الطفل العراقي… مستقبل لا يثير التفاؤل
هيفاء زنكنة
May 08, 2018
في خضم الحملة الانتخابية لانتخابات 12 أيار/مايو، المتراوحة بين نشر رسالة المرجعية التي طالت غيبتها، والتنظير الشيوعي حول « حداثة» طائفية الدين، وتوزيع الأفلام الجنسية للمرشحات، وفي غياب البرامج السياسية إلى حد تباهى أحد المرشحين أنه لا يحتاج برنامجا لينتخب، في هذه المعمعة، تزداد صورة المستقبل، متمثلا بحال الأطفال، عتمة، مهما حاولنا اقناع أنفسنا بأهمية زرع التفاؤل في النفوس. فالطفل/ المستقبل منسي، مغيب في سيرك الانتخابات ولعبة الكراسي السياسية. كأن برنامج الساسة الوحيد، كلهم بلا استثناء، مهما تعددت ألوان أقنعتهم واشكال « مكوناتهم» هي تهديم العراق، ولا يتبدى ذلك بشكل أوضح من عملهم، على مدى 15 عاما الأخيرة، للقضاء على مستقبل الأطفال.
لأوضح. أسست سنوات الحصار لتقزيم العقول والنفوس، ثم جاء الاحتلال (لايزال مثقفو وساسة الاحتلال يسمونه تغييرا أو تحريرا) ليصوغ لبنة الخراب، مستهدفا المستقبل من خلال الاطفال. لفهم كيفية ذلك، علينا استيعاب الحقائق الموثقة التالية: هناك 10 ملايين شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، أربعة ملايين منهم أطفال. وعلى الرغم من عودة مليوني شخص إلى ديارهم، لا يزال هناك ثلاثة ملايين نازح، بينهم مليون ونصف طفل. الخدمات العامة في البلد لا تفي بالحاجة، حيث تضررت شبكات المياه والصرف الصحي والنظام الصحي بسبب الحرب والإهمال والفساد، مما يعرض حياة الأطفال وبقائهم للخطر. تبلغ نسبة الوفيات بين الأطفال تحت سن الخامسة 27 بالمئة.
تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة لرعاية الأطفال «اليونسيف»، إلى ان ظروف القتال وحملات النزوح، عرضت الأطفال العراقيين إلى خطر الانفصال عن أسرهم، والاختطاف، والتجنيد في القتال، والمتاجرة بالأعضاء، والعنف الجنسي، بالإضافة إلى خطر الإصابة بالعاهات والموت، نتيجة التعرض للألغام والأجهزة المتفجرة. وان الأطفال النازحين يعانون، خاصة، من مستويات مختلفة من الصدمة والإجهاد المزمن. اذ تؤدي الظروف المروعة التي تسببت في هروب أسرهم، وطرق النزوح الخطرة المتعددة، إلى ازدياد الانتهاكات داخل الأسرة نفسها. كما يؤدي حال البالغين، المغمورين بالصدمة والحزن والقلق، إلى عجزهم عن منح أطفالهم الحب والطمأنينة التي يحتاجونها. فيصبح الأطفال ضحايا الإهمال والهجر والعدوان الجسدي واللفظي. هذه الظروف، غير الإنسانية، في سن مبكرة، ستسهل استغلالهم وتحولهم، بمرور الوقت، إلى جناة يمارسون ما تعرضوا اليه.
بالدرجة الأولى، تحذر الدراسات والتقارير من حرمان الأطفال من التعليم، ولو لسنة واحدة، واصفة إياه بأنه الخطر الأكبر و« جذر العديد من المشاكل» المعنية بصحة الطفل العقلية، وانعكاساتها على التنمية المستقبلية للبلد ونوعية قادة البلد وقدرة منتخبيهم على الاختيار مستقبلا. ومع عدم تلبية الاحتياجات التعليمية الأساسية للأطفال، الآن، لن تتوفر لديهم أداة مكافحة دورة الفقر والمرض والعنف والحرب، وأكثر من ذلك بكثير. فـ»التعليم حق أساسي… والأطفال هم أعظم مواردنا في العالم، ولذلك يجب أن نجري استثمارات كبيرة في تطوير تلك الموارد»، حسب البنك الدولي. ويعزو الباحثون عنف العصابات والسرقة وتعاطي المخدرات وغيرها من الجرائم، في مناطق معينة، إلى نقص التعليم. ويرجع ذلك جزئياً أيضاً إلى حقيقة أن هذه المناطق تعاني من الفقر، لأن نقص التعليم يقلل من فرص العثور على العمل. من الآثار الأخرى التي تحدث بسبب نقص التعليم هو انخفاض عمر الفرد. وفقا لدراسة الوفيات القومية (اليونسيف)، يزيد عام التعليم الواحد من متوسط العمر المتوقع بمقدار 0.18 سنة. اذ يزيد التعليم من اعتناء الفرد بنفسه.
