العراق: أي حزن يثير المطر؟ هيفاء زنكنة
العراق: أي حزن
يثير المطر؟
هيفاء زنكنة
November 18, 2013
تكبير الصورةتصغير الصورةمعاينة الأبعاد الأصلية.مطر.. مطر.. أي حزن
يثير المطر. هكذا حفر الشاعر بدر شاكر السياب في ذاكرتنا الجماعية أملنا في ان يعشب المطر. ‘وان نترقب هطول المطر’ ومنذ أن كنا صغارا، كانت السماء تغيم في الشتاء، ويهطل المطر’. ولنتمتع، حينئذ، مصغين الى كيف ‘كركر الأطفال في عرائش الكروم، ودغدغت صمت العصافير على الشجر، أنشودة المطر’.
اليوم، صار المطر، هو الخراب، هو الفساد، هو الغرق . مطر اغرق بغداد وحولها الى مجاري فائضة تختلط فيها القاذورات بالنتانة ويتخلل الهواء ما يعد الجميع بالامراض . هل رأيتم كيف صار
العراق يبعث النشيج و في
العراق ألف أفعى تشرب الرحيق’ ؟
الاطفال والكبار محاصرون ببيوتهم جراء المطر . من يروم الوصول الى عمله او مدرسته يستنبط طرق سكان العراق القديم وتجاوزها حديثا. يقول الناس: هذا ما عناه ذلك الامريكي باعادة العراق الى القرون الوسطى.
طلاب كلية التكنولوجيا يسيرون على شريط بعرض سنتمرات مستندين على الجدران للوصول الى كلياتهم وقاعات المحاضرات. الساحات فائضة بخلطة من سوائل وترسبات لن تجف سريعا في المطر، بل لتنثر امراضا تضيف الى اليورانيوم والفوسفور الأمريكيين تشوهات سماوية. وساسة العراق الجديد ؟ يتراشقون بتهم الارهاب والارهابيين. يقفون على منصاتهم العلمانية والطائفية على حد سواء. لافرق بين خطباء البرلمان والجوامع والحسينيات، اناثهم وذكورهم في ‘العراق الجديد’، حين يتشاتمون على شاشات التلفاز، ويمثلون ويتظاهرون بالامانة والشفافية والمصداقية والتلويح بملفات الفساد والارهاب.
وبينما تسبب فيضانات بغداد أضرارا جسيمة على كل المستويات، بضمنها تعطيل الحياة غرق اطفال، وانهيار صف دراسي في مدرسة ابتدائية، وبيت على رؤوس ساكنيه مما اسفر عن مصرع طفلة وإصابة ثلاثة من ذويها بجروح، ، يقول لنا نوري المالكي ‘انه لا توجد فيضانات كبيرة’، وانه أمر بانشاء ‘غرفة عمليات لتدارك الأمطار’، وأيده ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي، داعيا الى تشكيل ‘خلية للامطار’. بينما تعهدت امانة بغداد، بتصريف مياه الأمطار المقبلة إذا سقطت ‘بكميات طبيعية’، محاولة القاء اللوم على المواطن لأن تجاوزاته أدت الى احداث الفيضانات. امانة بغداد ترى تراكم النفايات في الشوارع وإنتهاؤها في المجاري سببه المواطن لا مسؤولية من عليه تنظيف الشوارع. وأكدت أمانة بغداد في (12 تشرين الثاني 2013) أن مشروع (لاحظوا كلمة مشروع) خط الخنساء للصرف الصحي، في حال انجازه سيحل مشكلة الفيضانات في العاصمة، عازية تلكؤ المشروع إلى ‘تجاوزات المواطنين’ على الخط ! وكادت أمانة بغداد ان تلوم المواطن المسكين على هطول الامطار لولا بقاء قطرة من الحياء.
غرق بغداد مرة أخرى نتيجة المطر، وهو ما كان عندنا في الغالب بشير خير بإمتلاء الانهار التي جفت، وغسيل الأملاح من الأرض السبخة، وترسيب غبار الصحارى، أصبح كارثة تبكي، ولا مجال للسخرية فيها. إنه نذير آخر من نذر الشر يضاف الى ما تراكم من شرور. فما لم تشر اليه امانة بغداد ونوري المالكي وغيره من سحرة ‘العراق الجديد’ هو انغمارهم بالفساد حتى النخاع ولجوئهم الى كل الاساليب لتغطية الفساد وجرائمه بدءا من اثارة النعرات الطائفية والمشاعرالغريزية البدائية الى التخفي وراء صناعة الارهاب، وترويع الناس بتوجيه التهم الكيدية والاعتقالات والتعذيب.
فهاهو رئيس الوزراء يمر مرورا عابرا على غرق العاصمة وتعطل الحياة مكتفيا بالاعلان عن تشكيل غرفة عمليات عن هطول الامطار بينما يكرس جل وقته وخطابه لمداعبة غرائز شعبوية تعود الى ما يزيد على الالف عام، منتقيا من التعابير الطائفية ما يخدم مصلحته ويقوي ركن بقائه مهيمنا على السلطة.
اذ من يتجرأ على الطعن بقائد ‘صولة الفرسان’ ازاء ‘الإرهابيون اليزيديون الجدد’، الواقف معزيا ‘كل المسلمين في العالم والشعب العراقي خاصة بمصاب الحسين وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف التي كانت قد فصلت بين خط الرسالة المحمدية وخط الانحراف والجريمة’؟
فما هو تعريف خط الانحراف والجريمة في سياسة الخلط ما بين الميثولوجيا الدينية وتثوير المشاعر وفق احداث انتقائية؟ هناك 800 مليون دولار، تهرب اسبوعيا من العراق، بينما يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر، فهل هذا هو الخط؟ الفساد الاداري والمالي صار مؤسسة رسمية من مؤسسات الحكومة، من عاليها الى ادناها، ليعيق التطور والتنمية ويشل حياة الناس اليومية، فهل هذا هو الخط؟
تذكروا: نحن نتحدث عن العراق وليس عن بلد فقير بلا موارد او ثروات طبيعية يصاب بكارثة وينتظر الاحسان والمساعدة من دول اخرى. انه واحد من اغنى دول العالم . انه بميزانية هي الاكبر بين دول الجوار.
واذا ما اردنا الاشارة الى الفيضان فقط، تاركين بقية المصائب جانبا، ونظرنا الى مشروع خط الخنساء لمعالجة مياه المجاري الذي أعلنت عنه أمانة بغداد في 2008، بكلفة 105 مليار دينار وبسقف زمني مدته 3 سنوات، لوجدنا انه لم ينفذ. لماذا؟ السبب بسيط جدا. اختفت الاموال خلال تبادلها ما بين المسؤولين والمتعاقدين. والتبرير الذي يطرحه المسؤولون بسيط جدا، ايضا : القاء اللوم على ‘تجاوزات بعض الأهالي’. مما يعني ان الحكومة ذات المليون جندي، ورجل امن، وشرطي، وقوات رئيس الوزراء الخاصة، عاجزة عن ايجاد حل ‘لتجاوزات بعض الاهالي’ وايجاد طريقة لتنفيذ مشروع ينقذ اهل بغداد من وباء المجاري الفائضة، بينما نجدها قادرة على تنفيذ حملات المداهمة والاعتقال الكيدي والتعذيب والاعدام. فمتى ستشبع الغربان و الجراد من الفساد؟ أحين يعشب العراق بالمطر اذ ان ‘كل دمعة من الجياع و العراة … هي ابتسام في انتظار مبسم جديد’!
‘ كاتبة من العراق