الجيش الاسرائيلي يتأقلم مع ‘الفقر’!
أمير أورن
February 9, 2014
‘اصبح من الواضح للجميع قبل المواجهة مع الفلسطينيين أم مع الامريكيين ـ والخيار متروك لبنيامين نتنياهو ـ للحظة أو لحظتين، أو شهر أو شهرين، أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر سنين طويلة، بل من شبه المؤكد أنه لا يمكن أن يستمر أشهرا.
وقد زال الأمل الباطل في أن تسلم الشعوب العربية المحيطة باسرائيل آخر الامر بسيطرة اسرائيل على المناطق التي سيطرت عليها منذ حزيران 1967، زال في كل مكان إلا عند المستوطنين ومؤيديهم في الاحزاب الحاكمة.
والسؤال الوحيد هو هل تكون اسرائيل مستعدة لدفع ثمن الرفض والبقاء في حرب أبدية، في حين تصر على أن تجعل الاصدقاء والشركاء أعداءً وتشدد من جديد عداوة أعداء لانوا فأصبحوا خصوما.
إن المجتمع الاسرائيلي بعامة ما عدا مجموعات الضغط التي تملي نهجا حاكما، تجيب عن هذا السؤال بـ لا في احتجاج يترجم الى زيادة وزن مخصصات الاجتماع والرفاه، فهو غير مستعد للانفاق على حروب برغم أنه لم يواجه حتى الآن التناقض بين هذا القرار وعادة الانفاق على شيء من العوامل في استمرار الصراع. فقد انقضى عهد وفرة المخصصات للامن بلا رجعة.
إن الفقر صالح للجيش الاسرائيلي؛ فالجيش الفقير لا يبحث عن حروب باهظة التكاليف. من العجيب حقا أن نصف على هذا النحو جيشا يتغذى على عشرات مليارات الشواقل كل سنة، لكن الشيء الذي يحدد هو مجال المرونة لا المبلغ العام. إن ميزانية الجيش الاسرائيلي مستعبدة للنفقة على الاستعداد للحرب الاستعدادات والتدريبات الى جانب الحفاظ على ما هو موجود (المعدات والافراد) وزيادة القوة. وحينما شعر الجيش الاسرائيلي بالضيق أغلق ألوية ووحدات تشبه في عددها ما كان موجودة في عملية ‘كديش’ ونصف ما استعمله في حرب الايام الستة. وهم في هيئة القيادة العامة يفخرون ايضا باقالة ستة عمداء، لكن هذا صحيح بصورة جزئية فقط: لأنه يوجد من سيبقون مواطنين (ويحصلون على مخصص تقاعد وأجرة)، وبتسطيح حقيقي وشمل ذلك حلق شعر كثير لا حاجة اليه من هرم الاقسام الالوية الاجنحة الفروع في القيادات وهو ينتظر شجاعة أو ازمة.
إنهم في هيئة القيادة العامة لا يمسون الجنرالات بسبب تبلد في الحس بزعم أنه ليس من المهم أن يوجد في الادارة عشرون أو اثنان وعشرون أو اربعة وعشرون من القادة الكبار في رابطة فيها أكثر من نصف مليون جندي في خدمة الزامية ودائمة واحتياطية. لكن ذلك مهم جدا لأنه لا تسويغ للتكريم والمال الذي يكون الجيش مستعدا لغمر قادته الكبار به في حين يبخل بأجور العاملين الصغار فيه.
لا حاجة الى جنرالات في الخدمة الدائمة مثل مدعي عام عسكري رئيس أو رئيس المحكمة العسكرية للنقض وقائد الطابور. فالاول يجب أن يعاد الى رتبة عميد، والثاني يكفيه أن يكون قاضيا لوائيا، أما المنصب الثالث فيوجه اليه ألوية في الخدمة الاحتياطية (طلب أحدهم مؤخرا أن يخدم قائدا للواء احتياط؛ وكان طلبه صادقا لكن لم يكن أمل في أن يستجاب له كما علم رئيس هيئة الاركان موشيه ديان أنهم لن يُمكنوه عند استقالته من أن يتولى قيادة بهاد 1). ولم تثبت الحاجة الى تعيين لواء في الخدمة الدائمة أو اعادة لواء الى الخدمة مع انشاء قيادة العمق. إن القيادة حسنت التخطيط للعمليات لكنها لم تجد بعد مكانها بين أذرع الجو والاستخبارات والبحر، ولا حاجة الى دفع أجرة لواء في الخدمة الدائمة الى من يرأسها فيمكن الاكتفاء بلواء اعتزل الخدمة أو بترفيع لعميد مناسب في الخدمة الاحتياطية.
إن الجيش يرأسه الآن ضباط متواضعون نزيهون وهذا نسبي بيقين قياسا بكثيرين سبقوهم. فقد علمتهم ضربات الماضي أن المجد لا يكتسب بالضرورة بانتصارات قصيرة الأمد بل بمنع تورط باهظ الكلفة. فاذا كان الجيش منذ خمسينيات القرن الماضي الى ثمانينياته قد قاد القتال، فقد اصبح الجيل الحالي في القيادة معتدلا متيقظا. وهم يعلمون ما لم يعلمه الى الآن نتنياهو وشركاؤه في الرأي: وهو أنه حتى لو أحرز نصر في جولة عسكرية بعد جولة، وهو ما لا يحدث، فليس في ذلك فائدة اذا ما تبرأ المجتمع المدني من فكرة الجولات التي لا نهاية لها.
إن الجيش الذي تسوء حالته والعدو الذي يثري بمعنى جمع أملاك لا يريد أن يخسرها في الحرب وصفة لتوازن يقلل اخطار الحرب بشرط أن يصاغ اتفاق مع الجيران. والجيش الاسرائيلي بادارته الحالية لن يكون عائقا أمام السلام لكن القيادة السياسية ما زالت الى الآن تقيم وضع الحرب.
هآرتس9/2/2014