اللاجئون في الاردن كذخر اقتصادي
تسفي برئيل
January 31, 2014
‘معرض رسومات مثير للانفعال يعرض هذه الايام في عمان، عاصمة الاردن. وهذه رسومات لاطفال لاجئين سوريين يسكنون في مخيم اللاجئين الكبير الزعتري شمالي المملكة، تصف ذكرياتهم عن القرى والمنازل التي اضطروا الى الفرار منها. الاطفال، الذين تعلموا الرسم بمساعدة متطوعين وصلوا الى المخيم، ليس مسموحا لهم السفر الى المعرض لمشاهدة رسوماتهم. فتعليمات الامن لا تسمح لهم بترك المخيم الذين يعيشون فيه في ما يشبه الحصار، مع باقي 120 الف من سكانه.
الالوان واقلام الرصاص حصل عليها الاطفال من اموال التبرعات والمساعدات من الامم المتحدة، التي بصعوبة تمول صيانة المخيم. كما ان حكومة الاردن تساهم بدورها الذي اخذ بالتقلص. فالمملكة تضطر الى التصدي لمشاكل نحو 600 الف لاجيء انتقلوا الى اراضيها في سنوات الحرب الثلاثة، اضافة الى الاف اللاجئين العراقيين الذين لا يزالون يعيشون فيها منذ حرب العراق. وحسب تقارير الحكومة، فقد أنفق الاردن اكثر من 2.1 مليار دولار في السنة على هؤلاء اللاجئين، وفي السنة التالية من المتوقع للكلفة ان ترتفع الى نحو 3.4 مليار دولار، وهذا مبلغ هائل للحكومة التي صادقت الاسبوع الماضي على ميزانية بمقدار 12.5 مليار دولار (نحو 2 مليار دولار اكثر مما في السنة الماضية)، والتي تضمنت عجزا بمقدار نحو 1.5 مليار دولار.
اللاجئون هو تعبير مشحون في الاردن. فاضافة الى الضغوط الاقتصادية التي يشكلها اللاجئون السوريون على اجهزة الحكم فضمن امور اخرى افتتحت وردية ثانية في نحو 100 مدرسة في شمالي الدولة وتم تخصيص اطباء ورجال خدمة تضاف ايضا ضغوط سياسية مهددة. وهذه تجد تعبيرها في احتجاج المواطنين الاردنيين الذين يشكون من تقليص ساعات التعليم من أجل تفعيل الوردية الثانية من الانخفاض في مستوى التعليم فالتلاميذ السوريون لم يتعلموا الانجليزية في جهاز التعليم السوري، ولكنهم يشكون في الاساس من تأثير اللاجئين على البنية الاقتصادية.
هكذا مثلا، فقد ارتفع ايجار الشقة بعشرات في المئة، اسعار الغذاء والمنتجات الاخرى ارتفعت هي ايضا، والتضخم المالي، الذي حسب الخطة كان يفترض ان يكون 5.9 في المئة، بلغ 6.1 في المئة، بعيدا عن الهدف الحكومي، الذي كان 4.2 في المئة. وليس عدد واحتياجات اللاجئين فقط هو الذي يؤثر على التضخم المالي بل وايضا اسعار منتجات الطاقة ارتفعت بقدر كبير، ولا سيما بعد ان تعرض انبوب الغاز بين الاردن ومصر الى العديد من عمليات التخريب التي أخرت ضخ الغاز واجبرت المملكة على البحث عن مصادر بديلة باسعار اعلى مما دفعته لمصر. مخرج محتمل للنقص في الغاز قد تجده المملكة بالذات في اسرائيل بعد أن صادقت الحكومة الاردنية لشركة بوتاس التي بملكية مشتركة اردنية وكندية لشراء الغاز من شركة نوبل انيرجي باسعار ستكون أدنى من اسعار السوق. ومع أنه ظهر لهذه الصفقة معارضون انتقدوا القرار بالتجارة مع شركة اسرائيلية، ولكن رئيس بوتاس، جمال الصرايرة اوضح بان الصفقة تمت مع الشركة الامريكية نوبل وليس مباشرة مع الشركة الاسرائيلية.
كما أن للمعطيات الاقتصادية العامة هذه ايضا تأثيرا مباشرا على مستوى البطالة في المملكة الذي هو نحو 12 في المئة. وبالذات في اوساط خريجي المدارس الثانوية والجامعات يصل الى نحو 20 في المئة. ‘هذه هي ذات شريحة المتعلمين التي اثارت المظاهرات في مصر وتونس، وعلينا أن نعمل بمسؤولية كبيرة كي نعطل فعالية الاستياء المتعاظم في اوساط هؤلاء الشباب’، قال لـ ‘هآرتس′ ذي ماركر عضو في الغرفة التجارية الاردنية. ‘اذا لم ننجح في جلب مستثمرين يقيموا اماكن عمل مناسبة للمتعلمين، لن نتمكن من ضمان أمن المملكة او الاستقرار فيه’. ان عدم اليقين الاقتصادي وانعدام الرؤيا والتخطيط الاقتصادي يقلق ايضا اعضاء برلمان اردنيين اطلقوا انتقادات لاذعة في البرلمان عند المداولات على الميزانية.
ولكن حيال العبء الجسيم الذي يفرضه اللاجئون على الاردن، برز الاسبوع الماضي شعاع نور طفيف بالذات من جهة اللاجئين الفلسطينيين. فمنذ سنين والناطقون السياسيون الاردنيون يطالبون بالتعويض على سنوات استضافة هؤلاء اللاجئين في الاراضي الاردنية. وفي كل مرة كان الموضوع يطرح فيها على النقاش وامكانية تعويض اللاجئين ماليا مقابل التنازل عن حق العودة، ينهض هؤلاء المتحدثون ويطالبون بان يحصل الاردن ‘على ما يستحقه’ مقابل ‘سنوات الكرم’ الذي ابدوه نحوهم.
والان يتبين ان التعويض كفيل بان يكون جزء من صفقة الرزمة التي تعرضها الولايات المتحدة كحل لمشكلة اللاجئين، وفي اطارها لا يعوض فقط اللاجئون بل والاردن نفسه ايضا. احد لا يزال لا يتحدث عن مبالغ وجداول حسابات، ولكن في الاردن هناك منذ الان من يحلمون بـ ‘المليارات التي سيكسبها الاردن من الصفقة’ وعن ان التعويض للاجئين الذين سيبقون في الاردن سينتقل مباشرة الى المملكة الاردنية وليس الى اللاجئين. ولكن هذا جدال على جلد الدب قبل اصطياده وذلك لان الاقتراح يعتبر ايضا قنبلة سياسية شديدة الانفجار كونه سيجبر الاردن على منح حقوق المواطنة الكاملة لاكثر من 2 مليون لاجئ ونازح فلسطيني مما سيعرض للخطر هويته الوطنية كدولة اردنية. الذخر الاقتصادي الذي قد يعطيه هؤلاء اللاجئون قد يأتي على حساب فقدان المملكة، ويبدو ان الاردن سيفضل مواصلة التصدي لمشكلة اللاجئين على أن يختنق مع 2 مليون مواطن جديد.
‘
هآرتس/ذي ماركر 23/1/2014