بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المسألة الكردية.. بعد التضخيم والانتفاخ.. إلى أين؟!
شبكة البصرة
د. أبا الحكم
المدخل:
يتشكل "الشرق الأوسط" من ثلاثة عناصر أساسية فاعله يقوم عليها التوازن الإقليمي. وهذه العناصر هي (العرب والأتراك والفرس).. ومن هذا الواقع الـ(جيو- إستراتيجي)، تأتي القوى العظمى والكبرى لتتبنى سياسات من شأنها أن تحيط العناصر الثلاثة باهتمام خاص، طالما تقع الجغرافيا- السياسية للمنطقة على خطوط (النفط والغاز) وكذلك خطوط المياه، إذا جاز التعبير، من جهة، وعلى مقترب الأمن الإسرائيلي من جهة ثانية.
في خضم تفاعلات هذا الواقع وعناصره الناشطة، تأتي المسألة الكردية لتشكل ورقة للضغط في المعادلة الإستراتيجية، طالما اتخذت أبعاداً إقليمية منذ عقد السبعينيات وباتت ساحة مفتوحة عرضة للاستغلال، ليس في الساحتين (التركية والإيرانية) إنما في الساحة العراقية حصراً.. أما الساحة السورية فكانت مجالاً لتجاذبات الحركة التركية وحركة سلطة شمال العراق، على خلفية الصراع لإنهاء حكم السلطة في دمشق.
وقد اتضح خلال العقود المنصرمة أن البنية الـ(جيو- إثنية) للمسألة الكردية باتت مستغلة من قبل القوى العظمى والإقليمية على حد سواء، خاصة في إطار نوعين من الصراع، الصراع الإقليمي، والصراع مع الدول العظمى والكبرى.. بمعنى تستخدم الورقة الكردية إذا نشب صراع بين دولتين إقليميتين.. كما تستخدم هذه الورقة إذا برز صراع بين دولة إقليمية وأخرى عظمى أو كبرى، الأمر الذي وضع المسألة الكردية بين مد وجزر السياسات الإقليمية والدولية ومصالحها القائمة والمحتملة، فيما كانت القيادتان الكرديتان تربطان حركتهما دائماً بقوى خارجية وفي مقدمتها (إسرائيل)، وكما هو معروف الزيارات المتكررة لزعيم الحركة "ملا مصطفى البرزاني" الأب وعمق علاقته بـ"غولدا مائير" رئيسة وزراء الكيان الصهيوني، وبوزير الدفاع " موشي دايان"، كما ربطت حركتهما بـ شاه إيران، حتى أن زعيم الحركة الكردية الأب كان يتلقى راتباً مجزياً من الشاه كلما شهر سلاحه بوجه الحكم الوطني في بغداد.!!
ويبدو أن المسألة الكردية في هذا الإطار هي الخاسر الوحيد في لعبة المصالح، طالما تلجأ القيادتين الكرديتين إلى تأويل انتصارات سياسية مؤقتة على أنها انتصارات دائمة أو نهائية ومضمونة، الأمر الذي يجعل بنيتها السكيولوجية مبعثاً لتداعيات تخلق أنماطاً من السلوك المركب (الانعزالي- الثأري- العنصري الانغلاقي)، في محيط كبير وواسع وتاريخي لا يستسيغ مثل هذا السلوك ولا يتعاطى معه بطريقة الانتقاص من قيمة المصالح الإقليمية ومن القيمة التاريخية للواقع الـ(جيو- سياسي).
ومن خلال هذا الواقع الـ(جيو-إثني- سياسي) للمسألة الكردية يستمر القلق من توجس مخاطر أو توقع حالة انتقام قد تظهر مباشرة أو كرد فعل الدولة العظمى أو الكبرى التي قد تحاول أن تحافظ على فرص التدخل في المنطقة بشكل عام وفي المسألة الكردية بشكل خاص، فهي قادرة على أن تخلق صراعات من أجل التدخل، وتحاول أن تخل في توازن القوى من أجل فراغات أمن لغرض التدخل إذا اقتضت مصالحها.
كما أن هذه القوى تعمل على إدامة الصراع بين قوى المنطقة عن طريق الدعم السياسي واللوجستي للطرف الذي يشكل نقطة الإخلال في التوازن من أجل امتلاك القدرة على أن يكون لاعباً في صراع.. والإشكالية في المسألة الكردية أنها تحيط نفسها بوهم اقترابها من تحقيق طموحاتها على خلاف ما يجري من تصاعد صراعات واحتقان مواقف تجد شعوب المنطقة نفسها تخسر الكثير من دمائها ومواردها وطاقاتها على كل الصعد وفي كل صراع.
القوى الخارجية لا تحل أزمة في المنطقة، بل على العكس أنها تصنع الأزمات من اجل تمرير سياساتها وتحويل تلك الأزمات إلى أوراق ضغط تمارسها في سياستها الخارجية.. ومن السذاجة الاعتقاد بأن القوى الكبرى تضطلع بدور من لديه مفاتيح لحل المشكلات (قضية فلسطين معلقة منذ عام 1948) و(قضية سبته ومليليه المغربية) و (قضية الصحراء المغربية) و (قضية الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي)، لم تبدي أمريكاً جهداً حقيقياً لحلها، فضلاً عن (قضية الاسكندرونة) و (قضية المدن والأراضي والمياه العراقية) المحتلة من قبل إيران.
الحقيقة المعروفة، أن من يمتلك القدرة على أن يلعب دوراً على الأرض أكثر فاعلية سيحظى باهتمام كل الأطراف ويكسب دعماً من نوع آخر، ومن أحد الأطراف، الذي يوفره من أجل إدامة الصراع.. وكما أن الذي يتراجع دوره قد يحظى أيضاً باهتمام البعض، لكي يمتلك القدرة على أن يلعب دوراً أكبر أو موازي على مسرح الصراع.