التعليم المبكر «لا يحضّر طفلك للقراءة والكتابة والحساب فحسب، بل يبني ثقته بنفسه أيضًا، يعزز التطور البدني، ويطور المهارات المعرفية ويشجع على التفكير النقدي وحل المشاكل»، تقول تينا لوبل ـ ريشبرج، منسقة الطفولة المبكرة وأخصائية التعلم في مدينة نيويورك، وذهاب الطفل إلى المدرسة «عندما يكون في مواقع جماعية، تكون لديه فرص أكبر لتطوير العلاقات الاجتماعية مع اقرانهم.. انهم يعملون معا ويتعلمون احترام الحدود والحدود». في المدرسة «يتعلم الأطفال التفاعل مع الآخرين والمهارات الاجتماعية». يقول جلين ـ آبلغيت، عالم النفس المجتمعي: «هذه المهارات الاجتماعية ضرورية للشخصية المتطورة».
اين هو الطفل العراقي من هذا التكوين المعرفي وما هي انعكاساته على عراق المستقبل؟ اظهر المسح المدرسي الذي نفذته وزارة التربية عام 2004 بدعم من اليونيسف أن « عدد الأطفال غير المدرجين في الدراسة الابتدائية في العراق يصل إلى 600 ألف طفل منهم 74٪ من الفتيات، وان 21 ٪ من الفتيات بعمر الدراسة الابتدائية غير ملتحقات بالمدارس وان ما يقارب 24 بالمئة من الاطفال يتسربون من المدارس قبل اتمامهم الدراسة الابتدائية». ووفقاً لتقرير صدر عام 2007 عن منظمة «أنقذوا الأطفال» غير الحكومية، فإن 818 ألف طفل في سن الدراسة الابتدائية، يمثلون 22 بالمائة من الطلاب في العراق، لم يلتحقوا بالمدرسة. وبينت دراسة مشتركة بين وزارة التربية العراقية واليونيسيف، إلى أن 74 في المائة ممن لا يلتحقون بالمدارس هم من الإناث. اما اليوم، فأن ما يقرب من نصف تعداد الأطفال المشردين داخلياً في سن الدراسة ـ حوالي 335 ألف طفل ـ هم خارج المدرسة. وهو رقم لا يشمل غير النازحين. ما تجدر الإشارة اليه ان التردي المزري في تعليم الأطفال مستمر منذ الاحتلال، وعدم اقتصارها، كما يشاع، على حقبة محاربة ما يسمى بالدولة الإسلامية منذ عام 2014.
وإذا كانت دول الاحتلال تتحمل المسؤولية الأكبر في جريمة الغزو وتفكيك الدولة ومؤسساتها فأن ساسة العراق الغارقين بالفساد، لم يتخذوا الخطوات الفعالة لمعالجة الكارثة المستقبلية، ولو من باب الحفاظ على أنفسهم، وعلى الرغم من التحذيرات الكثيرة حول ارتباط غياب التعليم بنمو الإرهاب. إن التعليم هو الذي يمنح الأطفال وعوائلهم بعض الأمل في المستقبل، وفي غيابه يزداد الإحباط والتوتر الاجتماعي واحتمال تجنيد الشباب الفقراء وغير المتعلمين في المنظمات الإرهابية والميليشيات المختلفة. ولعل الامل الوحيد، المتبقي، حاليا، في ظل الظلامية المتعمدة، والمخطط لها من الخارج، بمساعدة محلية، هو في المناطق التي استطاع فيها الناس المحافظة على النسيج الاجتماعي، مما يمكنهم من التعويض عن انهيار التعليم والرعاية، بالتكافل الاجتماعي التقليدي من جهة، وأن ينقل الآباء والامهات، بل الجدات والاجداد، وهم أعلى تعليما من الجيل الاحدث، مهاراتهم وعلمهم وقيمهم الإنسانية إلى الأطفال.
٭ كاتبة من العراق