حديث البوندسليجا | البوندسليجا إلى أين بعد ليفاندوفسكي؟
تمكنَ فريق بايرن ميونخ من خطف وتأمين خدمات السفاح البولندي روبرت ليفاندوفسكي، بصفقة تاريخية من حيث تكاليفها ودرامتيكيتها التي بدأت سخونتها منذ الصيف الماضي، بعد مدٍ وجزر من التكهنات والتوقعات عن وجهة هداف بروسيا دورتموند القادمة .
ولأن هذه الصفقة حملت الكثير من الإنتقادات اللاذعة لسياسة بايرن ميونخ التي يعتبرها الكثيرون مبنية على إضعاف الخصوم، كان لا بد لنا من التطرق لهذا الموضوع من هذه الزاوية الوهمية، والتي ابتكرها الفيلسوف يورجن كلوب بعد رحيل جوتسه ورفض ليفاندوفسكي تجديد عقده مع دورتموند .
شهدَ الصيف الماضي توتراً حاداً بين طرفي نهائي اوروبا، وخصوصاً بعد إتفاق الغرف المغلقة بين بايرن ميونخ ووكلاء نجوم فريق بروسيا دورتموند ماريو جوتسه وروبرت ليفاندوفسكي .
لم يجد يورجن كلوب طريقاً سوى إطلاق إنتقاداتٍ لاذعة في حينها لسياسة بايرن ميونخ، محملاً الإدارة البافارية مسؤولية إضعاف البطولة الألمانية بشكلٍ مبطن، معتبراً بأن الدوري الألماني يتجه نحو نسخة جديدة من الدوري الاسكتلندي، ومؤكداً بأن أندية البوندسليجا عليها القتال للحصول على جزء بسيط من الكعكة التي سيتكفل البايرن بالحصول على الجزء الأكبر منها مستقبلاً .
ولكن مهلاً.. ولا أدري حقيقة فيما إذا كان البايرن كان قد تنازل عن حصتهِ في كعكعة البوندسليجا سابقاً، إلا نادراً كان يغيب لموسمٍ أو موسمين وكما يقال للصيانة !!، ثم يعود ليستعيد خاصته من ألقاب ألمانيا التي انفرد بها بأرقام قياسية تحتاج لعقودٍ من الزمن لتحطيمها من أندية أخرى .
فبقي بايرن ميونخ متواجداً في أوجِ هيمنة بروسيا مونشجلادبخ خلال نهاية السبعينات، واستمرَ مرابطاً في وجه إنتفاضة ديناصورت هامبورج، كما كان أمام جيل فرانكفورت الذهبي مع بداية التسعينات ودورتموند هيتسفيلد .. وعنفوان كايزرسلاوترن.. وأمام إعصار بريمن الألفية وهكذا حتى استلم يورجن كلوب مع بروسيا دورتموند ملف إزعاج البايرن قبل ثلاثة مواسم .
دورة طبيعية لم تخرج عن المألوف وفقاً لتاريخ البوندسليجا، حتى عاد بايرن ميونخ وأطاح بمشروع يورجن كلوب مبكراً وبثلاثة بطولات مرَ خلالها عبر بروسيا دورتموند، وبدون الإستعانة بأي من جوتسه أو ليفاندوفسكي، في إشارة تعكسُ قوة بايرن ميونخ الذاتية والتي لم تعتمد على أحدٍ من نجوم المنافس بروسيا دورتموند .
ظهرت مؤخراً وبعد العروض الهائلة التي يقدمها بايرن ميونخ ومنذ الموسم الماضي وحتى نهاية استحقاقات العام 2013، الكثير من الإتهامات السطحية التي بدأ بها الرئيس التنفيذي لنادي بروسيا دورتموند يواخيم فاتسكه، معتبراً بأن النادي البافاري يتخذُ سياسة إضعاف الخصوم بإعتماده على قدرته المالية في شراء نجوم الفرق المنافسة .
وهنا يجب الوقوف عند هذه النقطة التي دافع خلالها فاتسكه عن سوء إدارته للنادي الفيستفالي، بإطلاق تصريحاتٍ هوجاء لا تمتُ للواقع من قريب أو بعيد .
فالجميع يعلم ويدرك بأن منافسة فريق عالمي بحجم بايرن ميونخ كان أهم أسباب تطور الأندية الألمانية في العقد الأخير، والذي رفع بقوته مستوى المنافسة للحدود العليا اوروبياً للوصول للقب البطولة المحلية في ألمانيا .
أما عن مسألة المال، فالجميع يعلم أيضاً بأن بايرن ميونخ كان وحتى قدوم ماتياس زامر يتحكم بقدراته الشرائية وفق نظامٍ صارم، لم يسمح له بإجراء تعاقدات كان بمقدوره الإنتهاء منها بسهولة بالإعتماد على خزينتهِ الثرية، والتي تحسبُ له حسن إدارتها والعمل على تعزيزها بالإعتماد على أبناء النادي وأكاديميته الذين لا يزالون العامود الفقري الصلب لتوليفة التشكيلة الأساسية لبايرن ميونخ الذهبي .