المسألة الكردية تتداخل فيها عناصر السياسة التركية والإيرانية والعراقية والسورية من جهة، كما تتداخل فيها عناصر السياسات الإسرائيلية والأمريكية والفرنسية والألمانية والبريطانية من جهة أخرى.. وتتداخل كل هذه السياسات مع عناصر (النفط والغاز والمياه)، إضافة إلى العنصر (الإثني) العنصري.!!
العراق يحظى بموقع المحور في (الشرق الأوسط) ويجمع عناصر الـ(جيو- سياسية- ثقافية- اقتصادية)، الأمر الذي دفع القوى الكبرى منذ عقود بعيدة للتخطيط من أجل تحويل مجرى الصراع العربي- الإسرائيلي إلى صراع إسرائيلي- فلسطيني، وفتح جدار لصراع فلسطيني- فلسطيني، وحَوَلَ هذا الصراع إلى نقطة التوازن المركزية المتمثلة بالعراق، وذلك بفتح النار الطائفية الإيرانية على العراق والمنطقة منذ ظهور " الخمينية " على رأس الأحداث عام 1979 ولحد الوقت الحاضر.
المسألة الكردية ستبقى في وضع متأزم داخلياً وخارجياً، طالما أنها تبالغ في قدراتها وإمكاناتها التي جاءت نتيجة لفراغ الأمن الوطني في العراق، وطالما أنها تعتمد كلياً على وعود وربما تعهدات قوى خارجية قد تضطر مصالح هذه القوى عدم الإيفاء بتلك الوعود، أو لتحولات تنجم عن الصراعات الإقليمية والدولية أو تراجع أحد القوى الداعمة تحت ضغط من الضغوط.. هذا كله في جانب، يبقى الجانب المهم الآخر، وهو الواقع الـ(جيو- سياسي) الإقليمي الذي تشير معطياته تقييدات حادة يضعها على المسألة الكردية بعدم التساهل في الخروج على هذه التقييدات، على الرغم من التعامل أو التعاون أحياناً على وفق مقتضيات الاقتصاد والأمن، كما يحصل حين تعاملت تركيا مع الحكم الذاتي في شمال العراق وتعاونت شركاتها على نطاق واسع، حتى أن البعض بات يعتقد بأن تركيا بدأت تمهد لإرساء البنية التحتية لدويلة، ربما تندمج كونفيدرالياً معها، فيما بات شعور الغطرسة يملأ عقول المسئولين في قيادتي الحزبين الكرديين الإقطاعيتين المتسلطتين على رقاب شعبنا الكردي.. هاتان الزعامتان تخيلتا أنهما تبنيان ل(كردستان الكبرى)، حتى أنهما رسمتا خرائط بهذا المعنى شملت أجزاء واسعة من سوريا وأخرى ذات فكرة خبيثة قائمة على أساس (الأراضي المتنازع عليها) في العراق، وكأن الأمر يقع بين دولتين، حتى راح المسئولون الأكراد يوسعون خرائطهم صوب الأنضول، وإيران ويستدعون الشركات العالمية حول استكشافات النفط واستخراجه وبيعه بعقود انفرادية بدعوى إن حصتهم من الميزانية تأتيهم ناقصة، فيما يستحوذون على نسبة 17% من هذه الميزانية، فيسمحون لأنفسهم بالتعامل المباشر وكأن شمال العراق كيان دولة تتعامل لوحدها وليس حكماً ذاتياً أسسه الحكم الوطني في العراق قبل الاحتلال، في إطار السيادة الوطنية العراقية.!!
ومن أمثلة الشعور بتضخيم الذات دعواتهم للتمثيل الخارجي مع دول العالم، وخاصة التمثيل القنصلي وعدم امتثالهم لقواعد التعامل الدبلوماسي والقنصلي التي تحدد أحكامه اتفاقيات جنيف المعلنة على وفق أسس العلاقات الدبلوماسية للدولة العراقية، التي تقرر نوع التمثيل وحجمه وتوزيعه الجغرافي على أرض البلد المضيف وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.. فضلاً عن تعاملهم المباشر مع شركات عالمية مختلفة دون أدنى اعتبار لمسألة (التكامل الاقتصادي) لعموم العراق - ليس في ظل فوضى العملية السياسية الطائفية - وإقامة خطوط طيران مباشر وباتفاقات ثنائية مع حكومة (الإقليم) المتضخمة.. وكل هذا يجري من خلال السفراء الأكراد الذين يقودون السفارات العراقية في أوربا ولا يبالون بالعراق وشعب العراق ولا ببنائه ولا بمستقبله، إنما يعملون جاهدين من أجل بناء أفضل العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية من أجل (كردستان) فقط.. وتلك حالة غريبة لا أحد يجدها في أي تمثيل دبلوماسي ولا في أي دولة في العالم ولا حتى في أمريكا الاتحادية.!!
هذا التضخيم الذاتي المركب، المنتفخ أشبه بأحلام الضفدعة التي تريد أن تصبح بقرة.. ظلت تنتفخ وتنتفخ إلى أن انفجرت.. أما كيف ستنفجر أحلام الإقطاعيين في شمال العراق، ومتى؟ فتلك مسألة متروكة لواقع النفخ، وكذلك لواقع الصراع في منطقة لا تقبل العنصرية ولا تقبل الطائفية.. فأين مستقبل المسألة الكردية من هذا الصراع؟ لا مستقبل لها إلا في إطار حكم ذاتي مضمون دستورياً تحت حكم وطني لا حكم الاحتلال وعملاءه.!!
7/7/2013
شبكة البصرة
الاحد 28 شعبان 1434 / 7 تموز 2013
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس