد منذ 2003 وحتى اليوم على الرغم من كل اساليب القمع والترويع والقتل؟ ماذا عن المجازر العديدة؟ عن المدن التي هدمت؟ عن حملات التهجير القسرية؟ اليست هذه كلها نتيجة مقاومة الشعب واحتجاجاته؟ ماذا عن انتفاضة ساحة التحرير في 2011 وعن اعتصامات خمس محافظات منذ 22 كانون الاول/ ديسمبر 2012 وحتى اليوم ؟
فهل هذه استجابة شعب متخلف؟ في لحظات انتظارنا للتغيير، علينا ان نستعيد ما مر به شعبنا، سابقا، وانعكاساته على مايمر به، حاليا، وان نحيي مقاومته الحية، بكافة مستوياتها، مذكرين انفسنا بان قضاء يوم واحد في اعتصامات العراق يعادل شهرا من اعتصامات بقية البلدان.
‘ كاتبة من العراق