فكانت كواليس إنهاء خدمات المدير الرياضي السابق كريستيان نيرلنجر والتعاقد مع ماتياس زامر تتحدثُ عن ثورة داخلية في وجه بيروقراطية القرار المالي في بايرن ميونخ، والذي أسفرَ عن التعاقد مع خافي مارتينيز بسعرٍ قياسي بالنسبة لبايرن ميونخ، إلا أنه عادي جداً لنظرائه في الصف العلوي من كبار اوروبا .
وبالعودة لنقطتي كعكة البوندسليجا وإضعاف الخصوم، لا بد من التنويه وبناءاً على عشرات التصريحات والأحداث التي تشير لإهتمام بايرن ميونخ بالهيمنة الاوروبية، والتي تتطلبُ أساساً صلباً يسمح في إغراء واستقطاب النجوم إلى البوندسليجا، والذي من شأنه تحفيز بقية الأندية على بذل المزيد من خلال التأسيس السليم إدارياً ومن ثم مادياً .
كنا قد تحدثنا في مقالاتٍ سابقة عن أهمية الحفاظ على النجوم في البطولة، وضرورة العمل على استقطابهم، لما يعود بفضلٍ كبير جداً على البطولة من ناحية إنجازات أنديتها ومن ناحية العائدات المنظورة مادياً من حيث التسويق والإنتشار .
فليس من المقبول اتهام من يحافظ على مثل هؤلاء النجوم بمحاولة إضعاف البوندسليجا، في حين تتم الإشادة بمن يفرط بهم بسهولة لدوريات منافسة !.
فكما فرطَ باير ليفركوزن بأرتور فيدال وأندريه شورله، فرطَ دورتموند بنوري شاهين وكاجاوا، وكان الحال مع شالكة بتفريطه بهولتبي، وكذلك الأمر بماركو مارين من جانب فيردير بريمن !.
وبينما يستقطب بايرن ميونخ نجوماً بحجم خافي مارتينيز وتياجو ألكانتارا، حافظ كذلك على نجوم كادت موهبتهم أن تتلاشى كغيرهم في حال رحيلهم لدوريات أخرى .
ومن هنا يجب أن نتفق بأن استقطاب النجوم نحو البوندسليجا أمر في غاية الأهمية، ولكن الحفاظ على نجوم البطولة أمرٌ أكثر أهمية وفي غاية الصعوبة، هذا ولأن النجوم دوماً يبحثون عن مكان يؤمن لهم التقدير الملائم لموهبتهم مادياً ومعنوياً من خلال تحقيق البطولات والمنافسة المستمرة في المحافل الأوروبية .
وللأسف، فإن هذا المكان في ألمانيا ينحصر ضمن حدود بايرن ميونخ فقط، وعليه فإن على بقية الأندية التي ترفضُ قوة البايرن، أن تعمل جاهدة ووفق خطط ممنهجة وبدون الإعتماد على الحظ في الصفقات المتواضعة أو على موهبة قد تتفجر هنا أو هناك .
فكان على فاتسكه أن يعمل على توفير غطاءٍ آمن لنجوم الفريق بدلاً من التحدث عن حدٍ أعلى للرواتب لا يمكن تجاوزه، في طريقة تعكسُ قصر نظر إدارته عن حولها من تعاقدات ورواتب الأندية الكبرى .
فلا يمكن للاعبٍ يملك مهارات ليفاندوفسكي أن يكتفي بمتابعة من هو أقل شأناً منه كروياً يبني شهرةً واسعة براتبٍ خيالي أو من خلال التواجد دائماً في المحافل الكبرى !
البوندسليجا تصبح ضعيفة فقط عندما يكون ناد بحجم بروسيا دورتموند ضعيفاً مادياً بعد تفريطه بـ25 مليون يورو، وبرفضه التنازل عن ليفاندوفسكي لبايرن ميونخ في الصيف، في قرارٍ أخرق اتخذه مشجع متعصب لدورتموند وليس أبداً قرار رئيس تنفيذي يمكنه البناء على الإنجازات والعمل على التطوير .
بايرن ميونخ مستمرٌ في طريقه نحو المجد بواقعية واحترافية في التعامل مع جميع نواحي طريقة الإحتفاظ بالألقاب، مهما طالته اتهامات الأندية المنافسة التي لن تكون مبرراً أبداً لعجزهم عن معانقة الألقاب .
في حين يجدرُ ببقية الأندية أن تتجاوز مرحلة المراهقة الكروية والتفكير جدياً باتخاذ مسيرة بايرن ميونخ أنموذجاً يتيح لهم بالأمد القريب من الوصول لقاعدة صلبة تسمح لهم خلالها الإحتفاظ بالمهارات الموجودة وتدعيهما بلاعبين قادرين على صناعة الفارق وسحب بساط الزعامة من تحت بايرن ميونخ .
فلن تشفع جماهير أنديتهم الوفية لهم في حال استمرت تلك الأندية في مراوحة المكان وبدون نتائج ملموسة تبشر بفريق قادر على الإستمرارية التي يتميز بها الفريق البافاري منذ عقود .
وآخيراً أختم بما تصدى به نجم بروسيا دورتموند الأسبق ماتياس زامر لإنتقادات سياسة الانتقالات في الفريق البافاري حين قال:" يمكنهم إظهار البعض من الإحترام والإعتراف بأننا نقوم بعملنا ".