الاغلاق على غزة.. ولد في الخطيئة وسيموت بالعار
ارييلا رينغل هوفمن
6/13/2010
الانباء التي نشرت أمس، وبموجبها فان اسرائيل مستعدة لان تخفف الاغلاق عن غزة (على فرض أنها صحيحة)، هي سبب وجيه لفرح صغير في هذه الايام الصعبة، حتى لو كانت الشروحات التي رافقتها بالاجمال فكرنا في ذلك قبل أن نتلقى النبوت على الرأس وحشرهم لنا في الزاوية بائسة ومثقلة.
يمكن للمرء أن يكون غبيا تماما في مواضيع الامن ويبقى يفهم مع ذلك بان الاغلاق المتواصل، الذي يتضمن حظرا على دخول منتجات مثل المربى والورود حسنا، المربى فقط والحلويات والبسكوت والكعك، والمشروبات الخفيفة، والفواكه المجففة، والزعتر، والتوابل الاخرى، ومواد التنظيف البيتية، وادوات الكتابة، واقلام الرصاص، واقلام الحبر، والمحايات، ومنتجات الورق، والادوات المكتبية، وكتب التعليم واقراص الحاسوب ليس لها أي صلة مهما كانت بالامن. وحتى لو فكرنا على نحو كبير، بمعاني المناعة الوطنية. وحتى لو اتفقنا، بصعوبة، مع قرار حظر ادخال الاسمنت والحديد للبناء.
هذا الاغلاق، الذي سنحتفل له بعد قليل بيوم ميلاده الخامس دون كعكة ودون شموع لم يوفر البضاعة منذ يومه الاول. فقد ولد بالخطيئة، ولم تكن له لحظة واحدة من الرحمة، وهو سيموت بعار كبير. فهو لم يولد عصيانا مدنيا كما توقع له المبادرون له، كما وعد بان يحصل بعض من مؤيديه. دولة اسرائيل فقدت منذ زمن بعيد، قبل سنين، قدرتها على ان تملي نظاما جديدا في الشرق الاوسط، وحسنا ان الأمر هكذا. بالتأكيد وبالتأكيد جدا بما يتعلق بالمناطق. التفكير، الذي من الصعب جدا علينا التحرر منه، وكأن صرخة تصعد من تحت ستهز كراسي الجالسين فوق، لم يثبت نفسه ابدا. لا في حملة 'الحساب' في لبنان ولا في 'عناقيد الغضب' التي جاءت بعدها، لا في حرب لبنان الثانية، ولا بين هذه وتلك في اماكن اخرى.
وحتى في اسرائيل الديمقراطية، التي مواطنوها أحرار في أن يعربوا عن رأيهم، حتى عندما حظي رئيس الوزراء ايهود اولمرت، فور حرب لبنان الثانية، بتأييد خمسة أو ستة في المئة من سكانها، فالى المظاهرات في ميدان المدينة وصل فقط عدة الاف. فهل في غزة المضروبة والمرضوضة سيقوم السكان بالعمل من أجل الصهاينة، الذين يخنقونهم من الامام، من الخلف، من تحت ومن فوق؟
هذا الاغلاق لم يعزز فتح ولم يهز الكرسي تحت حكم حماس. العكس هو الصحيح. كما أنه لم يمنع اختطاف غلعاد شاليط ولم يدفع الى الامام الكفاح لتحريره. لم يجدِ في ضمان سلامة الجنوب، لم يحم ِ أطفال الروضة في سديروت ولا الاهالي وابناء عائلاتهم حتى عسقلان. كان هذا قرار القيادة الغزية متى تشعل النار ومتى تخفض مستوى اللهيب، وهذا القرار اتخذ على نحو منقطع عن القرارات بالاغلاق. هكذا كان ايضا عندما قررت الزعامة الاسرائيلية كل بدوره تعطيش واظلام غزة.
هذا الاغلاق لم يجعل حملة 'رصاص مصبوب' زائدة ولم يخفف من عبء القتال هناك. والاخطر من كل ذلك هو أنه لم يؤدِّ الى عزل حماس في العالم. الاغلاق المتواصل، الشهادات، حتى وان كانت ملفقة في قسم منها، عن الوضع في القطاع، جعلت اسرائيل تبدو مرفوضة في نظر العالم الغربي وولدت الحدث الاخير، المرير والقاسي لاسرائيل.
بتعبير آخر، حقيقة أن اسرائيل أملت، أو على الاقل بذلت جهدا كبيرا لان تملي، متى وكم علبة عيدان ثقاب ستجتاز المعابر، لم تخدم أي هدم عقلاني تراه العين، يمكنه أن يصمد في اختبارات الكلفة المنفعة الاساسية. لا يمكن لاي دولة في العالم المتنور أن تحكم حتى وان كان من خارج الجدار سكانا من 1.5 مليون نسمة وتخرج نظيفة اليدين. الازمنة تغيرت. هذا لم يعد ممكنا.
إذن ما العمل؟ كان ذات مرة رجل واحد، يسمى بوما شفيت، قرع بقلم الرصاص على الطاولة وقدم الجواب الواحد والوحيد المعقول: العمل! لا ننتظر الطرف الاخر أن يورطنا حتى الرقبة. حتى يغصبنا نصف العالم ونصف العالم الاخر يلفظنا.
نسهل الاغلاق حتى نلغيه تماما، ونترك للغزيين أن يقرروا ماذا يضعون على طاولة العشاء. ليس هذا شأن دولة اسرائيل من اللحظة التي خرج فيها آخر مواطني الدولة وجنودها من هناك في آب (أغسطس) 1995 حتى لو كانوا يريدون هنية كعقبى.
وغلعاد شاليط: مثلما كتبت هنا بالضبط قبل اسبوع: لندفع الثمن اللازم لتحريره.
نقلا عن صحيفة يديعوت الصهيونية10/6/2010