الفلوجة والشهيد خالد وجه واحد لمقاومة عراقية شريفة : د . مثنى عبد الله
الفلوجة والشهيد خالد وجه واحد لمقاومة عراقية شريفة
د. مثنى عبدالله
December 9, 2013
تكبير الصورةتصغير الصورةمعاينة الأبعاد الأصلية. هي التي اختارت قدرها بإرادة اهلها فباتت على كل لسان. صغيرة بمساحتها لكنها ترضع من كل اوردة
العراق، فحق لها التتويج بأنها سارية الوطن بالفعل البطولي الذي فاق الخيال. هي في اللغة معناها الارض المصُلّحةُ للزرع فتطابق اسمها مع واقعها حين باتت ارضا يُزرع فيها حب
العراق، ويولد من ارحام حرائرها رجال مقاومون. هي مدينة التصدي البطولي لقوات الاحتلال البريطاني في العام 1941 حينما حاولوا دخلوها لكسر شوكة المقاومة الباسلة التي اندلعت فيها فتراجعوا خائبين، وهو نفس الفعل الجبان الذي حاوله الامريكان بعد احتلال
العراق، فكان رد رجالها هو نفس الرد الذي واجه به اسلافهم الغزاة. هي واحة المساجد التي باتت منائرها النسغ الصاعد نحو السماء محملا بارواح الشهداء الذين يتساقطون على ارضها كل يوم، وهي كذلك النسغ النازل من السماء محملا بشآبيب الرحمة والعزيمة التي لا تلين. كانت عزيمة رجالها وثباتهم نوعا اخر من اسلحة الدمار الشامل الذي صمم الغزاة على القضاء عليه، فكان استهدافها باليوارنيوم المنضب جريمة مع سبق الاصرار، كي تنضب ارحام الامهات فيها ولا تلد الا المشوهين فينقطع نسل الرجولة والبطولة.
وعندما تمكن الطغاة من الوصول الى كراسي السلطة كان همهم الا تبقى مدينة تدعى
الفلوجة على خارطة العراق، لان اليقين كان لديهم بانها ستقاتلهم لانهم طائفيون وهي مع وحدة العراق، وكلاهما خطان متوازيان لا يمكن ان يلتقيا، فكان ان استخدموا سلاح التجويع والاجتثاث والاقصاء والاعتقالات والغدر بحق رجالها. وعندما كان الطغاة يقفون على منصات الخطابة مدعين بان العراق تحققت فيه الديمقراطية، ولا خوف عليه من ان تنفجر فيه تظاهرات الحق والكرامة والحرية، كما انفجرت في
تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، سقطت اخر قطرة صبر لدى اهل
الفلوجة في كأسها ففاض غضبها وانداح نهارها على كل ربوع العراق، فنُصبت فيها سرادقات العز والكرامة، وارتفعت فيها رايات الرفض والمقاومة، وعلت فيها اصوات الحق ضد الباطل، وتقدم الشهيد
خالد حمود الجميلي الصفوف، كما عهده اهل المدينة، سنوات عمر متقدم لم تمنعه ان يكون في جذوة حماسة الشباب، عمامة دين حق تأبى ان تكون في صف الطغاة كما فعل غيره، وصوت جهوري من اجل المجموع لا من اجل المصالح الذاتية، كما ارتمى البعض في احضان السلطة من اجل حفنة دولارات او قطعة منصب وصمتوا عن عذابات اهلهم.
كان صوته عبر الفضائيات وهو يمسي ويصبح في ساحة اعتصام
الفلوجة هو صوت مدينته، كما هو صوت البصرة والموصل وبابل وبغداد وذي قار والموصل وواسط والمثنى، كانت المأساة واحدة يشترك فيها كل العراقيين أينما كانوا في بقاع الوطن، هكذا كان فهمه عابرا لحدود الطوائف والقبائل والاديان والمذاهب، وعندما نظر البعض الى الجرائم التي تقع على بعض مناطق العراق من قبل السلطة، وطرحوا الهروب منها الى خطيئة الفيدرالية والانفصال وغيرها من الحلول القصيرة النظر، كان الشهيد
خالد من تصدى لهم قولا وعملا، فكان اول من ارسل قوافل المساعدات الطبية والغذائية الى المحافظات الجنوبية التي تضررت بالامطار، للتدليل على اللحمة الوطنية التي تجمع العراقيين، وليدحر المشروع التثقيفي لازلام العملية السياسية، الداعي الى جعل المجتمع مجرد مكونات لا تربطهم صلة.
وعندما ذهب البعض الى رئيس الوزراء للتفاوض عن اهل المحافظة، كان واضحا الموقف من ذلك، حينما رفض فتات الموائد مقابل التنازل عن الحقوق، مصمما على البقاء في ساحة الاعتصام حتى تحقيق كل المطالب ونيل كل الحقوق ليقينه بان السلطات بعيدة عن الايفاء بما تقول.
نعم لقد سقط الشيخ
خالد الجميلي مضرجا بدمائه الطاهرة التي كان يحملها على كفيه منذ العام 2003 وحتى لحظة استشهاده، لكن خطه في المقاومة ومقارعة الطغاة لازال واضحا على كل خريطة الوطن. كان مسارا خاليا من المنحنيات والمساومات منذ شرارة مقاومة
الفلوجة وحتى لحظة ترجله عن صهوة الشجاعة والمقاومة في الاسبوع المنصرم. عندما كان يفاوض الامريكان لفك الحصار عن
الفلوجة ويحاول ان يمنع حصول جريمة كبرى بحق اهلها، وقفنا بين يديه وقلنا له يا شيخنا كيف تفاوض وتفُتّ في عضد من يقاوم ويطرق على رؤوس الغزاة المحتلين، همس وقال ليزداد الطرق على رؤوسهم لانه يشد من قوة السنتنا، ويقوي حجتنا، ويرفع عزيمتنا كي ننتزع حقنا منهم على طاولة التفاوض، وان فشل المتفاوضون فالغلبة يقينا للمقاومين. هكذا كان صاحب رأي رشيد ونظر سديد وقدرة فريدة على المطاولة، وهي كلها عناصر تجعل الاخرين حريصين على اراقة دمه الطاهر، واسكات صوته الهادر بالحق، لكن ساحات العز والشرف التي آمن بها، واوقف كل جهده ووقته لها منذ احد عشر شهرا لن تطوى برحيله، بل ستشعل الاصرار والعزيمة على المواصلة كي لا يذهب دم
خالد الجميلي هدرا. يقينا لقد هلل كل شهداء العراق بمقدمك اليهم شهيدا مضرجا بالدماء الطاهرة، وستبقى روحك تعلو الرؤوس والهامات نبراس حق يذكّر العراقيين بان البطولة موقف واصرار، كما انها استحقاق مطلوب في كل الازمان التي تمر على الاوطان .
‘ باحث سياسي عراقي