هل لنا صلة في مخيم اليرموك؟
صحف عبرية
January 23, 2014
من المؤكد أن هذه المقالة ستقع على آذان صماء أكثر حتى من مقالاتي الاخرى، ومع ذلك يجب أن تُكتب، فصور مخيم اليرموك لا تدعني. وكان يجب أن تؤثر هي على الأقل في قلوب الاسرائيليين، في خضم كل فظاعات سوريا.
إن دولة اسرائيل تتحمل مسؤولية اخلاقية عما يجري في مخيم اللاجئين هذا وإن لم يكن مباشرة، هي أولا المسؤولية التاريخية عن مصير سكان المخيم، وهم فلسطينيون من أبناء البلاد ونسلهم، طردوا أو اضطروا الى الفرار منها بسبب اسرائيل. وثانيا يوجد لغير قليل من مواطني الدولة ورعاياها من العرب الاسرائيليين ومن الفلسطينيين اقرباء في اليرموك حتى من الدرجة الاولى احيانا، فثم أخوات واخوة وأجداد وجدات واعمام وعمات يُجوعون حتى الموت وقد مات عشرات منهم جوعا.
يمكن أن نقارن ذلك بوضع مشابه وهو أن تحدث فظاعة على مبعدة بضع عشرات الكيلومترات عن حدود الدولة، ويموت اقرباء لمواطني الدولة اليهود جوعا ويحتضرون مع عدم وجود ادوية ومعدات، ويتجولون مثل هياكل عظمية وتطلق النار عليهم مثل حيوانات ضالة. فهل كانت اسرائيل ستبقى غير مبالية؟ أولم تكن تستخدم عملية لانقاذهم؟.
من السهل طرح المسؤولية عما يجري في اليرموك على ابواب العرب: على نظام الاسد الذي يمنع بوحشية تزويد سكان المخيم المحاصرين منذ اسابيع كثيرة؛ وعلى المسلحين الفلسطينيين الذين شاركوا في الحرب الاهلية وحكموا على المخيم بالفناء؛ وعلى منظمات الاسلام المتطرف التي تفوق قسوتها قسوة النظام؛ وعلى الدول العربية التي لم تفعل ما يكفي لحل مشكلة اللاجئين (وإن يكن مصيرهم قد تحسن شيئا ما في سوريا). وبعد كل ذلك تبقى مسؤولية اخلاقية على اسرائيل ايضا التي أفضى انشاؤها الى اللجوء والجلاء هذين. انها الدولة التي كان يجب عليها أن تحاول أن تنقذ بقدر استطاعتها عائلات مواطنيها وإن كانوا عربا ايضا. فلطفية العجوز التي تسكن في المخيم والذي يحاول أخوها عبد العابدي وهو فنان من حيفا نال جوائز كثيرة، يحاول انقاذها منذ سنين.
إن صور اليرموك لا تدعنا: فهناك الولد الفلسطيني الذي يمضغ ورقة لعدم وجود الطعام؛ والفتى الذي يصرخ أمام عدسات التصوير طالبا نجدة العالم بازاء مقتل أبيه؛ وصور الهياكل العظمية السائرة لناس أحياء موتى؛ وصفوف النساء والشيوخ الذين يحتشدون ساعات بأمل يائس أن يحصلوا على وجبة طعام أو على ادوية؛ والعجز الفظيع لآلاف البشر المحاصرين الذين دمرت بيوتهم وخرب عالمهم. وصف زميلي تسفي برئيل هنا قبل بضعة ايام ما يجري في المخيم: فلجنة التنسيق في المخيم تدعو السكان الى شرب لتر ماء مع ملعقة ملح ثم لتر ماء مع ملعقة سكر اذا كان ذلك في متناول اليد. انه ‘غيتو الحرب العالمية الثانية’، كتب برئيل الضابط لنفسه ووقع حتى هذا الوصف هنا على آذان صماء.
بقي عشرون ألف انسان فقط في المخيم الذي كان عدد سكانه قبل الحرب الاهلية 150 ألف انسان. فقد بقي الضعفاء والعاجزون فقط ليعيشوا في الانقاض والحصار، أما الباقون فوجهوا الى لجوئهم الثاني. واسرائيل لا تحرك ساكنا فهي تعيد سريعا القلة القليلة من الجرحى السوريين الذين تعالجهم، مع ثناء على النفس يثير الاشمئزاز، تعيدهم الى الجحيم. وفي حين تنقد جارتا سوريا الاخريان، الاردن وتركيا، بملايين اللاجئين، لا يخطر ببال اسرائيل أن تستوعب حتى الجرحى القليلين الذين نجحوا في الوصول اليها. كان يجب على اسرائيل أن تظهر شيئا من الانسانية في مواجهة فظاعة اليرموك. وكان يجب عليها أن تحاول أن تنظم الآن عملية لانقاذ الـ 20 ألفا من السكان المحاصرين ونعود ونُذكر بأنهم أبناء البلاد وأن تعلن أن ابوابها مفتوحة لهم ليلتئم شملهم مع عائلاتهم.
ربما كانت هذه الخطوة تلقى رفضا سوريا وربما لا. ولكن كانت اسرائيل تستطيع على الاقل أن تنظم حملة مساعدة أو حملة تبرع كما تعرف أن تفعل في كوارث طبيعية بعيدة ليست عليها أية مسؤولية فيها. لكن في اليرموك يموت لاجئون فلسطينيون وما علاقتنا بهم؟
جدعون ليفي
هآرتس 23/1/2014